آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » تركيا… العروس حامل!

تركيا… العروس حامل!

| رانا أبي جمعة

زلزال تركيا وما رافقه من دمار وضحايا ونزوح جعل من المواطن التركي مواطناً عاطفياً هشاً عرضة لسيل لا يتوقّف من المعلومات والمعلومات المتناقضة والاتهامات والاتهامات المضادة.

في شوارع إسطنبول لا شيء يدل على قرب الانتخابات العامة المقرر إجراؤها في شهر أيار/مايو المقبل، فزلزال كهرمان مرعش لم يزلزل الأرض في الشرق التركي إنما زلزل أمزجة الناس وتحديداً في إسطنبول. فبعد الحزن على ما حدث، ساد الغضب ليحلّ اليوم مكانهما القلق الذي لا يفارق تقاسيم وجوه سكان المدينة المزدحمة.

وما إن تبادر للسؤال عن الزلزال وآثاره حتى يلفحَك يأس غير الآمن، فما رأوه في 10 محافظات تركية لا يبشّر بالخير إذا تعرّضت إسطنبول إلى زلزال مشابه ينتظرونه ولا يتمنونه. بالنسبة لهم لن تدمّر إسطنبول فقط بل الدولة التركية التي نراها اليوم.

حتى الساعة لا يُعرف كيف لكآبة الناس في المدن التركية أن تترجم في صناديق الاقتراع. آخر الأرقام تشير إلى تقدّم رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال كليجدار أوغلو على منافسه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

وفقاً للنتائج التي أعلنها PIAR لاستطلاعات الرأي في العاشر من آذار/مارس حصل كليجدار أوغلو على 57.1% من الأصوات فيما حصل إردوغان على 42.9%. وانطلاقاً من هذه النسب وأخرى مشابهة، فإن أمل المعارضة معقود على الفوز رغم التشكيك الحاضر من عمليات تزوير قد تدخل على الخط، وهنا يُثار رفض المجلس الأعلى للانتخابات إعادة فرض الحبر الانتخابي، وهو مطلب كتب عنه الكثير في الصحافة التركية المعارضة.

وبالعودة إلى حماوة المشهد السياسي، وتحديداً إلى لحظة إعلان خروج زعيمة حزب “الجيد”، مارال أكشنار عن طاولة الستة لرفضها تسمية كمال كليجدار أوغلو كمرشح توافقي لتحالف الأمة، علّق الرئيس إردوغان بالقول “جلسوا وتحدّثوا وتفرّقوا”.

وفي الواقع هم تفرّقوا لوقت قصير جداً لم يتعدَ الـ72 ساعة، فالهزة التي أصابت طاولة المعارضة سرعان ما تم احتواؤها، عبر القبول بنائبين لرئيس الجمهورية في حال فوز كليجدار أوغلو، وهما رئيسا بلدية إسطنبول وأنقرة أكرم إمام أوغلو ومنصور ياواش، والأخيران ليسا إلا إضافة على ما أعلن سابقاً عن تعيين زعماء الأحزاب الخمسة الأخرى نواباً للرئيس.

الخطوة التي قيل بأنها أتت بنتيجة الضغط الشعبي، أعادت رفع المعنويات لمناصري أحزاب تحالف الأمة على أن يتم العمل خلال الأيام المتبقيّة كأوركسترا لا تقبل النشاز أو أي هزات غير متوقّعة من أي من أقطاب الأحزاب الستة، عبر إدارة سياسية مدروسة ومتقنة لكل الملفات والقضايا التي دخلت البازار الانتخابي من بابه العريض، بدءاً بالزلزال وتداعياته مروراً بالاقتصاد وصولاً إلى النظام السياسي الذي ستسعى المعارضة إلى تغييره في حال وصولها ليكون نظاماً برلمانياً معزّزاً.

وفي الطريق إلى الفوز المأمول وفقاً للمعارضة، لا يمكن إهمال حزب الشعوب الديمقراطي وهو بمثابة بيضة القبان بكتلة تصويتية تقدّر بـ7 ملايين ناخب، واليوم تتجه الأنظار الى زيارة كليجدار أوغلو لمقر الحزب. والسؤال المطروح علامَ سيتم الاتفاق؟ وأين قاعدة حزب “الجيد” القومي مما سيُتفق عليه؟

وأيّاً كانت الأجوبة، فالإعلان عنها سيكون سلساً لأنها ستأتي عبر كليجدار أوغلو الذي أثبت أنه مرشح جدي ومثابر ومطمئن لمن يقف في صفوف المعارضة، والبعض يذهب للقول بأنه أثبت نفسه قيادياً من خلال تسميته كمرشح توافقي لطاولة الستة التي جمعت النقيض السياسي بهدف التخلّص من حكم خصمهم.

يُعرف عن المواطن التركي أنه يفضّل الرئيس القوي والقادر، لذلك رأينا إردوغان في قلب المشهد السياسي لأكثر من 20 عاماً. ولكن اليوم ومع اهتزاز الصورة داخلياً ولو جزئياً يصبح التساؤل مشروعاً، هل سنشهد اختياراً مغايراً لما سبق؟

الإصرار على إجراء الانتخابات في أيار/مايو لا في حزيران/يونيو وضع في خانة الاستعجال رغم هول عبء الزلزال، “العروس حامل” كما يقال، وهنا نأتي إلى التوقيت وأهميته.

إنه الرابع عشر من أيار/مايو، التاريخ الذي أتى بعدنان مندريس إلى الحكم في العام 1950. الرجل الذي يحلو للبعض وصفه “بشهيد الأذان”، أعدم بعد 10 سنوات من بقائه في السلطة. ومن هنا يُنتظر استثمار مكثّف للتاريخ والشخصية والمصير من قبل الرئيس إردوغان وحزبه.

الأمر الآخر، يأتي موعد الانتخابات تقريباً بعد 10 أيام على انتهاء شهر رمضان المبارك وما يرافقه عادة من جولات وخطابات ذات بعد ديني غير أنها ليست ببعيدة عن السياسة، وهنا أيضاً يُنتظر استثمار مكثّف للدين من قبل الرئيس إردوغان وحزبه.

أما الأهم وهو ما يجب تأكيده، فهو أنّ اليوم لا يشبه الأمس، وعليه فالمواطن التركي ليس هو نفسه. الزلزال وما رافقه من دمار وضحايا ونزوح وربما تغيير ديمغرافي في المستقبل جعل منه مواطناً عاطفياً هشاً عرضة لسيل لا يتوقّف من المعلومات والمعلومات المتناقضة والاتهامات والاتهامات المضادة.

فمن سيكسب المعركة الانتخابية العاطفية؟ رجب طيب إردوغان أم كمال كليجدار أوغلو؟ الأكيد بأن الوقت لا يزال مبكراً جداً لتوقّع المسار والمصير.

 

سيرياهوم نيوز3 – الميادين

x

‎قد يُعجبك أيضاً

كيف ولماذا تراجعت آراء الجمهور الإسرائيلي تجاه الحرب على لبنان؟

تستخدم “إسرائيل” اليوم قوة نارية أعظم من حرب عام 2006 في ظلّ نجاحات أمنية سبقتها، ولكنها تفشل على الأرض طوال شهر ونصف الشهر في أيّ ...