| زياد غصن
تذهب تقديرات مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إلى القول إنَّ السنوات العشر الأولى من عمر الحرب أفقدت ما يزيد على 27 ألف طفل حياتهم.
ليست معاناة الطفلة السورية شام التي أنقذت من تحت أنقاض منزلها المنهار بفعل الزلزال الأخير سوى صورة مصغرة عن معاناة أكثر من 5 ملايين طفل ولدوا خلال فترة الحرب.
وإذا كان القدر قد كتب لشام وكثيرين حياة جديدة، فإنه في المقابل لم يكن كذلك مع المئات ممن فقدوا حياتهم تحت أنقاض منازلهم في 4 محافظات جراء كارثة شباط/فبراير الماضي أو مع الآلاف الذين سلبتهم قذائف الحرب ورصاصها أرواحهم. ومن نجا منهم، فإن طفولتهم لن تكون ذكرى جميلة، وخصوصاً إذا ما تركت بعضاً من ندباتها على صحتهم وتعليمهم ومستقبلهم.
ورغم اقتراب الأزمة من دخول عامها الثالث عشر، فلا تتوفر إلى الآن أرقام موضوعية عن عدد وفيات الأطفال السوريين خلال سنوات الحرب، فما هو متوفر ومتداول ليس إلا تقديرات إحصائية أنجزتها مؤسسات بحثية غير رسمية أو منظمات أممية.
وتواجه البيانات الرسمية عدة ثغرات، سببها حدوث متغيرات ديموغرافية لا تزال غامضة بفعل خروج مناطق عدة عن سيطرة الحكومة في فترات زمنية متباينة، وظاهرة الهجرة واللجوء التي كان جزء مهم منها، ولا يزال، يتم عبر المعابر غير الرسمية.
وفيات بالآلاف
وفقاً لتقرير أممي صدر العام الماضي لمناسبة مرور 11 عاماً على بدء الأزمة السورية، فإن تقديرات منظمة “اليونيسف” تشير إلى أن الحرب حصدت حياة أو تسببت بإصابة ما يزيد على 13 ألف طفل.
وتذهب تقديرات مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إلى القول إنَّ السنوات العشر الأولى من عمر الحرب أفقدت ما يزيد على 27 ألف طفل حياتهم، وذلك من إجمالي عدد الضحايا المقدر أولياً بنحو 350 ألف وفاة، أي أن ضحايا الأطفال شكلوا ما نسبته 7.7%. وبحسب المصدر نفسه، فإن واحداً من بين كل 13 ضحية كان طفلاً أو امرأة.
عموماً، وبعيداً من السجال الحاصل في التقديرات الإحصائية، يمكن القول إن الوفيات والإصابات التي سببتها الحرب بين فئة الأطفال كبيرة جداً، وإنها جاءت بصورة مباشرة جراء تعرضهم للاستهداف بالرصاص والقذائف أو بصورة غير مباشرة مع تعرضهم لتأثيرات الحرب وأضرارها في جوانبها الصحية والاجتماعية والاقتصادية.
ومع أنَّ مساحة المعارك انحسرت بشكل واضح منذ عام 2019، إلا أنّ الوفيات الناجمة بصورة مباشرة عنها لا تزال مستمرة، وإن بشكل أقل من السابق؛ فالألغام والقذائف غير المتفجرة تحولت إلى سبب رئيس لوفيات الأطفال خلال السنوات القليلة الأخيرة. وفي عام 2021، سجلت “اليونيسف” في سوريا وفاة وإصابة نحو 900 طفل، ثلثهم قتل أو أصيب بالألغام الأرضية ومخلفات الحرب من المتفجرات.
أما الوفيات الناتجة من المعارك بصورة غير مباشرة، فهي تبدو مستمرة وطويلة الأمد، وقد تتفاقم أكثر في المرحلة المقبلة مع تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والصحية في البلاد، على خلفية مجموعة عوامل يأتي في مقدمتها الخراب والدمار الكبيران اللذان لحقا بالمنشآت الخدمية والبنى التحتية، والعقوبات الغربية المتزايدة، وتبخر عقود من المؤشرات التنموية، وغير ذلك.
يأتي الوضع الصحي للأطفال أهم مسببات الوفاة في مرحلة انحسار الحرب والمعارك. مثلاً، تكشف نتائج مسج أجرته وزارة الصحة مع المكتب المركزي للإحصاء أن معدل وفيات الأطفال دون عمر الخامسة بين عامي 2010 و2015 ارتفع من 21.4 بالألف إلى 32 بالألف.
وخلال الفترة الممتدة بين عامي 2015-2018، تحسّن قليلاً مسجلاً نحو 23.7 بالألف، وهو مستوى قريب من قيمته قبل الحرب. وتبعاً لما يظهره تقرير حالة السكّان الأخير، “فعند التقصي عن الأسباب الرئيسية التي أدت إلى الوفاة، جاءت أولاً التشوهات الولادية، تلتها الإنتانات التنفسية، بما فيها ذات الرئة، وأتى الإسهال في المرتبة الثالثة.
وقد تأثرت هذه المسببات بشكل كبير بالأزمة، إذ تشير البيانات حول المحددات الاجتماعية والاقتصادية كأسباب غير مباشرة لوفيات الأطفال دون الخامسة إلى أن تكلفة العلاج شكلت عبئاً مالياً لدى نحو 21.8% من الأسر، التي كانت في ضوء ذلك مضطرة إلى الاقتراض، فيما قالت 32.4% من الأسر إن السبب يكمن في عدم قدرتها على شراء الأدوية.
وهناك من رمى بالمسؤولية على الوقت المستغرق في الوصول إلى أقرب مستشفى (أكثر من ساعتين) جراء عدم توفر وسائط النقل وطول المسافة، وكانت نسبتهم 16.2%. وأخيراً، فإن 19.2% من الأسر أعادت السبب إلى عدم توفر الحواضن والكادر الطبي المختص.
ومن لم يمت!
أحياناً، تبدو الحياة أصعب من الموت أو مساوية له في حالات معينة، كما هي حال الأطفال الذين يعانون بشدة انعكاسات الوضع الاقتصادي والمعيشي والصحي المتدهور في البلاد. نحن هنا نتحدث عن سوء تغذية، وخطر الإصابة بأمراض وأوبئة خطرة، وارتفاع نسب التسرب المدرسي، وغير ذلك.
وعلى الرغم من الانتقادات الموجهة إلى البيانات الرسمية ودقتها، فإنَّها تثير مخاوف حقيقية حيال حياة نسبة ليست قليلة من أطفال البلاد. مثلاً، تظهر بيانات وزارة الصحة المستخلصة من المسح المذكور أن معدل انتشار سوء التغذية الحاد بين الأطفال دون سن الخمس سنوات وصل إلى نحو 1.7%.
وقد تراوحت هذه المعدلات تبعاً للمحافظات بين 0.4% و2.8%، في حين بلغ معدل الانتشار 0 في محافظة واحدة هي السويداء. أما بالنسبة إلى انتشار سوء التغذية المزمن (التقزم) بين الأطفال دون سن الخامسة، فقد قدرتها دراسات الصحة بنحو 12.6%.
وقد تباينت هذه النسبة تبعاً للمحافظات؛ ففي طرطوس بلغت 5.6%، فيما وصلت في دير الزور إلى حدود 22%. وتضيف البيانات أن معدل انتشار نقص الوزن بين الأطفال دون الخامسة وصل إلى نحو 4,9 %، وكان أدناه في محافظة طرطوس بمعدل 2%، وأعلاه في محافظة دير الزور بمعدل يصل إلى 8.6%.
وتراجع حصول الأطفال على اللقاحات اللازمة والمقررة وطنياً بشكل كبير، فالنسبة التي كانت عام 2010 تلامس عتبة 99%، تراجعت عام 2015 إلى أقل من 66%، قبل أن تعاود الارتفاع عام 2018 مع استقرار الأوضاع الأمنية في مناطق واسعة من البلاد، مسجلة نحو 89% للأطفال ممن هم دون سن الخامسة، ونحو 80% للأطفال دون عمر السنة الواحدة والمحصنين ضد الحصبة.
في المقابل، هذه النسب تظهر أن هناك مجموعة واسعة من الأطفال لا يحصلون على لقاحاتهم الضرورية. هؤلاء يصبح عددهم أكبر في حال تمت إضافة الأطفال الموجودين مع أسرهم في المناطق خارج السيطرة.
باختصار، يجمل المركز السوري لبحوث السياسات في تقريره لعام 2020 أوضاع الأطفال السوريين منذ العام 2011 بالإشارة إلى 7 مخاطر رئيسية هي: عشرات آلاف الوفيات بين الأطفال، وأكثر من مليون إصابة وإعاقة بين الأطفال، وثلث الأطفال لا يعرفون شيئاً إلا عمراً محكوماً بالنزاع، ونصف الأطفال نازحون داخل البلاد خارجها، وثلثا الأطفال يعيشون في فقر شديد، وما يقارب من نصف الجبل تسرب من المدرسة، ومعظم الأطفال معرضون لظاهرة التنجيد، والعمل، والزواج المبكر، وعدم تسجيل الولادات.
ما الأسوأ؟
لا تبدو المخاطر الصحية وحدها مثيرة للقلق حيال مستقبل أجيال كاملة من الأطفال السوريين، فالتعليم وما يشهده من متغيرات سلبية يشكل أيضاً مصدراً مباشراً للخطر، إذ إنَّ المؤشرات الإحصائية تظهر أنه في عام 2019 كان هناك نحو 2.3 مليون طفل تتراوح أعمارهم بين السابعة والسابعة عشرة غير ملتحقين بالمدارس.
هذا الرقم، وإن كان قد تراجع مقارنة بعام 2014 الذي سجل تسرب نحو 3.1 ملايين طفل، إلا أنه، وفقاً لجميع التوقعات، شهد زيادة خلال السنوات الثلاث الأخيرة تحت ضغط الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي يعيشها السوريون جراء الحصار ونهب ثروات البلاد والأزمات الاقتصادية الإقليمية والدولية.
وقدرت وزارة التربية السورية مؤخراً نسبة تسرب الطلاب بنحو 22%، وهي نسبة تضاف إلى مشكلات أخرى كثيرة يعانيها قطاع التعليم في سوريا، كقدرة الطلاب على الوصول إلى التعليم، وتعدد المناهج التعليمية التي تدرس على امتداد الجغرافيا الوطنية وفي مخيمات اللجوء، وضعف مخرجات التعليم، وغيرها.
ومع كارثة الزلزال، تصبح أوضاع الأطفال السوريين في جميع المناطق، وبلا استثناء، أكثر مأساوية، ولا سيما في المناطق التي تضررت بشكل مباشر بتداعيات ذلك الزلزال.
وإلى جانب وفاة ما يقارب 450 طفلاً كانوا على مقاعد الدراسة، فإن هناك المئات ممن تعرضوا لإصابات جسدية تتفاوت شدتها بين طفل وآخر، فيما الآلاف لا يزالون يعيشون رهاباً نفسياً، وقد يحتاجون إلى أشهر من المعالجة حتى يتمكنوا من تجاوزه، إضافة إلى الأوضاع المعيشية الصعبة التي يعيشونها جراء فقدان منازلهم ومصادر دخل أسرهم ومدارسهم، التي إما تضررت وانهار بعضها، وإما تحولت إلى مراكز إيواء.
سيرياهوم نيوز3 – الميادين