محمد نور الدين
على مسافة أقلّ من شهرين من الانتخابات النيابية والرئاسية في تركيا، تخوض الأحزاب الكبرى المؤتلفة في «تحالف الجمهور» (السلطة)، و«تحالف الأمّة» (المعارضة)، حرب استطلاعات رأي يُظهر بعضها تقدُّم مرشّح المعارضة، كمال كيليتشدار أوغلو، على مُنافسه الرئيس رجب طيب إردوغان. وفي موازاة الاهتمام بالمعركة الرئاسية، يسعى الجانبان إلى السيطرة على البرلمان، من خلال استمالة الأحزاب الصغيرة التي تؤمِّن لهما بعض الأصوات، في مقابل حصولها على نواب. وتجدر الإشارة إلى أن الناخب لا يصوّت للتحالف، بل يضع إشارة إلى جانب الحزب الذي يختاره؛ فإذا كان التحالف من عدّة أحزاب، كحالة «تحالف الأمّة»، تُجمع الأصوات التي نالتها أحزابه لمعرفة حصته في البرلمان
مع حسْم غالبية التحالفات الرئيسة، تخوض الأحزاب التركية، على مسافة أقلّ من شهرَين من الانتخابات النيابية والرئاسية، حرب استطلاعات رأي من جهة، فيما يسعى كلّ فريق، من جهة أخرى، إلى استقطاب الأحزاب الصغيرة لتعزيز حظوظه. وقد عكست نتائج أكثر من استطلاع تقدُّماً واضحاً لمرشّح المعارضة، كمال كيليتشدار أوغلو، على مُنافسه الرئيس الحالي، رجب طيب إردوغان. ففي استطلاع أجراه «مركز أبحاث آقصوي»، في آذار الجاري، حصل «حزب العدالة والتنمية» على 31% من الأصوات، بعدما نال، الشهر الماضي، 32.1%. وفي المقابل، تقدَّم «حزب الشعب الجمهوري» من 27.3% في شباط، إلى 28.4% في آذار، فيما تراجع «الحزب الجيّد»، بزعامة مرال آقشينير، من 13.6% إلى 12%، وهو ما انسحب أيضاً على «حزب الشعوب الديموقراطي» الكردي (من 12% إلى 10.3%). أمّا «حزب الحركة القومية»، شريك «العدالة والتنمية»، فتقدّم من 6.8% إلى 7.2%. كذلك، أظهر الاستطلاع تقدُّماً لـ«حزب الديموقراطية والتقدُّم» الذي يترأّسه علي باباجان، من 0.7% إلى 1.4%، ولـ«المستقبل» بزعامة أحمد داوود أوغلو، من 0.7% إلى 0.9%، ولـ«السعادة» الذي يترأّسه تيميل قره موللا أوغلو، من 0.8% إلى 1.4%. وحصل «حزب العمّال» التركي اليساري، للمرّة الأولى، على 1.1%.
ad
وفي وقت كان فيه العديد من الاستطلاعات يمنح كيليتشدار أوغلو تقدُّماً على إردوغان بنسبة 55% مقابل 45%، عرض نائب رئيس «العدالة والتنمية»، مصطفى شين، نتيجة استطلاع أجراه حزبه، وعكس نيْل إردوغان 53% من الأصوات، مقابل 47% لكيليتشدار أوغلو وغيره، و41% من مقاعد البرلمان للحزب الحاكم. وتسود أوساط «العدالة والتنمية» حالة من التعبئة، إذ لا يسعى الحزب فقط إلى فوز رئيسه، بل هو لا يقبل بأقلّ من فوز ساحق؛ فنسبة 53% التي أَظهرها الاستطلاع «لا تليق بتاريخ إردوغان» الذي يردّد هذه الأيام: «إنها الانتخابات الأخيرة لي». وبحسب شين أيضاً، فإن «مشهد المعارضة المنقسمة قبل الإجماع على ترشيح كيليتشدار أوغلو، لا يشجّع الناخب»، فيما إردوغان وحده يمكنه «تضميد جراح الزلزال».
وإذا كانت الانتخابات الرئاسية هي الأهمّ وفق النظام الرئاسي المعمول به، فإن العمل على عدم خسارة «تحالف الجمهور» بين حزبَي «العدالة والتنمية» و«الحركة القومية»، الغالبية المطلَقة في البرلمان، يأخذ حيّز اهتمام كبيراً أيضاً. ذلك أن النظام الانتخابي الجديد يتطلّب أن يحصل أيّ حزب على 7% (كانت 10% في آخر انتخابات) ليتمكّن من دخول البرلمان. ولكن، إذا كان حزبٌ ما موجوداً في تحالف انتخابي مع حزب أو أكثر في دائرة انتخابية، فإن الأصوات تَذهب إليه مباشرة لا إلى التحالف، ومن ثمّ تُجمع أصوات الأحزاب المؤتلفة ليُعرف عدد النوّاب المستحَقّ للتحالف، وتُوزّع عليها وفقاً لنسبة ما يناله كلّ منها. وهذا يعني أن جزءاً كبيراً من الأحزاب الصغيرة قد تَخرج بأعداد قليلة من النوّاب أو حتى من دون نوّاب؛ إذ كلّما كثُر عدد الأحزاب المؤتلفة داخل تحالفات، قلّ العدد الذي ستحصل عليه. من هنا، فإن فُرص «تحالف الجمهور» ستكون أكبر من فرص «تحالف الأمّة» المؤلَّف من ستّة أحزاب، ما سيُرتّب عليه خوض الانتخابات تبعاً للدوائر الانتخابية بعدد أقلّ من الأحزاب في الدائرة الواحدة، ويَفرض عليه حسابات دقيقة ومتعِبة.
ad
يتّجه «الشعوب الديموقراطي» إلى ترشيح نوّابه على قائمة «حزب اليسار الأخضر»
لكن ذلك لا يعني عدم البحث عن حلفاء جدد من أجل الانتخابات الرئاسية أولاً، ومن ثمّ إعطاء الأحزاب الكبيرة بعضاً من أصواتها إلى الأحزاب الصغيرة الحليفة لتضمن الأخيرة تمثيلاً في البرلمان. إذ لا معنى لأن تؤيّد الأحزاب الصغيرة إردوغان أو كيليتشدار أوغلو في الرئاسة، من دون أن تنال حصّة مقبولة في البرلمان على حساب «العدالة والتنمية» أو «الحركة القومية» أو «الشعب الجمهوري» و«الحزب الجيّد». وفي هذا السياق، تتّجه الأنظار، غداً، إلى مقرّ «حزب الشعوب الديموقراطي» في أنقرة، والذي يتوجّه إليه ظهراً كمال كيليتشدار أوغلو. وعلى رغم أن الاجتماع قد لا يحسم شيئاً، لكنّه يُعدّ مؤشراً مهمّاً جدّاً إلى القرار الذي سيتّخذه الحزب الكردي بتأييد مرشّح المعارضة مِن عدمه، وذلك ربطاً بما سيسمعه من مواقف أو وعود تتعلّق بالمطالب الكردية، وهي التالية: اعتبار الكردية لغة رسمية ثانية، والتعليم باللغة الكردية، واللامركزية السياسية، وغيرها من مطالب قد تبدو انفصالية ولا يمكن أن يلبّيها كيليتشدار أوغلو في هذه المرحلة. لكن الطرفَين قد يكونان أمام توافق الحدّ الأدنى، الحتمي والوحيد الذي يجعل انتصار المعارضة متاحاً للمرّة الأولى منذ عشرين عاماً.
ad
وحتى لا يقع «الشعوب الديموقراطي» في فخّ السلطة، فقد يتّجه إلى ترشيح نوّابه على قائمة «حزب اليسار الأخضر»؛ ذلك أن الحزب الكردي، وعلى رغم تأجيل البتّ في قضيّة إغلاقه المرفوعة أمام القضاء إلى 11 نيسان، يَخشى أن يتمّ حلّه بعد هذا التاريخ، أي قبل الانتخابات المقرّرة في الـ14 من أيار. فإذا حصل الإغلاق حينها، يكون الحزب قد خسر الترشيحات ولم يَعُد باستطاعته الترشّح على قوائم أحزاب أخرى، خصوصاً وأن آخر مهلة للترشيحات هي في 9 نيسان. لهذا، يُرجّح «حزب الشعوب» أن يدخل الانتخابات باسم «حزب اليسار الأخضر» بمفرده ومن دون تحالفات، حتى يحافظ على مجموع نوّابه. ولكن هذا التوجّه يقابَل بمعارضة أحزاب يسارية شيوعية واشتراكية داخل «تحالف العمل والحرية»، من الذين يرَون أنه يتنافى مع مبدأ التحالف.
في هذا الوقت، برزت على الساحة الموالية تطوّرات لافتة، تمظهرت في مدّ إردوغان يد التحالف إلى أحزاب مِن مِثل «الدعوة الحرّة» الإسلامي الذي ينشط في الوسط الكردي في جنوب شرق البلاد، وهو حزب ديني يُتهّم بأنه وريث «حزب الله» التركي الذي نشط في التسعينيات بالتعاون مع «الدولة العميقة» لمناهضة «حزب العمّال الكردستاني». لكن «حزب الدعوة» الذي تأسّس في 19 كانون الأول 2012، على يد محمد حسين يلماز، ينفي ذلك. وفي طلب الترخيص، وصف يلماز الحزب بأنه: «حزب الشعب وليس النظام، وهو حزب يَخرج من الشعب وسيكون مدافعاً عن الحقّ والمحقّين». وقد نال «الدعوة الحرّة» في الانتخابات البلدية، عام 2018، 157 ألف صوت (0.31%). وفي حال أراد دخول البرلمان، سيكون عليه أن يصبح جزءاً من «تحالف الجمهور»، وأن يصوّت له جمهور «العدالة والتنمية» في دائرة انتخابية أو أكثر ليحصل على نائب أو أكثر. ويطرح ما تقدَّم علامات استفهام حول طبيعة تحالفات «العدالة والتنمية» مع حزب يدافع عن الهوية الكردية، ويطالب باعتماد اللغة الكردية لغة رسمية، وبالتعليم باللغة الكردية، واعتبار الأتراك والأكراد عناصر مؤسّسين للبلاد، وإلغاء شعار أتاتورك «هنيئاً لمَن يقول أنا تركي». ويمكن الحزب الإسلامي، الذي استقبل إردوغان رئيسه زكريا يابجي، في القصر الرئاسي، أن يصبح الرابع في «تحالف الجمهور»، إضافة إلى «حزب الاتحاد الكبير» الذي يترأّسه مصطفى دستجي، والذي لا تتجاوز أصواته وأصوات «الدعوة الحرّة» النصف في المئة. ولعلّ استشعار خطر الهزيمة هو الذي يحدو بمرشّحَي الرئاسة إلى التحالف مقابل «بدل نيابي» مع الأحزاب الأخرى مهما صغر حجمها.
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية