انتشار صور الزعيم الحاكم في البلاد العربيّة، وتقديسه، وتقديم قصائد المديح في “بطولاته وانتصاراته” على شاشات الإعلام وفي الواقع، سمة لافتة ودارجة في الدول العربيّة ذات حُكم الرجل الواحد، أو العائلة الواحدة، ولا يختلف هذا “التمجيد” للزعيم، سواء كان الحُكم ملكيّاً، أو جُمهوريّاً.
في الجزائر التي كانت غابت عن الساحة طويلاً، نتيجةً لحُكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة “المريض”، تبدو أن تلك الحالة في “تمجيد الرئيس”، لا تُعجب الرئيس عبد المجيد تبون، ولا يُريد لها أن تكون سمة عصره، الذي يُريده عصرًا يُعيد لبلاده زعامتها الإقليميّة، وحُضورها بين الدول العربيّة والقارة الافريقية، وهذا بالتأكيد كما يلفت مُعلّقون، لن يحدث بالأدوات القديمة، وهذا ما تنبّه له الرئيس الجزائري.
ووجّه بشكلٍ صارم الرئيس تبون الوزراء في الحكومة بعد تعديل وزاري شمل عشر وزارات “بالامتناع النهائي” عن الاستعمال المبالغ فيه للعبارات السياسيّة النمطيّة التي تُمجّد الشخصيّات وتُقدّسهم عبر أي وسيلة إعلامية تُوحي بأن كل نشاط حكومي مهما كان نوعه هو بتوجيه من السيد رئيس الجمهوريّة.
ولم يكتف الرئيس تبون عن توجيه وزرائه بالامتناع عن تمجيده، بل ذهب إلى أبعد من ذلك حين حذّر الرئيس، الاثنين، حكومته من إطلاق وعود للمواطنين ضمن آجال غير معقولة وآليّات غير مفهومة.
وعادةُ ما تكون سمة الحكومات العربيّة هي الوعود المُؤجّلة، والآليّات غير المفهومة، وذلك حتى ينقضي العهد، ويدخل المواطن في حالة انتظار تنتهي بالإحباط الشديد.
ولن يكون المواطن الجزائري كغيره من نظرائه العرب على موعد مع تسليط الأضواء على اجتماعات الحكومة على الشاشات، والتي عادةً يكون لا طائل منها، بل سيكون على موعد مع توجّه الوزراء إلى الميدان.
وفي ذلك الخُصوص، وجّه الرئيس تبون الوزير الأول بتقليص الاجتماعات الحكومية إلا للضرورة وتوجيه كل الجهود إلى الميدان، “كون الجزائر اليوم ليست بحاجة إلى سن قوانين قد تعكر حياة المواطنين، بل إلى إلغاء بعض منها تجاوزها الزمن”.
ووضع الرئيس الجزائري “رضا الشعب” هو مقياس نجاح حكومته، فدعا تبون لاحترام المواطنين والشعور العام في كل خطوة أو معاملة، “كون رضى الشعب هو المقياس الأوحد لحسن الأداء، لبناء جزائر مهابة وقوية”.
وتفاعل النشطاء مع لفتة الرئيس الجزائري، وربطوها بكون تبون رئيساً مُنتخباً، يُدرك تماماً أهميّة رضا الشارع الجزائري الذي اختاره، فهو أطاح العام 2019 بنظام الرئيس بوتفليفة الذي حكم الجزائر 20 عاماً، ولا يُريد تكرار الأخطاء.
وأشار مُغرّدون إلى أن الرئيس الجزائري حتى وإن كان من الجيل القديم، فهو يُريد أن تُواكب بلاده التقدّم، وأن تبتعد مؤسسات البلاد عن نهج المُعاملات البيروقراطيّة، حيث وجّه الحكومة بتسريع مسار الرقمنة، فيما لفت آخرون بأن ثقة الرئيس تبون بأفعاله وحكمه، تجعله لا يلتفت إلى البحث عن عبارات التمجيد، والتي يستغلّها المسؤولون عادةً بإخفاء الحقائق عن حاكم البلاد، وحقيقة ما يجري.
ويبدو ان الرئيس تبون يركز حاليا على إعادة ترتيب البيت الداخلي، وحل جذري للازمات المعيشية في البلاد، وتوفير المواد التموينية الضرورية خاصة في مقدم شهر رمضان المبارك، وتكثيف الرقابة الحكومية على البقالات والسوبرماركت لمنع استغلال بعض التجار للشهر الفضيل ورفع أسعار السلع.
وكان الرئيس تبون قاد تحركا لإعادة الجزائر الى مكانتها البارزة العربية والافريقية والدولية، عندما احتضن المصالحة الفلسطينية، ولعبت حكومته دورا كبيرا بالتنسيق مع جنوب افريقيا لطرد دولة الاحتلال الإسرائيلي من الاتحاد الافريقي.
الرئيس الجزائري، ومثلما كان واضحا في فقرات خطابه، يريد ان يجعل الانجازات الحقيقية على الأرض هي التي تتحدث، وليس المقالات التي تبجل الرئيس وطاقم الحكومة، وهذه تجربة جديدة نادرة في إدارة الحكم في العالم الثالث، والشمال الافريقي العربي تحديدا، ويظل الحكم بالنجاح او الفشل مرهونا بالنتائج.
سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم