كتب الباحث الأميركي جورج بيب، وهو مدير “الاستراتيجية الكبرى” في معهد كوينسي البحثي، مقالة في موقع “ذا ريسبونسبل ستيتكرافت” الأميركي تناول فيها الحرب الأوكرانية واحتمالات التسوية السلمية.
ورأى الكاتب أن هناك ثلاثة عوامل كبيرة ستشكّل آفاق الحرب في أوكرانيا. كل عامل منها يؤثر على العاملين الآخرين بطرق قابلة للتعزيز. معاً، يمكن لهذه العوامل أن تنشئ في وقت قريب ديناميكية قد تقيّد بشكل كبير قدرة إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على توجيه الأحداث نحو النتائج المرجوة.
العامل الأول هو مسار التطورات في ساحة المعركة. ونتيجة التعبئة التي أمر بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الخريف الماضي، تضغط القوات الروسية أكثر نحو تطويق مدينة باخموت، ويبدو أن الأوكرانيين على شفا أول انتكاسة كبيرة لهم منذ الصيف الماضي. وعلى الرغم من أن هذه المعركة أثبتت أنها بطيئة ومكلفة بالنسبة لروسيا، إلا أنها تلحق خسائر فادحة بأوكرانيا.
واستشهد الكاتب بما ذكرته صحيفة “واشنطن بوست” أن القوات الأوكرانية تعاني من نقص خطير في الذخيرة والعسكريين ذوي الخبرة – وهما أمران لا يستطيع الغرب علاجهما في أي وقت قريب. إذ قد يؤدي إرسال قوات من الولايات المتحدة أو حلف شمال الأطلسي (الناتو) إلى أوكرانيا، إلى مواجهة مباشرة مع الجيش الروسي وتصعيد محتمل إلى صراع نووي. فالمخزونات الغربية من قذائف المدفعية والصواريخ تتناقص، وهو ما ستكون له تداعيات على الاستعداد العسكري الأميركي في أماكن أخرى من العالم. وأصبح من الواضح أن الولايات المتحدة وحلفاءها لا يستطيعون تكثيف التصنيع الدفاعي بالسرعة الكافية لتلبية الاحتياجات الملحة لأوكرانيا.
وأشار الكاتب إلى أن مسألة ما إذا كان استيلاء روسيا على باخموت سيثبت أنه أمر محوري لقدرتها على احتلال المزيد من الأراضي الأوكرانية هو أمر قابل للنقاش، لأن الحروب لا يتم كسبها دائماً عن طريق الاستيلاء على النقاط على الخريطة. إذ يمكن أن يكون استنفاد قدرة الخصم في الميدان وفي إمداد القوات المقاتلة فعالاً بالقدر نفسه. في حرب الاستنزاف، تمتلك روسيا بنية أكبر بكثير من القوى العاملة والصناعة العسكرية للاستفادة منها مقارنة بأوكرانيا. حتى لو نجحت كييف في صد هجوم روسيا على باخموت، فإن رهان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على هدر موارده المحدودة في الدفاع الشامل عن تلك المدينة يمكن أن يشل قدرة أوكرانيا على شن هجوم مضاد فعال في مكان آخر وتحقيق هدفها المعلن المتمثل في استعادة الأراضي التي تحتلها روسيا، بما في ذلك شبه جزيرة القرم.
وأضاف الكاتب أن القطعة المتحركة الثانية لها الأهمية نفسها على الأقل وهي: السياسة الداخلية للولايات المتحدة. لأشهر، كان الرأي العام الأميركي بشأن الحرب الأوكرانية أكثر انقساماً، مع تزايد تساؤل الجمهوريين عن أهداف الحرب الأميركية وحجم الدعم الأميركي لأوكرانيا. قبل عام، كان أقل من عشرة في المائة من الجمهوريين يعتقدون أن الولايات المتحدة تقدم “الكثير من الدعم” لأوكرانيا. اليوم يقترب هذا الرقم من خمسين في المائة، وفقاً لاستطلاع أجراه معهد كوينيبياك أخيراً. على النقيض من ذلك، يعتقد حوالى 62 في المائة من الديمقراطيين أن الدعم الأميركي “صحيح”.
ورأى الكاتب أنه من المحتمل أن يتعمق هذا الانقسام الحزبي مع ابتعاد التقارير الواقعية من ساحة المعركة عن التفاؤل الأميركي، ومع احتدام الحملة للانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2024. فقد دعا كل من حاكم فلوريدا رون ديسانتيس والرئيس السابق دونالد ترامب – اللذان يمثلان سوياً التفضيلات الحالية لأكثر من ثلاثة أرباع الناخبين الجمهوريين – صراحة إلى “السلام” في أوكرانيا وعارضا أي تدخل أميركي أكثر عمقاً، مناقضين موقفهما من تمويل بايدن “بشيك على بياض” (لأوكرانيا) لتحقيق أهداف غير محددة أو غير قابلة للتحقيق. ورغم تمتع سياسة بايدن في أوكرانيا بدعم ساحق من الحزبين الجمهوري والدميقراطي خلال العام الماضي، فمن المرجح أن تواجه هذه السياسة معارضة سياسية متزايدة في المستقبل.
وتابع الكاتب أنه مع احتدام الجدل بشأن أوكرانيا داخل الولايات المتحدة، بدأت أكبر ورقة غليظة في هذه الحرب – الصين – تنشط. فقد زعمت الولايات المتحدة، نقلاً عن معلومات استخبارية لم يتم الكشف عنها، أن الصين تدرس تقديم مساعدة عسكرية لروسيا، وحذرت بكين علناً من القيام بذلك. وبينما يستعد الرئيس الصيني شي جينبينغ للقاء الرئيس الروسي بوتين في موسكو هذا الأسبوع والتشاور مع زيلينسكي عبر الهاتف، رفض بايدن وكبار مسؤوليه خطة السلام الصينية التي تم الكشف عنها أخيراً بشأن أوكرانيا، زاعمَين أن ميل بكين تجاه روسيا يستبعدها كوسيط محتمل.
واعتبر الكاتب أنه على الرغم من مخاوف الولايات المتحدة، فمن غير المرجح أن تقدم الصين دعماً عسكرياً كبيراً لروسيا في أي وقت قريب، لأن مثل هذه المساعدة من شأنها أن تلحق ضرراً كبيراً بمكانة بكين مع أوروبا، التي تعد من بين أهم شركاء الصين التجاريين في وقت يتزايد فيه عدم اليقين الاقتصادي في الصين. فعلى الرغم من أن الرئيس شي قد يكون على استعداد للمخاطرة بهذه العلاقات إذا كان يعتقد أن روسيا معرضة لخطر خسارة الحرب، فلا توجد مؤشرات على أن بكين تعتقد أن مثل هذه النتيجة وشيكة.
وأضاف الكاتب: مع ذلك، هناك فرصة للصين كي تلعب دور صانع السلام أكبر مما يعتقده معظم الناس في واشنطن. فالصين تتمتع بنفوذ كبير على روسيا، حيث أدت أخطاء بوتين في أوكرانيا إلى جعل روسيا تعتمد بشكل كبير على بكين اقتصادياً وجيو – استراتيجياً. فبعد عزل الغرب له، لا يستطيع بوتين تحمّل رفض أهم شريك دولي له إذا أصرت بكين على المضي قدماً في المحادثات. على العكس من ذلك، لا شك أن أوكرانيا تدرك أن تفكير الصين بتقديم الدعم العسكري لروسيا قد يكون حاسماً في نتيجة الحرب. لذلك، فإن محاولة بكين للعب دور الوسيط قد تكون جذابة لكييف إذا رأى الأوكرانيون أن واشنطن غير راغبة في تحقيق النصر في ساحة المعركة وغير قادرة على دفع روسيا إلى تسوية مقبولة.
وتساءل الكاتب: ماذا يمكن أن تنتج هذه العوامل مجتمعة؟ وأجاب قائلاً: إن إدارة بايدن جادلت طويلاً بأن الموقف التفاوضي لأوكرانيا سيتعزز بمرور الوقت، وأن قرار التفاوض يجب أن يُتخذ في كييف وليس في واشنطن، وأن روسيا لن تأتي إلى طاولة المفاوضات حتى تخسر مساحات كبيرة من الأراضي التي تحتلها حالياً. ولكن بحلول الصيف، قد يكون لأوكرانيا نفوذ تفاوضي أقل، مع ركود موقعها في ساحة المعركة وتآكل ثقتها في الدعم الأميركي المستمر. يمكن لكل من أوكرانيا وروسيا، لأسباب مختلفة، أن تجدا الصين جذابة بشكل متزايد كوسيط محتمل، حتى لو لم تكن أية منهما مستعدة بعد لتقديم تنازلات كبيرة. كما لا يزال بإمكان واشنطن، التي لا ترى مثل هذه الجاذبية، أن تلعب دور المفسد لعملية السلام التي ترعاها الصين، لأنها تحتفظ بنفوذ كبير على أوكرانيا. لكن هل يريد بايدن المخاطرة بالتداعيات المحلية والدولية المحتملة للظهور كمعارض للتسوية؟
ورأى الكاتب أنه لم يفت الأوان بعد بالنسبة لإدارة بايدن لإيجاد مخرج من هذا الفخ المحتمل عن طريق الضغط على دواسة السرعة في المفاوضات مع روسيا. فعلى سبيل المثال، قد يساعد إرسال إشارة سرية إلى موسكو بأننا على استعداد لمناقشة القضية الشائكة لعضوية أوكرانيا في حلف الناتو – وهي قضية يعتبرها بوتين مركزية في الحرب، ولكن بايدن حتى الآن رفض مناقشتها – على تغيير هذه الديناميكيات وإعادة تشكيلها. موقف روسيا من التسوية.
وختم الكاتب بالقول إنه ليس من السابق لأوانه القول إن نافذة الفرصة أمام الدبلوماسية الأميركية معرضة لخطر الانحسار.
سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم