آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » أنقرة.. الوقت يضيق وسيفه لا ينتظر

أنقرة.. الوقت يضيق وسيفه لا ينتظر

 

| عبد المنعم علي عيسى

 

كانت السقوف التي رسمها الرئيس بشار الأسد للعلاقة مع تركيا خلال زيارته الأخيرة لموسكو يوم 15 آذار الجاري قد أرجأت اللقاء الرباعي الذي كان من المقرر انعقاده على مستوى نواب وزراء خارجية كل من روسيا وإيران وتركيا وسورية إلى وقت غير محدد، وهي، أي تلك السقوف، ربطت بين «وضع جدول زمني لانسحاب القوات التركية من الأراضي السورية والتوقف عن دعم الفصائل الإرهابية»، وبين انتقال عملية التطبيع إلى الحيز السياسي بعد دخولها الحيز العسكري – الأمني المتمثل بلقاء وزيري دفاع البلدين، ومسؤولين أمنيين منهما، في موسكو برعاية روسية يوم 28 كانون الأول من العام الماضي، الأمر الذي قرأته أنقرة على أنه «فرملة» لمسار ما انفكت تحاول إزالة المطبات المتراكمة عليه منذ حزيران الماضي، وهي ترى فيه ضرورة ناجمة عن اعتبارات عدة لعل الأبرز منها هو التوازنات الداخلية التي تبدو شديدة الهشاشة بدرجة من الصعب انكشاف الضباب فيها عشية اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المقرر يوم 14 أيار المقبل إن لم يجر تأجيلها وهو احتمال وارد قد تذهب إليه دوائر صنع القرار التركية بعد صوغ «توليفة» ما تبرر الذهاب إلى الفعل إذا ما اقتضت الحاجة ذلك.

 

على الرغم من ذلك ذهب وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو بعد أيام من إعلان «سقوف» دمشق، للتأكيد على أن انعقاد «الاجتماع المؤجل» سيحدث «خلال أيام»، ثم روجت تقارير إعلامية تركية يمكن وصفها بالمقربة من حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، لسيناريوهات عدة في هذا السياق، والأبرز منها يقول: إن المسؤولين الأتراك يدرسون في هذه الآونة خيارات عدة بخصوص مصير الوجود العسكري التركي في سورية، وكذا يتدارس هؤلاء، وفق تلك التقارير، الإمكانية «الأمنية» لوضع جدول زمني لإنهاء ذلك الوجود الذي يجب أن يرتبط بـ«تطورات ميدانية وإنسانية وسياسية»، تمهيداً لطرحه على «الوسيطين الروسي والإيراني» أياً تكن النتائج التي ستفضي إليها انتخابات 14 أيار المقبل، وبهذا المعنى فإن أنقرة ترى اليوم أن فترة الـ45 يوماً المتبقية لهذا التاريخ الأخير هي غير كافية لتنفيذ انسحاب يمتد على مساحة تزيد على 9 آلاف كيلو متر مربع من الأراضي السورية، ناهيك عن حقول الألغام التي احتوتها تلك المساحة، ولذا فإن البديل المنطقي، وفق الرؤية السابقة، يتمثل في أن تقدم أنقرة جدولها الزمني، الذي قد يمتد سنوات، إلى كل من موسكو وطهران اللتين ستلعبان عندها دور الضامن لتنفيذ ذلك الجدول بطريقة تشبه إلى حد بعيد صكوك «سندات الخزينة» التي تسوق عادة للبنوك للحصول على قروض، في الوقت الذي يتعذر فيه ذلك فعلى الدول التي تسلك ذلك السلوك، تقديم بدائل عنها للحصول على هذه الأخيرة.

 

هناك الكثير مما يسوغ الحذر الذي أبدته القيادة السورية تجاه «الانعطافة» التركية الحاصلة منذ نحو ثمانية أشهر والمحمومة منذ نحو شهرين، على الرغم من وجود الكثير من المعطيات التي فرضت حدوثها، وهي بالتأكيد لا تقتصر على الأسباب الداخلية التي ذكرنا واحدة بارزة منها والتي تتمثل بالتوازنات الداخلية وعلاقتها بالانتخابات التركية التي اشتد أوراها مؤخراً بدرجة توحي بأنها باتت أقرب لأن تكون معركة «كسر عظم» بين مشروعين ورؤيتين، قد لا يتلاقيان في شيء تجاه الأسئلة التي يفرضها المسار والمصير، فالخارجية، أي دواعي الانعطافة الخارجية، أيضاً تكاد تكون بدرجة تفوق نظيرتها الأولى، وفي الذروة منها التحولات الجارية على النظام العالمي والتي فرضت على دول عدة مراجعة حساباتها في ضوء تلك التحولات وانتهاج سياسات جديدة تبعاً للرؤية التي راحت تتبلور لدى غرف صناعة القرار التي ترسم سياساتها تجاه المآلات التي يمكن أن تفضي إليها هذي الأخيرة، لكن الثابت من تلك الرؤى، هو أن ثمة نظاماً عالمياً جديداً لا يزال قيد التبلور، و«جنينه» لا يزال غير مكتمل، وفي مرحلة حساسة كهذه فإن خيارات الدول تمضي نحو إشاعة الاستقرار في محيطها تجنباً لـ«الهزات الارتدادية» المتوقع حدوثها بفعل «زلزال» بوزن «دفن» نظام قديم وولادة آخر جديد بكل الآلام التي يحملها تينك الحدثان.

 

نقول ثانية: إن هناك الكثير مما يبرر الحذر السوري تجاه تلك الانعطافة، ولربما يمثل الاحتلال التركي لشمال قبرص الذي ما يزال قائماً حتى الآن بعد أن مضى عليه ما يقرب من نصف قرن، ذرورة تلك المبررات، لكن السياسة يجب ألا تقف فقط عند التجارب بما فيها تلك التي مر بها الخصوم، وإنما يجب أن تضع سيل المعطيات والوقائع على حد سواء مع الأولى، وهذي الأخيرة تقول: إن المعارضة التركية المنقسمة حول كثير من القضايا ومن بينها المسألة السورية سوف تسلك طريقاً، لو فازت بالانتخابات، هو أعتى من ذاك الذي سلكه نظام حزب «العدالة والتنمية» تجاه هذي الأخيرة لاعتبارات عدة أبرزها أن أغلبية القوى المكونة لها، أي للمعارضة التركية، ذات هوى «أطلسي»، ناهيك عن أن التشرذم يقود حتماً لحالة يكون من الصعب فيها اتخاذ قرارات كبرى وقد تشكل تلك الحالة «جسر عبور» يطول أمده قبيل أن يعود الاستقرار السياسي، ثم إن التراصف الذي اختارته دمشق ممثلاً بدعوة الرئيس الأسد إلى «توسيع الحضور العسكري الروسي في سورية» سوف تقرؤه واشنطن على أنه موجه ضدها وضد هيمنتها التي تمر بمرحلة حرجة وهو ما لاحت تباشيره في اعتبار مجلة «فوكس نيوز» تلك الدعوة «تهديداً للأمن القومي الأميركي»، وإذا ما كان ذلك لا يضيف كثيراً إلى عدوانية السياسة الأميركية التي مورست تجاه سورية، إلا أن فرصة التلاقي القائمة مع أنقرة الآن تغلق «نافذة» أميركية هي الأعتى مما تمتلكه واشنطن على الحدود مع دمشق.

 

سيرياهوم نيوز1-الوطن

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هل يعلن ترامب الحرب على الصين؟

نور ملحم في وقت يستعد فيه الجيش الأمريكي لحرب محتملة ضد الصين، ويجري تدريبات متعددة لمواجهة ما سُمي بـ«حرب القوى العظمى»، بدأت بكين في بناء ...