بغضّ النّظر عن نتيجة الحملة القضائيّة الشّرسة التي تُواجهه حاليًّا، قد يَخرُج دونالد ترامب رئيس أمريكا السّابق فائزًا، بالنّظر إلى إرثه الشخصيّ أو السياسيّ الحافلِ بالإثارةِ والمُفاجآت، وعدم رفع راية الاستِسلام البيضاء بسُهولة مِثل الكثيرين من أمثاله في التاريخ الأمريكي، فأكثر ما يهمّه هو البقاء تحت الأضواء واحتِلال العناوين الرئيسيّة.
الرئيس ترامب يُواجه اتّهامات في قضيّة أمام محكمة في نيويورك بدفع أموال لشِراء صمت ستورمي دانيلز نجمة الأفلام الإباحيّة قُبيل الانتخابات الرئاسيّة التي خاضها عام 2016، الأمر الذي تراه هيئة المُحلّفين التي وجّهت له هذا الاتّهام رسميًّا قبل يومين، انتهاكًا لقوانين تمويل الحملات الانتخابيّة وقوانين المُحاسبة.
هُناك قضايا عديدة أُخرى مرفوعة ضدّ ترامب أمام المحاكم سواءً بتُهم التهرّب من الضّرائب، أو تحريض أتباعه باقتحام مقرّ الكونغرس، ولكنّ القضيّة الحاليّة الجديدة، أيّ مُحاولة شِراء صمت مُمثّلة أفلام إباحيّة أقام علاقةً جنسيّةً معها ستطغى عليها جميعًا، لتَوفّر جميع عناصر الإثارة الإعلاميّة فيها، وتتبّع فُصولها بالتّالي على نطاقٍ واسعٍ في أمريكا والعالم.
الأمر شِبه المُؤكّد أن الدّولة العميقة في أمريكا التي لم، ولن، تغفر لترامب رفضه نتائج الانتخابات الرئاسيّة التي أطاحت به قبل ثلاثة أعوام، وتحريضه لأنصاره على اقتِحام الكونغرس، قلعة السّلطة التشريعيّة، ولهذا تُريد إغلاق الأبواب أمامه للعودة إلى البيت الأبيض مرّةً أُخرى، وبالوسائل القانونيّة.
إنها سابقةٌ سياسيّة، وقضائيّة أمريكيّة، فهذه هي المرّة الأولى التي يقف فيها رئيس أمريكي، حالي أو سابق، في قفص الاتّهام، ويُحاكم بتُهمٍ جنائيّةٍ قد تُؤدّي إلى تعميق شرخ الانقِسامات في المُجتمع الأمريكي، وربّما إشعال فتيل حربٍ أهليّة، ناهِيك عن هزّ مِصداقيّة النظام القضائي الأمريكي بطريقةٍ أو بأُخرى.
للوهلةِ الأولى يُمكن القول إن هذه السّابقة ستُعزّز المؤسّسة القضائيّة الأمريكيّة، وتؤكّد أنه لا يُوجد أيّ إنسان فوق القانون، مهما علا شأنه وعَظُمَت قوّته، واتّسعت دائرة مُناصريه، ولكن هُناك من يرى أن لائحة الاتّهام المُوجّهة إليه تتعلّق بالانتقام وليس بالعدالة.
هُناك نظريّتان رائِجتان لهما صلة مُباشرة بهذه الخطوة القضائيّة الأمريكيّة التي أعادت الرئيس ترامب إلى الواجهة والعناوين الرئيسيّة مجددًا:
-
الأولى: أن هذه الاتّهامات، وفُصول المُحاكمة التي ستتلوها قد تَصُبّ في مصلحة ترامب، وترفع من شعبيّته، وتُعزّز فُرصه في الفوز بالانتِخابات التمهيديّة للحزب الجمهوري ومن ثمّ الانتِخابات الرئاسيّة عام 2024، لأنّ وقائع المُحاكمة وإجراءاتها ستطول، كما أن احتمالات إدانته غير مضمونة، ولنا في مُحاكمة الرئيس بيل كلينتون ومُغامرته الجنسيّة مع مونيكا لوينسكي خَيرُ مِثالٍ رُغم الأدلّة الدّامغة.
-
الثانية: نقول إن خصم ترامب ومُنافسه القويّ رون دي سانتيس حاكم فلوريدا قد يكون المُستفيد الأكبر من حيث فوزه بترشيح الحزب الجمهوري في الحالين، أيّ إدانة ترامب، أو تبرئته من التّهم، في حالِ صُدور الحُكم النهائي قبل الانتخابات، لأنّ سُمعة الرئيس ترامب ستتلطّخ في جميع الحالات.
من الصّعب علينا ترجيح أيّ من هاتين النظريّتين، ولكن ما نستطيع أن نقوله أنّنا والملايين مِثلنا سنُتابع في الأسابيع والأشهر المُقبلة فُصول أكثر المسرحيّات أو المُسلسلات الدراميّة السياسيّة إثارةً في التّاريخ الأمريكي، فاستِطلاعات الرأي تقول إن 45 بالمئة من الأمريكيين يعتقدون أن الرئيس ترامب لم يرتكب أيّ خطأ، و43 بالمِئة يرون أنّه تصرّف بشَكلٍ غير أخلاقيّ، ولكن ليس غير قانونيّ، كما أن مُمثّلة الفضائح ستقف في قفص الشّهود وتكشف العديد من الأسرار والحقائق المُسلّية.
صحيفة “الغارديان” البريطانية ختمت مقالًا افتتاحيًّا لها حول هذه الاتّهامات المُوجّهة لترامب أمس بالقول “إنه رجل بنى حياته المهنيّة والشخصيّة على الوقاحة، ولا يعرف شيء اسمه الخجل”، ولا نجد وصفًا أصدق من ذلك لخِتام هذه الافتتاحيّة أيضًا التي من المُؤكّد أنها لن تكون الأخيرة.
سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم