يتردد اسمه عندما يتولى التصريح نيابةً عن أمانةِ الأمم المتحدة في نيويورك بحكمِ مركزهِ نائباً للناطق الصحفي الرسمي. فرحان حق رجلٌ هادئٌ متمكنٌ و ذو تهذيبٍ عالٍ. هو ابن الاقتصادي الباكستاني و الوزير السابق الراحل محبوب الحق الذي اجترح مفهوماً متميزاً للتنمية البشرية خالف فيه أدبيات البنك الدولي عندما رسَّخ التعليم/المعرفة و العمر المديد/الصحة الجيدة و المستوى المعيشي اللائق كمؤشراتٍ أعلىٰ أهميةً من حساب الدخل القومي و حصة الفرد فيه. من هذه انطلقت سلسلة تقارير التنمية البشرية التي ينشرها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي على المستويين العالمي والإقليمي.
سُئِلَ فرحان حق قبيل أيام، و هو يُديرُ اللقاء اليومي مع مراسلي الإعلام المنتدبين لتغطية أعمال الأمم المتحدة، سُئِلَ عن تواجد قواتٍ عسكريةٍ أمريكيةٍ في سوريا. ترددَّ قليلاً ثم نفى هذا الوجود. و قد أخطأ بالطبع. بدا لي أن السؤال كان فخَّاً لهُ و أنهُ قد خانتهُ المعلومة و ربما حتى الشجاعة. فلو كانَ أقَرَّ بالوجود الأمريكي العسكري في شمال شرق سوريا احتلالاً لكان انْجَرَّ من الصحفي الماكر ليوضح موقف الأمم المتحدة من هذا التواجد. و لكانَ فرحان قد وقعَ رغم خبرتهِ في مشكلةٍ كبيرةٍ مع رؤسائهِ و مع الولايات المتحدة التي لا تسمح بالمساس بها في عُقْرِ دارها. والحقيقة أن هذا السؤال كان يجب أن يُوجهَ للأمين العام أو لوكيلتهِ السياسية.
خطأ فرحان صارَ متداولاً بين المهتمين و الشامتين. و أنا أُشفِقُ على فرحان من هذه التعليقات، لكن الخطأ كان فادحاً و غير متوقع من شخصيةٍ بمثلهِ. عموماً، الكل يعلم أن الوجود العسكري للولايات المتحدة في سوريا حقيقي. و أن النفط الذي تسرقه ينتهي لدى السلطة الكردية العراقية التي تبيعه لينتقل بالأنابيب لميناء جيهان التركي لِيُباعَ “لإسرائيل”! و قد صدرَ حكمُ محكمة دولية قبل أيام يقضي بلا قانونية هذا التصدير من دون موافقةِ حكومة بغداد و عليه التزمت تركيا بوقف التصدير للصهيونية. هذه قصةٌ لها شجونٌ قادمة،
إذاً أمريكا عبر وجودها العسكري الذي أنكرهُ فرحان، أو قال أنه لا يعلم به، تسرق النفط السوري الذي يُباعَ للصهيونية. و الصهيونية تقصفُ سوريا كلما رأت ذلك من مصلحتها. وأمريكا ذاتها لا توافق على نقل الغاز الطبيعي العربي أو الكهرباء من مصر عبر الأردن و سوريا للبنان إلا بموافقة البنك الدولي، و نعلم أنها حجةٌ، فالأصلُ هو قيصر. و تسعى في ذات الوقت لخلق دويلةٍ كردية تمتد من سوريا للعراق و هو الحلم الأزلي المُعَزِّزْ لدويلاتٍ عِرقيةٍ و طائفيةٍ تشبه الصهيونية و تمتثلها في العنصرية و تقضي على الدولة العربية الوطنية بتشتيتها طوائفاً و قبليات. قالها الصهيوني أوديد ينون قبل أربعة عقود.
وقفت الأمم المتحدة موقفاً متراجعاً من حالة الاحتلال الأمريكي لأراضي سوريا و حتى من القصف الصهيوني المتوالي في سوريا و كأنها لها “ودن من طين وودن من عجين” أو “لا أرى، لا أسمع، لا أتكلم” و هو موقفٌ مُسالمٌ تخشى فيهِ الأمم المتحدة إغضابَ الدافع الأعلى لميزانيتها، الولايات المتحدة، و المهيمنة مع الاتحاد الأوروپي على تشكيل الرأي العام تجاه كثيرِ القضايا. فسكوت الأمم المتحدة نوعٌ من النجاةِ بالنفس و ضمانٌ لاستمراريةِ العمل على الصعيدين المؤسسي والفردي. ثم أن العقوباتَ التي تنالُ من سوريا تنفي يومياً السماتَ التي يجب أن تتصفَ بها التنمية البشرية التي تكلم لها و عنها و بشأنها الراحل محبوب الحق. وكان من شأنِ الإجابةِ على السؤالِ الماكرِ أن تتطرقَ لفشلِ الأمم المتحدة في الدفاعِ عن مبادئ التنمية البشرية المهدورة في سوريا. فهل نلوم فرحان؟ لقد التزمَ الرجل بالخط المؤسسي وحبل نجاةِ كل مسؤولٍ أُممي في أسئلةِ الأزمة السورية.
سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم