د. سليمان الصدي
كان هنالك حاخام لأحد الكنس، خصصت الطائفة له ولأولاده الأربعة بيتاً من غرفتين ومحرك. بعد سنوات، أحس الحاخام أن البيت صار ضيقاً عليه، فذهب إلى الحاخام الأعظم وطلب منه تأمين بيت أكبر يستوعب متطلباته الجديدة.
قال الحاخام الأعظم، اتركني أدرس المسألة.
بعد أيام ذهب الحاخام الأعظم إلى بيت حاخامنا وقال له، إن هنالك من تبرع لكنيسه ببقرتين وحمار. لذلك فهو بحاجة إلى غرفة يضع فيها البهائم.
فصار حاخامنا ينام مع زوجته والأولاد الأربعة في غرفة، والبقرتان والحمار في الغرفة الثانية، ولم يعد الوضع مقبولاً، وصار عمل الحاخام الذهاب إلى الحاخام الأعظم من أجل أن يأخذ البقرتين والحمار.
وبعد زيارات على مدى أربعة أشهر، أخذ الحاخام الأعظم البقرتين والحمار من بيت حاخامنا، الذي راح مع زوجته وأولاده يعملون بكد وتعب على تنظيف آثار البهائم.
بعد أيام، قام حاخامنا بزيارة الحاخام الأعظم، الذي سأله: كيف وضعك في بيتك؟
رد حاخامنا: أروع من هذا لا يمكن…
ألا تذكّرنا هذه القصة بالاحتلال التركي والتطبيع مع العدو الإسرائيلي؟
لقد أتى الاحتلال التركي إلى بلادنا، ومكث على صدورنا مئات الأعوام، وحين رحل ترك آثاره السلبية في فكر الكثيرين، وها هم الآن يتشدقون معجبين بالتركي، والآن نرى تزاحم الطامعين والمطبّعين، فبعد الإمارات والبحرين تعلن السودان على لسان نائب رئيس مجلس السيادة السوداني رغبة بلاده بعلاقات مع إسرائيل.
فبعد أن مكث البقر والحمار أعواماً على الصدور صار التطبيع أفضل حل، فصندوق النقد الدولي سيفرج عن المساعدات الآن، وتم توقيع اتفاق مع الحركات المسلّحة بعد عشرين عاماً من الحرب بدعم أمريكي، وبدأ الدولار يتراجع أمام الجنيه، ووعد بومبيو برفع السودان عن قائمة الإرهاب، إنها المعادلة الأميركية: طبّع تسلم وتأكل، قاتل تجوع وتُدمّر! ففي سورية منذ أن رفع المتمردون العلم التركي في بابا عمرو عرفنا أن سلالات العثماني هم الذين يحاربون الدولة السورية؛ لأنها رفضت التطبيع، وقالت لاءاتها .. ومنذ أن أُعلن التطبيع ظهرت الحقيقة العارية وارتدى الكذب ثوب الحقيقة.
فتقول الأسطورة: إن الحقيقة الكذب التقيا يوما.. فقال الكذب للحقيقة:
– إنه ليوم جميل حقا.
نظرت الحقيقة حولها في ريبة، رفعت عينيها إلى السماء، لترى أن اليوم بالفعل كان يوما جميلا، فقضت وقتا طويلا بصحبة الكذب في ذاك اليوم.
– الماء في البئر رائع، فلنستحم سوياً.
نظرت الحقيقة للكذب في ريبة للمرة الثانية، ولمست الماء، لتجده بالفعل رائعا، فخلع الاثنان ثوبيهما، ونزلا للاستحمام في البئر.
وفجأة، خرج الكذب من البئر، مرتديا ثوب الحقيقة وركض بعيداً. خرجت الحقيقة الغاضبة من البئر، وركضت وراءه في كل الأماكن بحثا عن ثوبها، فنظر البشر إلى عري الحقيقة، وأشاحوا بوجوههم في غضب واستهجان، أما الحقيقة المسكينة، فعادت إلى البئر، واختفت للأبد من فرط خجلها.
والحقيقة العارية التي قدّمها أردوغان لا تخفى على ذي بصر وبصيرة، فقد دخل على خط كاراباخ مثبتاً بما لا يدع مجالاً للشك بأنه شخصية نذلة غير متزنة نفسياً، وقد شغل مدة حكمه شعبه بمعارك أوجدت له مشكلات مع الدول لكي يبقى في السلطة ويفرض ديكتاتوريته الإسلامية بذريعة المشروع العثماني، وها هو ذا يتابع مسيرة فتوحاته، وهو ماض بعزيمة في صراع من أجل البقاء، وبقاء من أجل الصراع.
فما الحكمة من إدخال بلاده في مشكلات الآخرين؟ لماذا يهاجم دولاً ويستفزها من غير أن تتدخل في شؤونه؟ في سورية وليبيا والعراق ومصر والسعودية والإمارات واليونان وفي الصراع بين أذربيجان وأرمينيا، لماذا أيقظ العدوانية بينه وبين الأرمن والأكراد؟ وهو عدو مصالح للروس والإيرانيين مهما أظهر العكس، وتصافح معهم، فعينه على سورية لأنها جزء من الخلافة العثمانية؛ لذا لن يكون صديقاً لإيران، وحاول أن يكسر الروس بإسقاط طائرة لهم في سورية، وأشعل عداوة له في داخل تركيا.
لقد ارتدى الكذب ثوب الحقيقة، فظهرت حقيقته عارية، أما المرتزقة السوريون الذين يحاربون معه فقد أدرك أنهم سيعودون إليه كما عاد الحمار ليأخذ الرسن بعد أن فرّ من صاحبه، ودخل الغابة، وأصبح حراً، لكنه تذكر أنه لا يستطيع العيش من دون رسن، فعاد ليأخذه ليجد صاحبه بانتظاره قائلاً له: أنت بالذات كنت أتوقع عودتك، فهم مرتزقة ليس لهم وطن. إنه الرسن…وما أدراك ما الرسن؟”
وها هو ذا لا يكترث لكثرة القتلى من المرتزقة السوريين، بل يرميهم كالذباب في المحرقة العثمانية، أما حين قتل الجيش العربي السوري خمسين جندياً تركياً أصيب بالجنون وفقد صوابه.
إن هؤلاء المرتزقة السوريين بعد أن ترك لهم غرفة الإسطبل أضحوا يشكرونه ويتنعمون بما بقي لهم لأنهم أدركوا أنهم قد خسروا كل شيء، ولذا لن نجد معارضاً ينطق ببنت شفة يوبخ فيها أردوغان العثماني الإخواني، وهو لا يدري أنه بفعله هذا فضحهم وعرّى حقيقتهم، لقد صاروا الآن أتراكاً أُجراء، إنهم حمار طروادة الذي استخدمه للوصول إلى هدفه، فقد أضحى وطنهم الزريبة العثمانية التي تليق بهم.
وكم تذكرني قصة أردوغان بقصة التاجر الذي تاجر بالدين فربحت تجارته، ففي عام 2007 في ولاية تكساس الأمريكية قرر أحد رجال الأعمال أن يفتح محلاً للخمور بجانب كنيسة، فاعترض أعضاء الكنيسة وأضحوا كل ليلة يتوجهون بالصلاة والدعاء على الرجل، فجاءت عاصفة تسببت بإغلاق المحل، فاحتفل أعضاء الكنيسة باستجابة السماء وانتصار الرب لهم، أما صاحب الخمر فرفع دعوى قضائية ضد الكنيسة في المحكمة طالب فيها الكنيسة بمليوني دولار تعويضاً بسبب دعائهم عليه، بينما أنكرت الكنيسة وأكدت أنه لا تأثير للصلاة والدعاء في مجريات الحياة، نظر القاضي في الأمر وقال: لا أعرف كيف سأحكم في هذه القضية لكن يبدو لنا أن هنالك خماراً يؤمن بقوة الصلاة والدعاء، ولدينا كنيسة لا تؤمن بها. إنها سياسة المتاجرين بالدين وهي واحدة في أي مكان، وأشد من يمثلها أردوغان!
ننتصر اليوم لأجدادنا من ظلم أربعة قرون أنشبها الوحش العثماني في جسدنا ولم يكن لدينا سلاح ندفع به ظلمهم أو صديق يحمي ظهرنا من غدرهم.. جيشنا أملنا وروسيا والصين خلفنا.. فاليوم تستعر الحرب الحقيقية لتصل إلى مستحقاتها النهائية بتحرير الشمال وإنهاء بقايا عفونة العثماني في حياتنا دونما خجل، فالنار لا تبدأ بالخبوّ إلا حين تصل إلى ذروة اشتعالها، وتبقى سورية المبتدأ والمنتهى.
(سيرياهوم نيوز-8-10-2020)