علي عبود
ليست المرة الأولى التي يستأثر الشأن الزراعي بين سورية ودول الجوار (لبنان والأردن والعراق) بالإهتمام المشترك، وهناك عدة إتفاقيات ثنائية موقعة بين هذه الدول، لكنها لم تجد طريقها إلى التنفيذ إلا في حدودها الدنيا، وتحديدا عندما تكون العلاقات السياسية الثنائية جيدة أي غير متوترة، أو تحكمها مقاطعة طويلة كما حدث خلال السنوات 2011 ـ 2022.
ولعل الجديد في هذا السياق توقيع الدول الأربعة على مذكرة تفاهم بتاريخ 27/3/2023 رأى وزراء زراعاتها انها (تؤسس لعمل عربي مشترك)، علما أن الدول العربية ملزمة نظريا بنصوص اتفاقية التجارة العربية التي تنص على تسهيل التبادل التجاري وخاصة مايتعلق منها بالمنتجات الزراعية دون قيود أو رسوم جمركية.
وكما نقول دائما، لم تكن المشكلة يوما بنقص في الإتفاقيات، وإنما بتنفيذها، فدائما تتأثر الإتفاقيات المشتركة سواء الثنائية أو الجماعية بالعلاقات السياسية، فحكومات الدول العربية لم تنضج إلى درجة تفصل فيها مصالحها الاقتصادية عن علاقاتها السياسية، وهذه المشكلة مزمنة، ولا أمل بحلها في الأمد القريب ولا البعيد.
مالفتنا هو الاجتماع الثنائي بين وزيري الزراعة السوري المهندس محمد حسان قطنا واللبناني الدكتور عباس الحاج حسن، فقد أوحيا بأنهما ناقشا القضايا المشتركة للمرة الأولى، وكأنهما يمهدان لتوقيع إتفاقية زراعية ثنائية مشتركة بين البلدين!
حسنا، ليست سورية بحاجة إلى توقيع اتفاق ولا مذكرة تفاهم زراعي مع لبنان، كما أن هذا الأخير ليس بحاجة إلى أي اتفاقية زراعية مع سورية، فالإتفاق الزراعي بين البلدين موقع بتاريخ 16/9/1991، بل يمكن الجزم أنه يراعي المصالح اللبنانية على المصالح السورية، ولو لم يكن كذلك لألغته الحكومات اللبنانية التي كانت تتباهى بعدائيتها لسورية منذ عام 2005!!
ماذا طلب وزير الزراعي اللبناني من نظيره السوري على هامش الاجتماع الوزاري الرباعي في دمشق؟
طلب لبنان من سورية تقديم الدعم الفني في مجالات إكثار البذار والثروة السمكية وإنتاج الإصبعيات، وإنتاج الغراس المثمرة والحراجية، في حين ركزت مذكرة التفاهم الرباعية بعنوان (نحو تحقيق التكامل الاقتصادي الزراعي على المستوى الإقليمي) على تعزيز وتطوير التعاون في المجال الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، وتبادل المعلومات، والتجارب الزراعية الناجحة، والتعاون في مجال تبادل السلع والمنتجات الزراعية، وتسهيل انسيابها مع المحافظة على المصالح الوطنية لكل دولة..الخ.
لو عدنا إلى نص الإتفاق الزراعي بين سورية ولبنان لاكتشفنا أنه يتضمن تعاون بين البلدين يتجاوز بكثير مذكرة التفاهم الجديدة، وهواتفاق لايزال ساريا نظريا، لكنه مجمد، والمتضرر من تجميده لبنان وليس سورية.
لقد نص الإتفاق الزراعي الذي لايتجاوز مع ديباجته الصفحتين على تبادل التجارب والخبرات في مجال البحث العلمي الزراعي ، والتنسيق في مجال الحجر الصحي الزراعي والبيطري وطرق الوقاية من انتشار الأمراض والآفات ومكافحتها .. الخ .
ومن يعرف الواقع الزراعي في البلدين يعرف تماما أن المستفيد هنا هو لبنان لأن سورية متقدمة جدا في مجال البحوث والخبرات والتجارب الزراعية ومكافحة الآفات بل لم يدخل إلى سورية جائحات زراعية خارجية خطيرة بفعل التشدد بدخول المنتجات الزراعية الحيوانية والنبتاية على عكس لبنان تماما الذي يشهد انتشارا للآفات الآتية من الخارج بين الحين والآخر .. !
كما أن سورية هي مقر لمراكز بحوث عربية ودولية متعددة الأغراض وبالتالي ليست بانتظار توقيع إتفاق مع لبنان للإستفادة من خبرات غير متوفرة على أراضيها !
ونص الإتفاق الزراعي المشترك على قيام البلدين بوضع خطة للتكامل تشمل تنسيق سياسات الإنتاج الزراعي ، والعمل على توحيد التشريعات المتعلقة بالقطاع الزراعي ، وتوفير مستلزمات الإنتاج الزراعي والأدوية الزراعية ، وإنتاج المحاصيل الزراعية، وتبادل الهبات في فائض الإنتاج من الشتول .. !
وبما ان لبنان يتخوّف من الفائض الزراعي السوري وبشكل خاص الخضار والفواكه على اعتبار أن
محاصيل البلدين تنضج في نفس الفترة،فقد راعى الإتفاق الزراعي المشترك هذه المخاوف من خلال وضع خطة للتكامل ( لاللتنافس ) تتجسد من خلال ( الروزنامة الزراعية ) وتترجم بوضع برنامج زمني لتبادل المنتجات الزراعية ، ومثل هذه الروزنامة مطبقة أيضا بين سورية والأردن !
وبرأينا فإن الجانب الأهم في الإتفاق الزراعي هو النص المتضمن ( إنشاء هيئة مشتركة للتسويق ، وإقامة مشاريع زراعية مشتركة بين البلدين ) .
وهو نص لم ينفذ، أي ان اللبنانيين كانوا يطالبون بعد عام 2005 بإلغاء إتفاق لم يوضع حتى الآن موضع التنفيذ وهذه بحد ذاتها إشكالية كبرى !
ولاشك أن لبنان الذي يمتلك خبرة أكبر بكثير من الخبرات السورية في مجال التسويق كان بإمكانه من خلال إقامة الهيئة المشتركة للتسويق وإقامة المشاريع الزراعية المشتركة أن يخدم المنتجين في كلا البلدين، لكنه لم يفعل ذلك ولأسباب لم نعرفها حتى الآن !
الخلاصة: لايحتاج لبنان وسورية إلى اتفاق زراعي جديد، بل الحاجة ماسة للجانبين إلى تفعيل الإتفاقيات المشتركة بينهما والتي تشمل مختلف القطاعات الإقتصادية لأسباب تكاد تكون مصيرية لكليهما فهما يعانيان معا من ارتفاع كلف الإستيراد، ومن تدهور سعر الصرف، ومن صعوبات بالتسويق، ويتعرضان لحصار وعقوبات جائرة، ولا يمكن مواجهة كل هذه المشكلات والأزمات إلا بالتنسيق والتكامل بينهما من جهة، ومع دول عربية أخرى وتحديدا الأردن والعراق من جهة أخرى، وهو ماقد تضعه مذكرة التفاهم الأخيرة بين هذه الدول موضع التنفيذ للمرة الأولى.
(سيرياهوم نيوز ١-خاص)