حماد صبح
تجنب البيان الختامي لمؤتمر جدة الإشارة إلى عودة سوريا إلى الجامعة العربية ، واكتفى بالحديث عن ضرورة الحل السياسي للحالة السورية، والعمل على مواجهة المشكلات الإنسانية التي خلفتها سنوات الحرب .
وتفسير ذلك التجنب أنه خضوع لإرادة أميركا التي تدور الدول التسع التي عقدت المؤتمر في فلك سياستها، واستجابة فرعية لرغبة قطر التي كانت من أكثر الدول تمويلا وتسليحا وتأييدا إعلاميا للتنظيمات المسلحة التي تحارب الدولة السورية خاصة جبهة النصرة . ومن السخرية السوداء أن تطالب قطر الدولة السورية بإصلاح سياسي يستجيب لرغبة الشعب السوري، وترى أن هذا الإصلاح لم يتم حتى الآن ، ومن ثم ترفض تطبيع علاقتها مع دمشق . كل النظم الحاكمة في دول الخليج الست أبعد ما تكون عن الإصلاح السياسي.
وحال كثير من الدول العربية قريبة من حال الدول الخليجية ، وسوريا أصلح الدول العربية في نظامها السياسي الذي استقطب في تركيبته كل قوى الشعب السوري ومكوناته العرقية ، وهي قليلة جدا على كل . ولولا قوة نظامها السياسي لانهارت في الأسابيع الأولى من انفجار المؤامرة الكونية عليها التي ائتلف فيها الغرب وإسرائيل وتركيا وعدد من الدول العربية، ولم يتعفف المتآمرون المعتدون عن أي جريمة في حقها ، فقتلوا من شعبها مئات الآلاف ، وشردوا في داخلها وخارجها 12 مليونا منه، وخربوا عمرانها ومصانعها وزراعتها، وكانت قبل العدوان الكوني لا تدين لأي دولة بدولار واحد، وشبه مكتفية في كل شيء، ويحظى إنتاجها الصناعي والزراعي بالاستحسان في أي سوق يصل إليها ، وكانت نسبة البطالة فيها متدنية جدا.
وما انقض عليها من عدوان لم يكن مفاجئا ، كان مبيتا ، وما حدث في 2011 أن المعتدين استغلوا أحداث ما سمي ربيعا عربيا ، فتظاهروا بتأييده ، وغايتهم الحقيقية هي تحطيمها وتمزيقها إلى خمس دويلات طائفية وعرقية ضعيفة تلوذ في الحفاظ على بقائها بإسرائيل والغرب وبعض الدول الإقليمية . سوريا حطمت المخطط ، وحمت من خطره الماحق الدول العربية التي شاركت فيه ، وهو فضل يجب أن تقر به هذه الدول ، وتسارع في تنفيذ هذا الإقرار عمليا بمعاونتها في إعادة البناء إنسانيا وعمرانيا ، ونشك في أنها ستفعل هذا بالصورة الصحيحة المستوجبة لكونها جزءا من المؤامرة الكبرى على سوريا ، وكل تقاربها معها الآن شكلي اقتضته تحولات السياسة في العالم باتساع النفوذ الصيني، والحرب الروسية الأوكرانية ، والإخفاق في العدوان الكوني على سوريا، وإخفاق النظام السعودي في عدوانه على اليمن إخفاقا فاضحا مزريا ، واضطراره إلى التقارب مع إيران طريقا لتخليصه من ملابسات إخفاقه في اليمن.
وعلى كل حال، انتصرت سوريا، وانتصر معها محور المقاومة ، واندحر الذين اعتدوا عليها وانخذلوا ، وإسرائيل مندحر ومنخذل كبير ، وتطبق عليها وطأة يأس ثقيلة ، وتتلفت في كل اتجاه حولها تصيدا لمن تستعرض عليه عضلات ردعها الآفل، فلا ترى أحدا. وعلى كل حال ، ستعود سوريا إلى الجامعة العربية التي لا شرف في العودة إليها ، وستعيد بناء ذاتها بإرادة شعبها العظيم الحيوية الذي بهر العالم في قدرته على الإنتاج المبدع في تغربه إبان محنة وطنه الكبرى، وبمؤازرة أنصارها الذين وقفوا معها في تلك المحنة الكبرى التي لا نغالي إن قلنا إن التاريخ لم يسجل لها شبيها . لقد انتصرت على أعدائها ، وما أسهل أن يعيد المنتصرون بناء أنفسهم.
سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم