علي عبود
من المستغرب أن لايلاحظ من يتعاطى الشأن الإقتصادي أن الأسعار مقارنة بسعر الصرف لم ترتفع بل ان الكثير منها انخفض مقارنة بالعام 2010 وما قبله من أعوام!
وإذا جاز لنا الحديث عن “جنون الأسعار ولهيبها وغليانها” الوهمي فبهدف التأكيد فقط إن دخل الأسرة تدهور إلى حد لم يستطع بعدها شراء الكميات نفسها من المواد التي كان يشتريها ماقبل عام 2011 !!
مايحدث إن الجهات الحكومية والخاصة “تُعدّل”، وليس “ترفع” أسعار سلعها وخدماتها وفق سعر صرف الليرة، وأي مقارنة بين أي سلعة اليوم وسعرها قبل عشرين عاما سيكتشف بسهولة إنها إن لم تنخفض، فقد بقي سعرها على حاله ،فكيلو الحليب الذي تُصنع منه مشتقات الألبان والأجبان كان سعره لايتجاوز 200 ليرة (4 دولارات) أي حاليا بالسعر الرسمي أكثر من 26 ألف ليرة وبالموازي بحدود 30 ألف ليرة !
وعندما تؤكد وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك إن التاجر لايمكن أن يبيع بأقل من سعر التكلفة، فهي تقول مداورة إن التكلفة “تُحسب” وفق أخر سعر صرف لليرة سواء الرسمي أو الموازي!
ومن السخرية جدا، الحديث عن قانون السوق، أي العرض والطلب، طالما إن القدرة الشرائية تدهورت إلى حد لم يعد الدخل قادرا على شراء السلع التي لم يرتفع سعرها منذ عام 2010 وفق سعر الصرف!!
وعن أي عرض يتحدّث المنظّرون، أو “المأخوذين” بأقوال المنظرين، يتحكم به قلة من المحتكرين، وعن أي طلب لايتوفر سوى نظريا، فملايين الأسر تحتاج للمواد الأساسية المعروضة في السوق، لكنها تعجز عن شرائها ولو بالحد الأدنى من احتياجاتها.
أليس غريبا أن “يتفلسف” البعض بما يشبه الهذيان، عندما يتحدث “بفذلكة” عن مرصد تأشيري للأسعار، أو عن رسم سياسة عامة للأسعار، أودراسة إنعكاس سعر الصرف، أو معالجة التشوهات السعرية، أو المحافظة على توازن العرض والطلب، أوعن توفر البيئة المنافسة ..الخ.
الحديث عن كل هذه الأمور جائز وصحيح في حال أن الأسعار ارتفعت وتشوّهت في ظل سعر صرف ثابت لليرة السورية، ولكن طالما سعر الصرف يتغير، فالأسعار ستتغير حتما، والتشوّه الوحيد هو الذي حصل في الرواتب والأجور، لأنها لم تُعدّل ولا مرة واحدة مع أي تعديل لسعر الصرف، فتراجعت قيمة الحد الأدنى للأجر، أي قدرته الشرائية من 250 دولارا إلى مادون الـ 14 دولارا!
ومن يطالب بأسعار مستقرة يتجاهل أن اسعار الصرف غير مستقرة، وهي العامل الحاسم باستقرار الأسعار وتوفر السلع بما يناسب الدخل!
ومن السذاجة جدا التعويل على خفض الأسعار ولجم ارتفاعها بنسب وصلت في الأشهر الأخيرة إلى 40 % دون تثبيت سعر الصرف، أو تعديل أجور عام 2010 وفق آخر سعر صرف، ودون ذلك سفسطة، وهراء بهراء!
حبّذا لو يكفّ الجميع عن الحديث عن الأسعار، وليركزوا على المطالبة براتب عام 2010، وعندما يتحقق هذا المطلب ستختفي تشوهات الأسعار، لأنها وهم وليست حقيقة!
وأي متابع جدّي سيكتشف أن مامن حكومة منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي قامت بزيادة الرواتب، فقد كانت الزيادات جميعها، ولا تزال، وستبقى، زيادات “وهمية”، والدليل ان راتب بدء التعيين في عام 1986 كان يُقدر بسعر الصرف الرسمي بـ 316 دولارا، أنخفض بعد آخر “زيادة وهمية”، أي حاليا، إلى أقل من 14 دولارا !!
ترى أليس هذا الواقع مريبا، بل ومقلقا لأننا لانعرف إلى أي مآلات سينتهي؟
ونستنتج من ذلك ان جميع الحكومات منذ عام 1986، أي مع بدء التراجع الأول لسعر الصرف كانت تُخفّض، أوبالأحرى“تشفط” المليارات من الرواتب المستحقة لملايين العمال، كما كانت “تشفط” مليارات مؤسسة التأمينات الإجتماعية، أي أموال العمال المستضعفين!
وسبقت الحكومات المتعاقبة التجار بتعديل أسعار سلعها وخدماتها بما فيها مستلزمات الإنتاج الزراعي والصناعي، ودفعت بجميع الجهات العامة والخاصة إلى تعديل أسعار منتجاتها وخدماتها “وليس “رفعها” بما يتناسب مع كل تعديل لسعر الصرف!
ومن السذاجة أن يسأل البعض: من المسؤول عن هذا الواقع المتردي في الأسواق؟
فالواقع المتردي ليس في الأسواق وإنما بتخفيض الحد الأدنى للقدرة الشرائية للعامل بأجر إلى أقل من 14 دولارا !
ولو أن الحكومات المتعاقبة قامت بتعديل أجور ملايين العاملين، بما يتناسب مع كل تعديل لسعر الصرف لبقي راتب العامل اليوم كما كان عليه في عام 1986 أي دون أي زيادات وترفيعات بحدود 316 دولار أي أكثر من 2 مليون ليرة، بعد تعديل سعر صرف الدولار الرسمي مؤخرا إلى 6532 ليرة!
الخلاصة:استنادا إلى الواقع كما هو، وليس المتخيّل، فلنطالب الحكومة الحالية أو أي حكومة قادمة باستعادة رواتب العاملين إلى ماكانت عليه قبل أول تراجع للقدرة الشرائية لليرة في عام 1986، مع الترفيعات القانونية “بالإضافة إلى ماشفطته من رواتبهم” ،ولتلغي بعدها الحكومة الدعم، ولتحرر الأسعار المدعومة، ولتتوقف عن “تمنين” السوريين بعطاءاتها “الوهمية”!
(سيرياهوم نيوز1-خاص)