بعد غياب كامل عن المشهد منذ اندلاع القتال بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” قبل ثلاثة أسابيع، ظهرت في شوارع العاصمة السودانية الخرطوم، لأول مرة، قوات الاحتياطي المركزي، مما أثار التساؤل عن هوية هذه القوات.
وانقسمت الآراء بشأن انتشار قوات الاحتياطي المركزي بين مرحب بالخطوة لـ”حفظ الأمن”، ومعارض يحذّر من “اتساع دائرة الاقتتال” الذي تسبب في مقتل المئات، وإصابة ونزوح الآلاف داخل السودان وخارجها.
“أبو طيرة” في الشوارع
محلياً، تعرف قوات الاحتياطي المركزي، التابعة لوزارة الداخلية، باسم “أبو طيرة” نسبةً إلى الطائر الذي يزين شعارها المميز، وهي قوة قتالية شاركت في قمع الحركات المسلحة في دارفور وبعض مناطق كردفان.
وأنشئت قوات الاحتياطي المركزي، وهي تتبع للشرطة، في عام 1974م، تحت قيادة العقيد شرطة عصمت معني، في عهد الرئيس المخلوع، جعفر نميري، كقوات احتياط عسكري، تختص بالمهام والعمليات ذات الطابع العنفي والقتالي.
وتتمحور مهام قوات الاحتياطي حول التدخل في الحالات الطارئة ومكافحة الشغب والانفلات الأمني، إضافةً إلى تقديم العون والمساعدات في حالات الكوارث الطبيعية.
وتتكون تركيبة القوات الإدارية، من لواء إدارة، ولواء عمليات، فيما يُديرها بشكلٍ عام ضابط برتبة لواء، وتتوزع سراياها في مدن الخرطوم المختلفة، وغالباً ما يقُودها ضابط برتبة عقيد.
وفي آذار/مارس 2022، أعلنت الولايات المتحدة، فرض عقوبات على قوات الاحتياطي المركزي لارتكاب “انتهاكات خطرة لحقوق الإنسان” خلال “قمع تظاهرات ضد المجلس العسكري الحاكم”، على حد تعبيرها.
ظهور الاحتياطي المركزي مجدّداً
قبل يومين، أعلن الجيش السوداني، بدء نشر وحدات من شرطة الاحتياطي المركزي تدريجياً في العاصمة الخرطوم، قبل أن ينشر صوراً ومقاطع فيديو لانتشار تلك القوات إلى الشوارع والأحياء.
وكان هذا الظهور الأول لقوات الاحتياطي المركزي، منذ بدء الصراع الدامي على السلطة بين قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان وقائد قوات “الدعم السريع” محمد حمدان دقلو “حميدتي”، في منتصف نيسان/ أبريل، وبالتزامن مع دخول الاشتباكات بين الجانبين أسبوعها الثالث.
وعلى وقع ذلك التطور المفاجئ أصدرت قوات “الدعم السريع” بياناً يتهم الاحتياطي المركزي، قائلاً: “إنّ قوات الاحتياطي تابعة لكتائب الأمن الشعبي”، في إشارة إلى أنها مجموعات أمنية محسوبة على نظام الرئيس المعزول عمر البشير، معتبرةً أنّ نشر تلك القوات “يوسع دائرة الاقتتال في البلاد”.
وقالت قوات الدعم في البيان: “حشدت قوات الانقلابيين وفلول النظام المتطرفة، كوادر الأمن الشعبي والطلابي والدفاع الشعبي، وألبستهم زي قوات الاحتياط المركزي ودفعت بهم إلى ميدان المعركة، في محاولة لتوسيع دائرة الحرب بالزج بقوات الشرطة في معترك ليسوا طرفاً فيه”.
في المقابل، أكّدت وزارة الداخلية السودانية، في بيانٍ لها، أنّ قوات الاحتياطي المركزي هي فصيل يتبع للشرطة خرجت إلى الميدان بهدف ” تأمين الأسواق والممتلكات العامة والخاصة التي تعرضت للنهب والسلب والتخريب وضبط المتفلتين”. كما نفت الاتهامات الرائجة بتغلغل عناصر الأمن الشعبي داخل صفوف الاحتياطي المركزي.
ورفضت الوزارة بشدة الاتهامات الرائجة بتغلغل عناصر الأمن الشعبي داخل صفوف الاحتياطي المركزي ودافعت عن قواتها، موضحةً أنّ “قوات الاحتياطي المركزي هي فصيل تابع للشرطة يقوده ضباط من خريجي كلية علوم الشرطة والقانون”، حيث تناولت وسائل التواصل الاجتماعي أن القوة التي خرجت تتبع للأمن الشعبي وأن الضباط الذين يقودون هذه القوة هم في الأصل ضباط أمن.
وبيّنت أن صاحب الصورة المتداولة بمواقع التواصل، ضابط برتبة ملازم أول بالشرطة السودانية، يدعى “حارث مبارك جبريل”، وهو أحد أعضاء الدفعة “70” من منتسبي الشهادة الثانوية السودانية بالشرطة.
توسع دائرة الاقتتال في السودان
أعلن الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع”، الموافقة على هدنة بدأت منتصف ليل الأحد، على أن تمتد لمدة 72 ساعة، إلا أن الطرفين تبادلا الاتهامات بخرقها.
ومنذ اندلاع القتال بين الجانبين في 15 نيسان/أبريل، جرى التوصل إلى 6 هدن لكنها فشلت في الثبات، وتخللتها العديد من الانتهاكات.
وتتبادل الأطراف المتنازعة في السودان الاتهامات بارتكاب انتهاكات جديدة لوقف إطلاق النار، مع استمرار الصراع الدامي للأسبوع الثالث رغم تحذيرات من الانزلاق إلى حرب كارثية، وسقط مئات القتلى وآلاف المصابين منذ أن تحولت منافسة قديمة على السلطة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية إلى صراع في 15 نيسان/أبريل الماضي.
واستمر القتال بين الطرفين، على الرغم من سلسلة اتفاقات لوقف إطلاق النار عبر تدخل وسطاء من بينهم الولايات المتحدة.
ورغم الهدنة المعلنة والجهود الدولية لوقف القتال في السودان، إلا أن انتشار قوات الاحتياطي المركزي يحمل مؤشرات بتوسع دائرة الاقتتال بشكلٍ أوسع في البلاد.
وحذّر رئيس الوزراء السوداني السابق، عبد الله حمدوك، من خطورة تفاقم النزاع في السودان وتحوله إلى أحد أسوأ الحروب الأهلية في العالم حال لم يتم وضع حد له، وقال حمدوك: “إذا كان السودان سيصل إلى نقطة حرب أهلية حقيقية.. فإن سوريا واليمن وليبيا ستكون مجرد مبارزات صغيرة”.
واعتبر أن النزاع الحالي “حرب لا معنى لها” بين جيشين، مؤكداً “لا أحد سيخرج منها منتصراً، لهذا السبب يجب أن تتوقف”.
كذلك أعلنت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنّ نحو 6 آلاف شخص معظمهم نساء، فرّوا من السودان إلى جمهورية أفريقيا الوسطى في إثر الاشتباكات، فيما تحدّث رئيس الوكالة الإنسانية للأمم المتحدة، مارتن غريفيث، أمس، عن وضع غير مسبوق في السودان.
سيرياهوم نيوز3 – الميادين