في كُلّ جريمةٍ مُتعمّدة، ثمّة مُجرم رئيسي مسؤولٌ عنها، وثمّة آخر فرعي قد يكون مُحرّضاً عليها، أو مُهملاً، تسبّب فيها، وهذا المُحرّض قد يكون سبباً معنويّاً، أو شخصاً واقعيّاً، وهو لعلّه ما حصل في الجريمة التي ارتكبتها الولايات المتحدة الأمريكيّة بحق الجنرال الإيراني قاسم سليماني، والعراقي أبو مهدي المهندس، واعتراف “المجرم” الرئيسي التي ارتكبها وهو الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ومن خلفه وفق الاتهام الجديد مصطفى الكاظمي، الذي يبدو أنه قد تسبّب بها بالإهمال.
لافتٌ هو التوقيت، ومُثيرٌ للتساؤلات، حين يُعلن الادّعاء العام العراقي، الأحد، إحالة رئيس الوزراء العراقي السّابق مصطفى الكاظمي إلى التحقيق في جريمة مقتل سليماني، والمهندس، إلى التحقيق، ويبدو أن الكاظمي مُتّهمٌ بالجريمة، بصفته رئيساً سابقاً لجهاز المُخابرات، وبتهمة التقصير والإهمال، فيما التساؤلات مطروحة فيما إذا الكاظمي كان يعلم مُسبقاً بصفة منصبه عن الحادثة، ولم يمنعها قبل وقوعها، أو قصّر في منعها بواقع التهمة “الإهمال والتقصير”.
الدعوى مُقدّمة من رئيس حركة حقوق حسين مؤنس ضد الكاظمي، فيما التقديرات تُشير إلى أن الدعوى تقف خلفها دولة إقليميّة، وأحزاب مُوالية لها داخل العراق، أو ما يتم وصفه بتصفية حسابات بين مُكوّنين سنّي، وشيعي.
الكاظمي المُتّهم بالتقصير والإهمال في قضيّة حرجة ذات اهتمام عالمي، مُتّهمٌ أيضاً بقضايا فساد، ولكن السّؤال المطروح هل ستجري مُحاكمته إذا أثبتت التحقيقات تورّطه، وهل هو الوحيد المُتورّط بالإهمال والتقصير، ولماذا الآن، بعد مُرور كل هذا الوقت على جريمة أمريكيّة وقعت في الثالث من كانون الثاني يناير 2020، استهدف صاروخان من طراز “هيل فاير”، قاسم سليماني الذي كان معه أبو مهدي المهندس، نائب قائد الحشد الشعبي في العراق، بعد وقت قصير من مغادرتهما المطار في بغداد.
الموقف الإيراني من الاتهامات المُوجّهة للكاظمي، لا يبدو أنها عزّزتها أو ثبّتتها، أو على الأقل ستنتظر نتيجة التحقيقات، حيث قال المتحدّث باسم الخارجيّة الإيرانيّة ناصر كنعاني، إن “إيران تُتابع قضيّة اغتيال الشهيد سليماني بأبعاد مختلفة، وتتابع الإجراءات القانونيّة بهذا الخُصوص”، وكرّرت إيران الاتهام للمُجرم الرئيسي الأمريكي، حيث حمّل كنعاني “الإدارة الأمريكيّة المسؤوليّة عنها”، ويبدو أن الإيرانيين معنيّين بمُحاكمة الدول المسؤولة، التي حدّدها القضاء الإيراني في كل من بريطانيا وأمريكا وألمانيا والأردن وغيرها.
يبدو الكاظمي هُنا للبعض، وكأنه كبش فداء، فهو مُتّهم بالإهمال والتقصير، ولا بُد من مُحاكمة المسؤولين الرئيسيين عن الجريمة، إلا إذا توصّلت التحقيقات إلى التورّط المُباشر للكاظمي، وإعطائه المُوافقة للأمريكيين والتسهيل عليهم لتنفيذ جريمتهم.
وطالب النائب مؤنس رئيس جهاز الادعاء العام سابقاً بتحريك شكوى قضائيّة ضد رئيس جهاز المُخابرات السابق مصطفى الكاظمي جاء فيها أنه استنادًا للصلاحيّات المنوطة بالجهاز المُتمثّلة بحماية نظام الدولة وأمنها، والحرص على المصالح العُليا للشعب، والحفاظ على أموال الدولة والقطاع العام، وكذلك الإسهام مع القضاء والجهات المُختصّة في الكشف السريع على الأفعال الجرميّة، نتقدّم بطلبنا هذا راجين اتخاذ الإجراءات القانونيّة ضد رئيس جهاز المُخابرات السّابق مصطفى الكاظمي، وذلك لإهماله الجسيم وتقصيره مع بعض موظفي الجهاز المُكلّفين، بشأن عدم تقديمه المعلومات الأمنيّة اللّازمة إلى القائد العام للقوّات المسلّحة، لاتخاذ الإجراءات المُناسبة والحيلولة دون اغتيال سليماني وأبومهدي المهندس.
وفيما تستند وجهة نظر تُشكّك بالاتهام المُوجّه للكاظمي، بأن الأخير زار طهران، واستقباله من الأخيرة، وأنها لن تقبل استقباله إذا كان مُتورّطاً باغتيال سليماني، تُشير تقارير إعلاميّة أخرى بأن الكاظمي ذهب إلى إيران لتبرئة نفسه من دم سليماني، والمهندس، ولكنّ الزيارة يبدو أنها فشلت بحُكم توجيه الاتهام له الأحد وبعد خُروجه من منصبه، وما يتردّد عن وجود مقاطع صوتيّة، ومرئيّة يملكها الإيرانيّون تؤكّد تورّط الكاظمي، ما يُفسّر توجيه الاتهام للكاظمي في هذا التوقيت، فيما السّعي جاري للقبض على الكاظمي المُتواجد خارج العراق.
من جهتها كشفت لجنة النزاهة النيابية، الاثنين، أسباب إحالة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، إلى الادّعاء العام بتهمة التورّط في جريمة المطار، فيما أكّدت وجود العديد من الضباط الذين أدلوا بمعلومات تُدين الكاظمي، وهو ما يتقاطع مع المعلومات التي تقول بأن ثمّة مقاطع أدّلة ملموسة تُدين الكاظمي.
وبالتزامن، وما يبدو أنه حظ عاثر تماماً للكاظمي، أحيل ضياء الموسوي اللواء في جهاز المخابرات العراقي المقرب من رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي إلى اللجنة العُليا لمُكافحة الفساد التابعة لمكتب رئيس الحكومة العراقيّة”، وفيما يُعرف بقضيّة “سرقة القرن”، والموسوي أحد المقربين من الكاظمي وقدّم معلومات عن شخصيّات في مكتب الكاظمي لتورّطها بسرقة القرن”، فيما تعتزم العديد من الجهات السياسيّة، فتح تحقيقات بشأن مجموعة ملفات تدور حولها شبهات الفساد، وآخرها قضية سرقة القرن التي نفذت في عهد رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي.
سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم