يواجه المصابون صعوبة في التواصل مع الآخرين والارتباط بهم. وتكون لدى المصابين باضطراب طيف التوحد أيضاً أنماط سلوكية واهتمامات وأنشطة محدودة، وغالباً ما يتبعون روتيناً صارماً في حياتهم.
يستند التشخيص إلى مراقبة الطفل، وتقارير الأهل ومقدمي الرعاية، والاختبارات النوعية المعتمدة للتحري عن التوحد.
يستجيب معظم المصابين بشكل جيد إلى المداخلات العلاجية القائمة على المداخلات السلوكية المنظمة بشكل عالٍ. وتعد اضطرابات طيف التوحد من اضطرابات التطور العصبي.
هل مرض التوحد مرض خطير؟
جرى اعتبار التوحد بأنه طيف أو نطاق من الاضطرابات، لأن مظاهره تتباين كثيراً من حيث النوع والشدة. كان التوحد فيما سبق يصنف في خمسة أنواع: التوحد التقليدي، ومتلازمة أسبرغر، ومتلازمة ريت، والاضطراب التحللي الطفولي، واضطراب الارتقاء المنتشر. ولكن الأطباء لا يستخدمون حالياً هذه المصطلحات، ويطلقون على جميع أنواع التوحد اسم اضطرابات طيف التوحد autism spectrum disorders (ASDs) (باستثناء متلازمة ريت، التي تعد اضطراباً وراثياً مميزاً).
يختلف اضطراب طيف التوحد عن الإعاقة الذهنية، على الرغم من أن الكثير من مرضى التوحد يعانون من كلا الحالتين. ويؤكد نظام تصنيف اضطرابات طيف التوحد على أنه ضمن الطيف الواسع للمرض قد تتباين سماته من حيث الشدة أو الوضوح بين مريض وآخر.
تحدث هذه الاضطرابات بمعدل حالة واحدة لكل 59 شخصاً، وتكون أكثر شيوعاً عند الذكور بنسبة 4 أضعاف مما هو الحال عند الإناث. وتشير الإحصائيات إلى أن العدد التقريبي للمرضى المصابين باضطراب طيف التوحد قد ازداد بسبب تعلم الأطباء ومزودي الرعاية المزيد حول أعراض الاضطراب.
اقرأ أيضاً: إدمان مواقع التواصل .. مشاكل صحية ونفسية للفئات الأصغر عمراً
أسباب مرض التوحد
لا تزال الأسباب النوعية لاضطرابات طيف التوحد غير مفهومة بشكل كامل، على الرغم من أنها غالباً ما تتصل بعوامل جينية. في حال وجود طفل في العائلة مصاب بالتوحد، فإن خطر ولادة طفل آخر مصاب بالتوحد يرتفع بنسبة 50-100%.
قد ترتبط العديد من العوامل الجينية مثل متلازمة الصبغي X الهش، ومعقد التصلب الحدبي، ومتلازمة داون، مع الإصابة باضطرابات طيف التوحد. كما يمكن لأنواع العدوى قبل الولادة، مثل عدوى الحصبة الألمانية أو العدوى بالفيروس المضخم للخلايا، أن تمارس دوراً في الإصابة أيضاً.
ومن المؤكد أن اضطرابات طيف التوحد لا تنجم عن سوء رعاية الأبوين، أو العنف الأسري والتجارب القاسية في الطفولة، أو اللقاحات. حيث يكون لدى بعض الأطفال المصابين بالتوحد فروق في كيفية تشكل دماغهم وكيفية قيامه بوظائفه.
نقص فيتامين د لدى الأم قد يسبب انتشار طيف التوحد عند الذكور
توصلت دراسة أسترالية حديثة إلى أن نقص فيتامين د لدى الأم خلال فترة الحمل يمكن أن يسبب انتشار اضطراب طيف التوحد بشكل أكبر عند الذكور.
وأوضحت الدراسة التي أعدها باحثون من جامعة كوينزلاند ونشر نتائجها موقع نيوز ميديكال أن الأمهات اللواتي يتبعن نظاماً غذائياً تنخفض فيه قيمة فيتامين د زادت نسبة هرمون التستوستيرون في دمهن ولدى الأجنة الذكور وهذا الهرمون هو أحد العوامل المسببة في انتشار اضطراب طيف التوحد بشكل أكبر عند الذكور في حين تبين أن إعطاء مكملات فيتامين د للأمهات أثناء الحمل منع تماماً ظهور اضطراب طيف التوحد لدى الأولاد.
وينصح الخبراء بضرورة إجراء فحوصات لكمية فيتامين د في الجسم بشكل دوري للتأكد من أنه ضمن حدوده الطبيعية ويشددون على ضرورة التعرض لأشعة الشمس يوميا لمدة 10 دقائق.
ما هي أعراض التوحد ومتى تظهر؟
تبدأ أعراض التوحد بالظهور في أول سنتين من الحياة، ولكن الأشكال البسيطة من المرض قد لا يمكن تمييزها حتى وصول الطفل إلى عمر المدرسة، وتتطور الأعراض لدى مرضى طيف التوحد في المجالين التاليين:
التواصل الاجتماعي والتفاعل مع الآخرين
الأنماط السلوكية المقيدة والمتكررة
تتراوح أعراض اضطراب طيف التوحد بين الخفيفة والشديدة، ولكن معظم المرضى يحتاجون إلى مستوى معين من الدعم في كلا المجالين. يتباين مرضى طيف التوحد بشكل كبير من حيث قدرتهم على القيام بالمهام الاعتيادية باستقلالية سواءً في المدرسة أو المجتمع، وفي حاجتهم إلى الدعم. وإضافة إلى ذلك، فإن حوالي 20 إلى 40٪ من الأطفال الذين يعانون من التوحد، وخاصة أولئك الذين يكون معدل الذكاء لديهم أقل من 50، يصابون باختلاجات قبل الوصول إلى سن البلوغ. في حوالي 25% من الأطفال المصابين، يحدث فقدان المهارات المكتسبة سابقاً (ارتداد أو ارتكاس النمو) بالتزامن مع تشخيص المرض، وقد يكون ذلك المؤشر الأول على الإصابة.
كيف يتم الكشف عن مرض التوحد؟
ليس من الضروري أن تكون جميع الأعراض موجودة لكي يجري تشخيص اضطراب طيف التوحد عند الطفل، ولكن ينبغي أن يكون لدى الطفل صعوبات في كل من (آ) و(ب). يمكن لهذه العلامات أن تتباين بشكل كبير من حيث الشدة، ولكن ينبغي أن تعيق الطفل عن القيام بالنشاطات الاعتيادية.
آ. الصعوبات في التواصل الاجتماعي والتفاعل في اضطراب التوحد:
صعوبة التعامل مع الآخرين وتبادل الأفكار والمشاعر
صعوبة الاتصال غير اللفظي (مثل التواصل البصري، والفهم، واستخدام لغة الجسد وتعابير الوجه)
صعوبة بناء العلاقات الشخصية وتعزيزها أو الحفاظ عليها، وصعوبة فهم العلاقات بين الأشخاص
ب. الأنماط المحدودة والمتكررة في اضطراب التوحد:
الحركات المتكررة أو الكلام
التقيد الصارم بالأعمال الروتينية ومقاومة التغيير
الاهتمام الشديد بأشياء معينة دون سواها
زيادة أو نقصان شديد في الاستجابة للحواس، مثل الذوق، أو الروائح، أو الملمس
يشخص اضطراب طيف التوحد عن طريق الملاحظة الدقيقة للطفل في غرفة اللعب، وتوجيه أسئلة دقيقة للآباء والمعلمين. قد تساعد اختبارات التحري المعيارية الخاصة بالتوحد، مثل استبيان التواصل الاجتماعي Social Communication Questionnaire والقائمة المرجعية المعدلة للتوحد لدى الأطفال الصغار Modified Checklist for Autism in Toddlers (M-CHAT-R)، على التعرف على الأطفال الذين يحتاجون إلى المزيد من الفحوص الدقيقة. قد يستخدم الأطباء النفسيون وغيرهم من الاختصاصيين جداول مراقبة تشخيص التوحد Autism Diagnostic Observation Schedules والتي تكون أكثر شمولية، إضافة إلى الأدوات الأخرى.
بالتوازي مع إجراء الاختبارات المعيارية، يقوم الأطباء بإجراء بعض اختبارات الدم أو الاختبارات الجينية، وذلك بهدف التحري عن الاضطرابات الطبية القابلة للعلاج أو الموروثة، مثل اضطرابات التمثيل الغذائي الوراثية ومتلازمة الصبغي X الهش.
مآل اضطرابات طيف التوحد
بشكل عام، تستمر أعراض اضطرابات طيف التوحد طوال الحياة. ويتأثر مآل الحالة بشدة بمدى اللغة الصالحة للاستخدام اليومي التي اكتسبها الطفل في سن المدرسة الابتدائية. من المرجح أن يحتاج الأطفال المصابون بالتوحد ممن يكون معدل الذكاء لديهم منخفضاً -مثل أولئك الذين يسجلون أقل من 50 في اختبارات الذكاء القياسية- إلى دعم أكبر مع وصولهم إلى سن الرشد.
علاج مرض التوحد
تحليل السلوك التطبيقي (ABA) هو علاج يستخدمه الأطباء لتحسين، أو تغيير، أو تطوير سلوكيات محددة عند الأطفال الذين يعانون من اضطراب طيف التوحد. تشمل هذه السلوكيات المهارات الاجتماعية، ومهارات اللغة والتواصل، ومهارات القراءة، والمهارات الدراسية إضافة إلى المهارات المكتسبة مثل الرعاية الذاتية (كالاستحمام وحلاقة شعر الجسم)، ومهارات الحياة اليومية، والالتزام بالمواعيد، والكفاءة الوظيفية. يستخدم هذا العلاج أيضاً لمساعدة الأطفال على تقليل السلوكيات التي قد تحد من تقدمهم (مثل السلوكيات العدوانية). يصمم العلاج التطبيقي بحيث يلبي احتياجات كل طفل، وعادة ما يجري تصميمه والإشراف عليه من قبل اختصاصيين معتمدين في التحليل السلوكي.
ينبغي أن تعمل البرامج التعليمية المخصصة للأطفال في سن المدرسة المصابين باضطراب طيف التوحد على تطوير المهارات الاجتماعية لديهم، ومعالجة تأخر النطق واكتساب اللغة، وتهيئة الأطفال للتعليم بعد المرحلة الثانوية أو للحصول على وظائف.
لا يمكن للعلاج الدوائي أن يشفي المشكلة المستبطنة. ومع ذلك، فإن مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs)، مثل فلوكستين fluoxetine، وباروكستين fluoxetine، وفلوفوكسامين fluvoxamine، غالباً ما تكون فعالة في الحد من السلوكيات الطقوسية للأشخاص الذين يعانون من اضطراب طيف التوحد. يمكن استخدام الأدوية المضادة للذهان، مثل الريسبيريدون risperidone، للحد من السلوك المؤذي للنفس، على الرغم من ضرورة أخذ خطر الآثار الجانبية (مثل زيادة الوزن واضطرابات الحركة) بعين الاعتبار. قد تكون أدوية تثبيت المزاج والمنبهات النفسية مفيدة للأشخاص قليلي الانتباه، أو الاندفاعيين، أو الذين لديهم فرط النشاط.
على الرغم من أن بعض الآباء يلجؤون إلى أنظمة غذائية خاصة، أو علاجات معدية معوية، أو علاجات مناعية، إلا أنه لا يوجد حالياً أي دليل يدعم فعالية أي من هذه العلاجات عند الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد. لم تثبت فعالية العلاجات التكميلية الأخرى، مثل التواصل الميسر facilitated communication، والمعالجة بالاستخلاب chelation therapy، وتدريب التكامل السمعي hyperbaric oxygen therapy، والعلاج بالأكسجين عالي الضغط. عند مناقشة اعتماد أحد هذه العلاجات، فينبغي على ذوي الطفل التشاور مع طبيب الرعاية الأولية فيما يتعلق بالمنافع والمخاطر المحتملة للعلاج.
تشخيص مرض التوحد
تتواصل محاولات العلماء ومراكز الأبحاث لاكتشاف أسباب اضطراب طيف التوحد وإيجاد علاج شاف له ولا سيما مع مؤشرات تنبه إلى ازدياد نسبة المصابين به عالمياً من واحد بين 68 طفلاً، إلى واحد بين 59.
ففي دراسة نشرت بمجلة نيرون الأمريكية رجح باحثون أن يكون التوحد ناجماً عن الاضطرابات التي تحدث بوقت مبكر جداً عندما تبدأ القشرة الدماغية للجنين ببناء نفسها وهي المسؤولة عن الإدراك والكلام والذاكرة طويلة المدى والوعي بينما كشفت نتائج دراسة أخرى أن تناول الأم الأطعمة المعالجة التي تحوي حمض البروبيونيك المستخدم في حفظها يزيد احتمالات إصابة طفلها بالتوحد كما حذرت دراسات جديدة من علاقة التلوث بارتفاع مستويات الإصابة بالاضطراب.
نتائج واعدة لعلاج أطفال التوحد وفرط الحركة “رقمياً”
أظهرت دراسة حديثة نشرت في دورية “التوحد واضطرابات النمو” الأمريكية نتائج مبشرة لعلاج “رقمي” لأطفال اضطرابات التوحد وفرط الحركة.
الدراسة التي أجراها باحثون في مشفى فيلادلفيا للأطفال قيمت قدرة لعبة فيديو مصممة خصيصاً للتجربة على علاج نحو 19 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 9 و13 عاماً يعانون اضطرابات طيف التوحد وفرط النشاط عبر تقديم محفزات حسية وحركية.
وأظهرت الدراسة نتائج واعدة في تحسن بعض مهارات الأطفال كالانتباه الذي يساعدهم فيما بعد على التعلم والعلاقات المجتمعية.
سيرياهوم نيوز 4_سانا