تحتجز السلطات الفرنسية المتظاهرين دون توجيه اتهامات مع استمرار الغضب العام من رفع الرئيس إيمانويل ماكرون لسن التقاعد، القانون الذي لم يحظى بشعبية في الداخل الفرنسي. وفي مساء يوم 18 مارس/آذار، ومع احتدام الاحتجاجات في جميع أنحاء فرنسا بسبب رفع سن التقاعد، اعتقلت الشرطة في باريس شخصاً في قلب الحي اللاتيني.
وقام الضابط الذي اعتقل أحد المتظاهرين بقراءة تفاصيل الاعتقال التي تشير إلى أن الشخص قد احتجز بسبب “المشاركة في مجموعة تستعد لارتكاب أعمال عنف والمشاركة في حشد على الرغم من أوامر التفرق”.
وهما من أكثر الاتهامات الجنائية شيوعاً، الموجهة إلى المتظاهرين في فرنسا، وتلك التي يقول المدافعون عنها إنها تستخدم الآن “بشكل مفرط إلى حد سوء المعاملة”.
ولكن، ووفقاً لورقة اعتقال رسمية تمت مشاركتها من قبل محامي حقوق الإنسان المقيم في باريس رافائيل كيمبف، فإن التفاصيل الوحيدة التي قدمها الضابط لهذه الانتهاكات كانت كما يلي: “سروال أسود وسترة سوداء، نظارات شمسية، شمال أفريقي، شعر قصير أسود”.
وتمّ إطلاق سراح المعتقل في وقت لاحق دون تهمة، ولكن الهدف الحقيقي “لسحق المتظاهرين وقمع الاحتجاجات”، قد تحقق، بحسب ما اقل أحد محامي حقوق الإنسان، “الذين شعروا بالقلق من أسلوب الحملة الفرنسية”، وفق “إنترسبت”.
وإلى جانب فريق من المحامين الآخرين وما يقرب من 100 مدعي، يقاضي كيمف الآن شرطة باريس ومكتب المدعي العام بسبب ما يعتبره “الاعتقال التعسفي”، وهي ممارسة يعتقد العديد من المدافعين عن الحريات المدنية في فرنسا أنها “تستخدم بشكل متزايد من أجل قمع الاحتجاجات”.
كذلك، تمّ شحذ هذه الممارسة خلال احتجاجات السترات الصفراء على ارتفاع تكاليف المعيشة، والتي اندلعت في أواخر عام 2018.
وفي ذروة تلك الحركة، حوكم في نهاية المطاف حوالي 5000 شخص من أصل 11000 اعتقلوا، وفقاً للأرقام الحكومية التي اطلعت عليها منظمة العفو الدولية.
وتكمن وراء هذه الاعتقالات سلسلة من القوانين التي يقول النقاد إنها استخدمت كسلاح ضد المتظاهرين. ويشمل ذلك حظر المشاركة في “حشد” عرضة لـ “الإخلال بالنظام العام” وحظر تغطية الوجه جزئياً في مظاهرة دون “دافع مشروع”، وهو مطلب معقد بسبب جائحة فيروس “كورونا”. والأهم من ذلك كله، تميل الشرطة إلى الاستشهاد بقانون عام 2010 الذي يحظر “المشاركة في مجموعة” تعد لأعمال عنف.
وفي النظام القضائي، “من الصعب جداً إدانة شخص ما بسبب ذلك، ولكن من ناحية أخرى، من السهل جداً وضع شخص ما في حجز الشرطة”، قال تيبو سبريت، الأمين الوطني لنقابة القضاء، وهي نقابة عمالية رئيسية تمثل القضاة، في إشارة إلى قانون عام 2010، وعلى سبيل المثال، قد يقول ضابط شرطة: “لقد كان في مجموعة أحرقت سلة قمامة”.
كما يدق مراقبو حقوق الإنسان الفرنسيون، ناقوس الخطر بشأن الحظر التام على المظاهرات، بما في ذلك حملة سخيفة بشكل خاص على أدوات المطبخ.
ومنذ أن رد المتظاهرون على خطاب الرئيس إيمانويل ماكرون في وقت الذروة الشهر الماضي، من خلال التجمع في المدن والبلدات والطرق على الأواني والمقالي، أصبح هذا الشكل الخاص من الضوضاء “رمزاً لمعارضة قانون التقاعد الجديد للحكومة”.
ورفعت التعديلات، التي كشف النقاب عنها في كانون الثاني/يناير، ووقّعت لتصبح قانوناً الشهر الماضي، سن الأهلية للتقاعد من 62 إلى 64 عاماً، وقوبلت بموجات من الاحتجاجات والإضرابات في جميع أنحاء البلاد.
قد تبدو وكأنها تعبيرات بسيطة عن المعارضة يجب أن يحميها الدستور الفرنسي. ومع ذلك، فإن العديد من محافظي الشرطة – المسؤولين الذين يعملون تحت السلطة المباشرة لوزارة الداخلية في ظل الحكومة المركزية في فرنسا – قد صوروا الاحتجاجات الصاخبة على أنها تهديد للأمن القومي، خاصة عندما يستهدفون الرئيس.
وعشية رحلة ماكرون إلى بلدة جنوبية صغيرة في 20 نيسان/ أبريل، نشرت الشرطة المحلية مرسوماً يحظر استخدام “الأجهزة المحمولة الرنانة” داخل محيط زيارة الرئيس. وأصرت السلطات في وقت لاحق على أنه لم يكن هناك حظر على الأواني والمقالي على وجه التحديد، لكن مقاطع الفيديو تظهر بوضوح الشرطة وهي تبلغ المتظاهرين بخلاف ذلك.
كذلك، أصدر محافظ آخر مرسوماً مشابهاً قبل زيارة لاحقة. ويوم الثلاثاء الماضي، صدر أمر آخر قبل ساعات من نزهة رئاسية منفصلة، وهذه المرة أيضاً بحظر الاحتجاجات “الاحتفالية” ذات “الطابع الموسيقي”. واستشهد كل أمر من الأوامر بقوانين تهدف إلى منع الهجمات الإرهابية.
واستمرت الاحتجاجات الجماهيرية في 1 أيار/مايو على الرغم من الاعتقالات، حيث خرج ما بين 782.000 و2.3 مليون شخص في جميع أنحاء البلاد. ومع ذلك، يشعر المدافعون عن حقوق الإنسان بالقلق من أن الاعتقالات قد تثني البعض عن ممارسة حقوقهم.
وقال كيمف، الذي ألف أيضاً كتاب “العنف القضائي” لعام 2022: “بالنسبة لنا، تستخدم الشرطة والمدعي العام في باريس القانون الجنائي والحرمان من الحرية بهدف منع الناس من الاحتجاج ونعتقد أن هذا غير قانوني، مضيفاً: “لا يمكننا أن ندع حقيقة أن المتظاهرين اعتقلوا تعسفاً تمر دون عقاب”.
وفي 16 مارس/آذار، وهو اليوم الذي نشرت فيه رئيسة الوزراء إليزابيث بورن إجراءً دستورياً يسمح للحكومة بالموافقة على تعديلات المعاشات التقاعدية دون تصويت، أسفرت الاعتقالات عن فجوة مذهلة بشكل خاص، فمن بين 252 شخصاً وضعوا في حجز الشرطة، أفرج عن 243 شخصاً دون توجيه تهم إليهم.
سيرياهوم نيوز3 – الميادين