| مصعب أيوب
تقع تدمر وسط سورية وتتبع لمحافظة حمص وتبعد عنها 160 كيلومتراً شرقاً، وهي مدينة ذات أهمية سياحية وتاريخية حيث كانت عاصمة لمملكة تدمر أهم ممالك الشرق والتي ازدهرت في النصف الثاني من القرن الأول قبل الميلاد وقد نافست روما وبسطت نفوذها على مناطق واسعة كما أنها كانت مركزاً تجارياً مهماً بسبب عبور طريق الحرير التجاري وسطها واصلاً بين أوروبا وآسيا وشبه الجزيرة العربية، وهي إحدى أهم المدن الأثرية عالمياً وتعرف باللاتينية باسم بالميرا، وتحتضن مسرح تدمر الروماني والبوابات وأقواس النصر والكثير من المعالم التي جعلتها على قائمة التراث العالمي.
نقوش ونصوص
كتاب جديد صدر مؤخراً عن الهيئة العامة السورية للكتاب بعنوان «النقوش في مدينة تدمر.. رحلة في كتابات مدينة تدمر القديمة»، وذلك ضمن «المشروع الوطني للترجمة»، وهو من تأليف العالم خالد الأسعد والكاتب الفرنسي جان باتيست يون، بالتعاون مع المهندس المعماري تيبو فورنييه.
ونقرأ على غلاف الكتاب أنه يتوجه للمؤرخين والطلاب وهواة علم الآثار ليكون في متناول السوريين المهتمّين بحضارة بلدهم القديمة، حيث تقودهم إلى طريق متنوع المحطات ما بين الآثار والنقوش التي تمت ترجمتها، والحديث عنها في السياق الذي وردت فيه، وتتيح لهم التعرف على أنواع شتى من النصوص التي تدل على نشاط المدينة السياسي والتجاري.
يستعرض الكتاب اللغات الثلاث التي عرفتها تدمر خلال تاريخها والتي تمثلت بالآرامية وأصبحت في وقت لاحق لغة تواصل وإدارة وتجارة عالمية قبل أن تتجزأ إلى لهجات ومنها النبطية والسريانية وفي العصر البيزنطي أصبحت اليونانية هي اللغة الوحيدة المستخدمة لتحل فيما بعد اللغة العربية منذ بداية العصر الأموي.
كما تطرق المؤلف أيضاً إلى آلهة تدمر التي كانت في أحيان كثيرة تحمل اسم «بول» مثل يرحيبول وأغليبول فهذا يعود إلى الإله الأكبر وتمت الاستعاضة عنه لاحقاً بـ«بعل» ففي عهد سيطرة بلاد الرافدين بعل مردوخ هو الإله الأكبر في مدفن بابل للعظماء، كما أن بعل شمين هو إله العاصفة يقابله عند اليونان الإله «زيوس».
الفن التدمري
كما يشير المؤلفون إلى أن الفن في تدمر كان جزءاً من النسيج الثقافي في سورية القديمة والذي تمثل في النحت بطرق فنية عديدة فلم يتم التركيز على المشهد في سياقه السردي وإنما إظهار التفاصيل، فتندر المنحوتات ثلاثية الأبعاد والنقوش قليلة الرموز، بالإضافة إلى أن تدمر عرفت المؤسسات وكل القوانين والأنظمة القديمة إذ كان يحكمها قضاة يتغيرون كل عام في الوقت الذي كان فيه سكان تدمر مقسمين إلى أربع عشائر مدنية تلتف كل واحدة منها حول معبد، ونستنبط من خلال قراءة الكتاب أن الشيء الأكثر أهمية في النحت التدمري هو السرير الجنائزي وعليه مشاهد من الوليمة الجنائزية، وكل سرير يتصدر المدفن أو جناحاً منه، وكانت تدمر من الناحية العمرانية متأثرة بالتخطيط اليوناني الروماني إلى حد كبير، في شكل الأعمدة والتيجان.
واستعرض الكتاب بعض المعابد التي تحتضنها تدمر ومنها معبد بعل شمين الذي يستقبلنا مباشرة عند مغادرة المتحف الذي تم بناؤه حسب الهبات التي كان يمنحها البعض لبناء الرواق، وكذلك معبد الإله نابو الذي ترجع أصوله إلى بلاد الرافدين وهو إله الكتابة والحكمة، كما كان للملكة زنوبيا التي ارتبط اسمها بتدمر ارتباطاً وثيقاً نصيب كبير من اهتمام مؤلفي الكتاب فهي حكمت المملكة حتى سقوطها في 272 حيث ورد ذكرها في كثير من الكتابات والنصوص الأدبية.
كما يأخذنا الكتاب في جولة إلى أسوار تدمر ويعرض لنا عدة نصوص مما نصادفه أثناء رحلتنا إلى تدمر مبيناً ما كتب فيها وموضحاً معانيها باللغة اليونانية والآرامية.
يقع الكتاب في 152 صفحة من القطع المتوسط، ويُقسم إلى 4 فصول، يسلّط الضوء من خلالها على المكانة الحقيقية لمدينة تدمر في تاريخ الشرق الأوسط.
وقد صدر الكتاب في الأصل باللغة الفرنسية سنة 2001، وترجمته إلى اللغة العربية ريم شامية، وهو أحد الأدلة الأثرية للمعهد الفرنسي لآثار الشرق الأدنى.
خالد الأسعد «1934-2015» عالم متخصص في علم التدمريات والحضارات القديمة وله مخطوط «النبات والبدو في قصر الحير الشرقي» ومشارك في الموسوعة العربية السورية «أفقا تدمر» 1999.
جان باتيست يون كاتب وأستاذ فرنسي متخصص بآثار تدمر من مؤلفاته النقوشات اليونانية والرومانية في سورية 2012، في حين تيبو فورنييه مهندس معماري حاصل على دبلوم في الدراسات المعمارية.
ريم شامية مترجمة وباحثة جامعية حاصلة على درجة الدكتوراه في اللغة الفرنسية وآدابها «اختصاص مسرح القرن العشرين» جامعة تولوز لو ميراي فرنسا 2003.
سيرياهوم نيوز1-الوطن