عبد اللطيف شعبان
من المعهود أن جميع الاجتماعات الدورية الأسبوعية أو الشهرية، والمؤتمرات التي تعقدها الجهات الرسمية أو الأحزاب السياسية والمنظمات والجمعيا ت الأهلية – بدءا من أصغر وحدة تنظميه لكل جهة – يتخللها الكثير من أراء وطروحات تشير لكثير من السلبيات والقصورات ومواقع الخلل، وتقترح العديد من التطلعات الإيجابية، إضافة للرؤى التي يتم طرحها خلال الملتقيات العرضية للمسؤولين مع العاملين في جهاتهم أو المواطنين في مناطقهم، أو من خلال ندوات المراكز الثقافية، ما يساهم في تصويب الخطأ و يساعد في التأسيس للانتقال إلى الأفضل، وغالبا ما تصغي قيادات هذه المؤتمرات والاجتماعات لهذه الطروحات، وتبدي ارتياحها ورضاها عن كثير منها، وقد يتم تسجيلها في المحاضر ورفع توصيات بها، ما يجعل كثيرا من أصحاب الرؤى الإيجابية يرون أن ما يطرحونه أصبح واجب التنفيذ من المعنيين الذين يسمعون، ويغيب عن ذهنهم أن المؤتمرات والاجتماعات والملتقيات، ما هي إلا مكان مفتوح للآراء والطروحات، أما الحلول والإجراءات الواجبة لتنفيذها فهي من مهام وصلاحيات أصحاب القرار في أمكنة وأزمنة أخرى.
حقيقة الأمر، من المفترض أن تصل هذه الآراء لطاولة مواقع القرار ويتم اعتماد ما فيها من إيجابيات، لتأخذ مكانها في التنفيذ، في ضوء ما يتوفر من إمكانات، ومثل ذلك ما يتم طرحه من رؤى وأفكار من خلال العديد من ورشات العمل المكانية التي تقام خصيصا لوجود مخرج لبعض القضايا الاقتصادية، والأكثر أهمية تلك الطروحات والآراء الهامة المُمحصَّة والمدروسة التي يطرحها الإعلاميون من خلال وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، وكم كانت آراء هذه الشريحة الهامة (المجمع على تسميتها بالسلطة الرابعة) كثيرة ومحقة وموثقة خلال العقود الماضية، وخاصة ما تم نشره في الدوريات الإعلامية الورقية.
الملفت للانتباه أن بعض مواقع القرار أغفلت الكثير من الرؤى والطروحات المهمة التي سمعوها أو وصلتهم من خلال المذكرات والتوصيات، بل وربما فعلت العكس، بين مكان وزمان، بل والمؤسف أن بعض مواقع القرار استبعدت بعض أصحاب الرؤى والطروحات الإيجابية من مهامها الموكلة لها، وأغفلت تعيين الأكثر كفاءة في مهام ذات أهمية.
طالما أن لدى أغلب الجهات مكتب إعلامي، من المفترض أن يتتبع يوميا جميع الآراء والطروحات الإيجابية (أيا كان مصدرها) التي تعني الجهة التابع لها – بل والجهات التي تترابط مع جهته – ويضعها بين يدي المسؤول الأعلى بتقارير يومية، ولكن يبدو أن بعض أصحاب القرار لم يولوا ذلك الأهمية اللازمة، ما أضاع الكثير من فرص التطوير والتحديث المنشودة؛
فلعقود خلت تغيَّرت أسماء الكثير من أصحاب المهام في الحكومات المتعاقبة، وأسماء الكثير من المهام القيادية في الأحزاب والمنظمات، وندر أن كان الجديد أفضل ممن سبقه، فالكهرباء لم تتحسن والزراعة في تراجع والثروة الحيوانية تتهالك، وسعر الصرف رهن مضاربات والأسعار نار، وفرصة العلم تزداد كلفتها وفرصة العمل تضيق دروبها، وتأسيس بيت لم يعد حلما للجيل الناشئ بل أصبح في عالم الخيال اللَّاعلمي.
والتساؤل العلني والمشروع على لسان كل مواطن؟! إلى أين وصلنا بما نشدناه منذ أعوام في ميادين التطوير والتحديث والإصلاح والتنمية الإدارية ومكافحة الفساد، وإنصاف المنتج وحماية المستهلك، ولو تم اعتماد مقاييس ومعايير بخصوص ذلك، لتبين لنا أن نسبة التراجع المخزية خطيرة قياسا بما كان مأمول من خطوات متقدمة كبيرة.
من المؤكد أن للحرب الكونية والحصار المفروض علينا دور في ذلك، ولكن أرى أن الدور الأخطر في أزمتنا الاقتصادية يعود في كثير منه لخطأ التخطيط والتنفيذ من بعض أولي الأمر، لا بل من سوئهم المتعمد في ذلك، في أكثر من مكان وزمان، ما جعل غدا ليس بأفضل من أمس لسنوات خلت.
والطامة الكبرى أن البعض يغفل عن أن النعيم الذي عشناه لعقود كان من انجازات حزب البعث المشهود بأفكاره النيِّرة ومنطلقاته الوطنية الرائدة، وأما السيئين الذين أوصلونا إلى ما نحن به من ضعف فقد اغتنموا مهامهم الإدارية، وتلاقى المخطئون التصرف جهلا، مع المتعمدين الإساءة قصدا. وانطلاقا من مقولة السيد الرئيس بشار الأسد السامية “العمل بالأمل”، أرى أن الحاجة ماسة ومطلوبة لتحقيق التزاوج الاقتصادي بين الآراء والطروحات الإيجابية، والحلول والإجراءات التنفيذية الواجبة في جميع الوزارات، وما لم يتم تحقيق هذا التزاوج، سنبقى رهن خطوات بعيدا عن أي خطوة للأمام، فهل من مغيث.
عبد اللطيف عباس شعبان / عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية
(سيرياهوم نيوز ٤-البعث )