تحقّقت فيما يبدو تحذيرات رئيس الوزراء الباكستاني السّابق عمران خان، من تعرّضه لمُؤامرة من حُكومة وجيش بلاده، ستُفضي إلى اعتقاله، ولاحقاً سجنه، وحتى إخفاءه، وصولاً لاغتياله، فالرجل جرى إلقاء القبض عليه أمام المحكمة العُليا في العاصمة إسلام أباد، في مشهد وصفه حزب خان “الإنصاف” بالاختطاف.
أنصار عمران خان، كان حالوا دون اعتقال الأخير مرّات عديدة من مقر إقامته، حتى أنهم اشتبكوا مع قوّات الأمن، التي أُجبرت على الانسحاب من مقر إقامة خان في لاهور، ولكن السلطات الباكستانيّة، تقول بأن خان يمثل أمام المحكمة بتُهم فساد، وعليه يبدو أن السّلطات انتظرت مُثوله أمام المحكمة، بدون أنصاره، ليبدو المشهد لأنصار خان وكأنها لحظة غدر جرى فيها اعتقال رئيس وزراء بلادهم السّابق.
علي بخاري محامي حزب عمران خان أوضح من جهته “عند وصولنا الى قاعة المراقبة البيومترية لتسجيل حُضورنا، قام عشرات العناصر بمهاجمتنا”، مضيفاً “لقد ضربوه وأخرجوه”.
وزير الداخليّة الباكستاني رنا ثناء الله فسّر سبب اعتقال عمران خان، بالقول إن مكتب المحاسبة الوطني ألقى القبض على خان لأنه لم يمثل أمامه “رغم إخطاره”. وأمر المكتب بالقبض على خان في الأول من مايو/أيار، وذكر المكتب أن “خان متهم بارتكاب جريمة فساد ومُمارسات فساد”.
خان جرت الإطاحة به بمُؤامرة أمريكيّة، نتيجة مواقف أكثر قرباً من روسيا، ونتيجة مُطالبته بإجراء انتخابات باكرة، تعلم حكومة شهباز شريف، أنها ستسقط لو جرى إجراؤها، فخان نجح وينجح في حشد الشارع الباكستاني ضد حكومة يقول أنها أتت بدعمٍ أمريكي، ولا تُريد استقلال قرار باكستان عن التبعيّة الأمريكيّة.
وتُطرح تساؤلات وعلامات استفهام، حول سبب لجوء السلطات إلى اعتقال خان بطريقة عنيفة، واستخدام قوّات شبه عسكريّة لتنفيذ عمليّة الاعتقال، وكأن خان حضر إلى المحكمة على ظهر دبّابة، فيما أشارت تقارير إلى أن عمليّة الاعتقال لخان تضمّنت سحبه بطريقة مُهينة، الاعتداء عليه جسديّاً، وشتمه وإهانته، وهو ما يعني هُنا بأن الأمر يبدو شخصيّاً للانتقام من خان، وليس تطبيقاً للقانون.
وكان عمران خان قد استبق فيما يبدو في مقطع فيديو قبل اعتقاله، ونبّه لما يحصل معه، وحذّر بأن هذا التسجيل قد يكون الأخير، مؤكدًا أن اللصوص والمُجرمين يرغبون بالقضاء عليه، وأن الهدف ألا تتحرّر باكستان، ودعا الجميع للخُروج من أجل حُقوقهم.
لبّى الباكستانيّون فيما يبدو نداء قائدهم خان، ونزلوا إلى الشوارع اعتراضاً وغضباً بعد اعتقاله، ووصل الأمر إلى توجّههم إلى المقرّات العسكريّة في عُموم باكستان، وجرى تداول مقاطع فيديو لأنصاره لأنصار خان وهُم يقتحمون المقار العسكريّة، وحرقها، مع رفع شعارات تحذيريّة بأن عمران خان “خطٌّ أحمر”.
اعتقال عمران خان قد يُؤزّم المشهد في باكستان، فالرجل خلف القضبان يُشكّل خطرًا أكبر على بقاء الحكومة، وحتى استقرار البلاد، فأنصاره لن يتوقَفوا حتى الإفراج عنه، فيما يبقى الترقّب والتساؤل حول موقف الجيش الباكستاني ممّا يحدث، واعتقال خان، وهل تشهد باكستان انقلاباً عسكريّاً على الشّخوص التي اتّهمها عمران خان بترتيب قتله، وهو الذي تعرّض لمُحاولة اغتيال سابقة فاشلة، أم تنجح الحكومة الحاليّة، مع قيادة الجيش الحاليّة في إصدار قرار بحظر حزب الإنصاف، ومُواصلة تغييب خان عن المشهد السياسي، أو تذهب البلاد إلى تصادم وحرب أهليّة.
السلطات ستسعى إلى تطبيق المادّة (144) التي تقضي بحظر التجمّع لأكثر من 4 أشخاص، ولكن قد يكون لأنصار خان طالما بقي في السجن رأيٌ آخر.
ويبدو أن المشهد يذهب إلى مزيد من الترقّب والتعقيد، حيث أقدمت السلطات الباكستانيّة، على قطع الانترنت وحجبه، وحجب مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما اعتبره البعض خطوة باتّجاه حجب الحقيقة، ومنع إظهار حالة الالتفاف الشعبي حول عمران خان في كُل باكستان.
ومع اعتقال خان، انهارت سوق الأسهم والبورصة في باكستان، وإغلاق الطّرق في المُدن الباكستانيّة الكُبرى، وتعطيل المدارس غدًا، فيما تردّدت أنباء عن وضع رئيس قضاة باكستان تحت الإقامة الجبريّة.
وكان لافتاً بأن السفير الألماني في باكستان، كتب على حسابه في “تويتر” بعد اعتقال خان، بأن صُور اعتقاله أثارت مخاوفه كثيرًا، داعياً الجميع إلى ضبط النفس من أجل استقرار وازدهار باكستان، ما يُؤشّر وفق مُعلّقين على خُطورة الموقف، وعدم تقدير الحكومة الحاليّة لخُطورة الموقف بعد اعتقال خان، وهي تغريدة قام السفير بحذفها لاحقاً، وأكّد بأنه لم يقصد أن يقف بجانب جهة على حساب أخرى.
يبقى عمران خان بكُل الأحوال علامةً فارقةً في الدولة الباكستانيّة النوويّة، وغيابه أو تغييبه عن المشهد فيما يبدو له وقع أكبر، على عكس ما توقّع خُصومه، على الأقل نظرًا لهبّة الشارع الباكستاني وغضبه لاعتقاله، واستمرار اعتقاله، وأخذه إلى جهة مجهولة حتى كتابة هذه السّطور، سيُعاظم حالة الغضب، وهو غضب لا يُمكن مُواجهته لاحقاً إذا جرى المسّ بعمران خان بتعذيبه وصولاً لقتله، والادّعاء بموته المُفاجئ، في مشهد درامي سيجلب على خُصومه والبلاد ما لا يُحمد عُقباه.
سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم