آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » المصافحة بين المقداد وجاويش اوغلو ليست مجرد صورة

المصافحة بين المقداد وجاويش اوغلو ليست مجرد صورة

كمال خلف

يوم امس خطفت الاحداث في غزة ، والعدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني وتصدي المقاومة الفلسطينية له الأضواء واهتمام وسائل الاعلام . وبذات التوقيت كان الاجتماع بين وزراء خارجية الدول الأربع ” سورية وتركية وايران وروسيا ” في موسكو يجري محدثا اختراقا جديدا في مسار استعادة العلاقات بين سورية وتركية .

صورة المصافحة بين وزير الخارجية السوري “فيصل المقداد” والتركي “مولود جاويش اوغلو”   التي تناقلتها وسائل الاعلام ليست مجرد صورة لمصافحة بين وزيرين بعد حالة العداء بين بلديهما . انها تتجاوز ذلك في ابعادها ومضمونها ودلالتها . فالطرف السوري ما كان له ان يقدم على خطوة المصافحة والحضور الى موسكو على مستوى وزير خارجية  لو لم يحصل على ضمانات كافية حول وجود تغير جذري في السياسية التركية تجاه بلاده ، خاصة في الشق المتعلق بالوجود العسكري التركي في الشمال السوري ، ومقاربة تركية لإدارة ودعم وتقوية الجماعات المسلحة والفصائل المتطرفة المسيطرة على مناطق في الشمال . المصافحة بين المقداد وجاويش اوغلو ، تعني ان الخطوط العريضة لاتفاق شامل بين البلدين  قد تم وضعها . وان مسار استعادة العلاقات سيشهد تطورا كبيرا .

ويشير تكليف الوزراء لنوابهم  لإعداد خريطة طريق لاستئناف العلاقات بين دمشق وأنقرة، والتي قطعت منذ بدء الأزمة السورية في العام 2011  عن وجود اكثر من مسار سوف تمضي كلها  بشكل متواز . واذا كان ملفات مثل  الوجود العسكري التركي ، وكيفية الاتفاق على صيغة للتعامل مع الجماعات المسلحة  التي تحكم سيطرتها على مناطق الشمال ، وعودة اللاجئين السوريين اعقدها ، فان ملفات  التعاون الاقتصادي ، والتمثيل الدبلوماسي وتغيير الخطاب الإعلامي تبدو اسهل بكثير.

ومع وجود دور أساسي لوزراء الدفاع ومدراء الاستخبارات ومواصلة اجتماعاتهم بشكل مكثف  فأن وضع التصورات لاتفاق عملي يحدث تغيرا جذريا في الوضع العسكري في مناطق الشمال الخارجة عن سيطرة الدولة السورية بات امرا حتميا . وعلى كل الفصائل العسكرية ، وعلى رأسها هيئة تحرير الشام وزعيمها ” أبو محمد الجولاني ” الذي رفع صوته مؤخرا رافضا الاتفاق ومهددا بالوصول عسكريا الى دمشق ان يستعد لمواجهة المصير الجديد . ولا اعتقد ان القنوات التي فتحها  الجولاني مع الاستخبارات الامريكية  مؤخرا سوف تمنع تنفيذ اتفاق سوري تركي مدعوم من روسيا وايران والدول العربية  اذا ما حصل  . وهذا ينطبق على قوات ” قسد” المنضوية تحت المظلة الامريكية شرق نهر الفرات ، والتي لا يجب عليها ان تترك بيضها كاملا في السلة الامريكية ، لان مشهد الهروب الفوضوي للقوات الامريكية من أفغانستان نعتقد انه سوف يتكرر في شرق سورية ، وعلى قيادة ” قسد” من أبناء سورية ، ان يوفروا على انفسهم عناء التعلق بعجلات الطائرات الامريكية المغادرة ، وان يسعوا الى الاتفاق مع دولتهم وشعبهم من اجل وحدة سورية الجغرافية والديمغرافية ، سورية التي تتساوى فيها كل القوميات والطوائف والأديان بالمواطنة .  وهم بلا شك “الفصائل الكردية” حالة مختلفة عن تلك الجماعات المتطرفة من جنسيات متعددة والتي جاءت لاسقاط النظام وإقامة امارة ظلامية في سورية ، وسوقتها بعض الجهات الدولية بانها ” تحول ديمقراطي ” وثورة حرية ” . وفي هذا الصدد كان لافتا ما قاله الوزير لافروف امس عن معلومات لدى روسيا تفيد بمحاولة الولايات المتحدة تجميع الفصائل المسلحة وبقايا تنظيم داعش مع بعض قوات العشائر حول مدينة الرقة  . وهذه المعلومات التي تحدث عنها لافروف تستهدف تركية كما سورية، وتهدف لتعطيل أي اتفاق عسكري بين دمشق وانقرة لترتيب مشترك للوضع في الشمال السوري .

وتراهن الولايات المتحدة على وصل تواجدها مع الفصيل الموالي لها “مغاوير الثورة” بقاعدة التنف على الحدود السورية العراقية  مع قواتها والقوات التابعة لها “قسد”  شرق الفرات بالتشكيلات العسكرية التي ذكرها لافروف في الشمال السوري . وهي ان كانت خطة طموحه الا ان انه يمكن الحكم عليها بالفشل لاسباب عدة لا تتسع هذه المساحة لشرحها الان .

تدرك تركية ان مسار الانفتاح العربي الذي اثمر عودة سورية للجامعة العربية ، يحتم عليها إعادة وصل العلاقة مع دمشق والتخلي عن حالة العداء لها ، وتدرك كذلك ان امن حدودها ، وتفادي قيام كيان كردي مدعوم من الولايات المتحدة في خاصرتها الجنوبية يتطلب التنسيق مع سورية . وتدرك ان مشروع الإسلام السياسي لحكم المنطقة العربية تعرض لنكسات وضربات قاضية في كل الدول العربية ولم يعد قادرا على النهوض لعقود من الزمن . كل ذلك يجعلنا واثقين من التحول اتجاهات السياسية التركية .

ان صورة المصافحة بين ” المقداد جاويش اوغلو ”  هي صورة مسار خرج من مرحلة احتمالات الفشل او النجاح ، الى تأكيد التطور المتسارع والثابت والاستراتيجي ، هي ليست مجرد صورة لشخصين يمثلان بلدين يتصالحان بعد عداء وقطيعة ، هي صورة تمثل البيئة الإقليمية الجديدة ، وبداية تشكل إدارة مشتركة للمنطقة بعيدا عن مركزية القرار الأمريكي المهيمن بتأثيراته ومصالحة. هي جزء من صورة اشمل على مستوى منطقة  تغلق حقبة كاملة بمشاريعها واحلامها وادواتها وسياساتها وخرائطها  وخطابها الإعلامي وتحالفاتها وربما اسرارها.

ايام قليلة تفصلنا عن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركية ، وسواء فاز مرشح المعارضة ” كمال كلتشدار اوغلو او الرئيس رجب طيب اردوغان فان النتيجة هو التغيير في نهج تركية في المنطقة  وفي التعاطي مع الحكومة السورية. مع ترجيحنا فوز الرئيس الحالي اردوغان . ولا نستبعد ان اول رئيس سوف يلتقيه بعد ذلك الفوز هو الرئيس بشار الأسد. والله اعلم.

كاتب واعلامي

 

 

سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم

x

‎قد يُعجبك أيضاً

بعد الفيتو الامريكي على وقف القتل: خطوتان مجديتان

  ا. د. جورج جبور       الخطوة الأولى: *انتقال صلاحيات مجلس الأمن الى الحمعية العامة بموحب قرار التوحد من أجل السلم. يتخذ قرار ...