| حسني محلي
الناخبون، بمعظمهم، الذين صوّتوا لإردوغان هم من ذوي الدخل المحدود والفقراء الذين يحصلون على المساعدات التي تقدمها إليهم مختلف مؤسسات الدولة، التي يسيطر عليها إردوغان.
خلافاً لتوقعات معظم استطلاعات الرأي المستقلة، فقد أثبت الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أنه ما زال الأقوى، ليس فقط سياسياً، بل اجتماعياً ونفسياً في الشارع الشعبي التركي، وهو ما أثبته بإقناع 50% من المواطنين الأتراك بأنه الوحيد الذي يمثلهم قومياً ودينياً وطائفياً. ويفسر ذلك تركيزه خلال الحملة الانتخابية على مقولاته الخاصة بهذه الأمور، التي أولاها الناخب التركي أهمية خاصة، لأسباب اجتماعية تحتاج إلى دراسات مفصلة تكشف نفسية الناخب التركي، أو على الأقل 50% منهم.
الناخبون، بمعظمهم، الذين صوّتوا لإردوغان هم من ذوي الدخل المحدود والفقراء الذين يحصلون على المساعدات التي تقدمها إليهم مختلف مؤسسات الدولة، التي يسيطر عليها إردوغان، لم يضعوا في الاعتبار واقعهم المرير بقدر ما كانوا يصدقون مقولات إردوغان ووزرائه الذين سخّروا كل إمكانيات الدولة بكل مرافقها ومؤسساتها خدمة لحملتهم الانتخابية.
ودفع ذلك الرئيس إردوغان إلى التركيز على 3 أمور رئيسية خلال الحملة الانتخابية، والتي ساعدته في ضمان استمرار دعم 50% من المواطنين له ولحزبه الذي حصل وحلفاؤه على 321 مقعداً في البرلمان من أصل 600 مقعد، وهو ما سيساعده في الفوز في الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة؛ لأن الناخب سيدعم الأقوى في البرلمان.
وفي هذا الإطار، كانت المقولات القومية والدينية والطائفية هي الأهم في جميع خطابات إردوغان ووزرائه، الذين ذكّروا أتباعهم وأنصارهم بمذهب كمال كليجدار أوغلو “العلوي في دولة سنية”، وعلى الرغم من أن نوابه السبعة، لو نجح، هم من السنة. كما نجح إردوغان ووزراؤه وإعلامه في إقناع أنصاره وأتباعه بأن كليجدار أوغلو ومن معه قد تحالفوا مع حزب العمال الكردستاني “الإرهابي الخطير الذي يهدد وحدة الأمة والدولة التركية، والمسؤول عن مقتل عشرات الآلاف من الأتراك”.
ويفسر ذلك ليس فقط حصول إردوغان على 49.3% من الأصوات بل حصول المرشح الثالث سنان أوغان، وهو قومي عنصري على5.26% من الأصوات، وحصول حزب “الحركة القومية” العنصري المتطرف، والذي يتزعمه دولت باهشالي على 10% من الأصوات في الانتخابات البرلمانية، وهو ما لم يكن أحد يتوقعه أبداً. علماً بأن الأحزاب الخمسة المتحالفة مع كمال كليجدار أوغلو هي أيضاً دينية وقومية ويمينية، ولا تختلف في الجوهر عن إردوغان، مع التذكير أيضاً أن زعيمة الحزب “الجيد” مارال أكشانار كانت قد انشقت عن “الحركة القومية”، وهي الحال بالنسبة إلى أحمد داود أوغلو وعلي باباجان اللذين انشقا عن “العدالة والتنمية”.
وأما اتهام إردوغان لكليجدار أوغلو ورفاق دربه بالتحالف مع الشاذين جنسياً، فقد كان أيضاً أحد العوامل التي أثرت في قطاع مهم من المتدينين، وقال لهم وزير الداخلية “إن كليجدار أوغلو ومن معه يشجعون زواج الرجال من الرجال، والرجال من الحيوانات”.
والأهم من كل ذلك أن إردوغان أقنع أنصاره وأتباعه أن “العالم يغار من تركيا ويحسدها على عظمتها وما حققته من نجاحات عظيمة في جميع المجالات، وأهمها الصناعات العسكرية” وقال إردوغان عنها “إنها تنافس صناعات الدول العظمى بما فيها أميركا والدول الغربية”. واستشهد إردوغان وإعلامه بالدبابات والمدافع والطائرات الحربية وحاملات الطائرات والمسيّرات والسيارات الكهربائية وقال عنها إنها “صناعة وطنية 100%”. وهو ما دغدغ المشاعر القومية لدى أنصاره وأتباعه الذين صدّقوا كل ذلك، كما صدّقوا ما قاله عن اكتشافات الغاز والبترول اليومية، وهو ما شككت في صحته المعارضة جملة وتفصيلاً.
وفي جميع الحالات، وأياً كانت النتائج المحتملة للجولة الثانية من الانتخابات، ويبدو أنها ستكون لصالح إردوغان، فقد بات واضحاً أن تركيا لن تحتفل بالذكرى المئوية للجمهورية التركية في 29 تشرين الأول/أكتوبر المقبل بالشكل الذي تستحقه. ويعرف الجميع أن إردوغان ومن معه من القوميين والإسلاميين سيستمرون في مساعيهم للتخلص من إرث أتاتورك العلماني، بعد أن نجحوا في استفتاء 2017 في السيطرة على جميع مؤسسات الدولة ومرافقها وأجهزتها، وأهمها الجيش والأمن والمخابرات والقضاء، والأهم من كل ذلك الإعلام المرئي الذي يسيطر إردوغان على 95% منه.
وهو ما ساعده على إقناع أنصاره وأتباعه الذين لا يشاهدون إلا القنوات الموالية لإردوغان، والتي كانت تبث باستمرار ليلاً ونهاراً خطابات إردوغان، وكل ما يدعم مقولاته من أخبار وبرامج، بل وحتى الأفلام والمسلسلات التاريخية التي تمجّد الخلافة والسلطنة الإسلامية.
ويبدو أنها، وبعد تخلصه من المعارضة نهائياً، ستتحوّل إلى هدف استراتيجي بالنسبة إلى إردوغان، إن لم يكن خارجياً بسبب سقوط مشروع الإسلام السياسي في المنطقة، فداخلياً ليضمن له ذلك البقاء في السلطة حتى وفاته، ولأولاده من بعده، أو بناته، وربما أصهاره.
وهي الفكرة التي قد تكون ضمن اهتمامات الغرب والشرق اللذين يسعيان لكسب ود إردوغان ليحصل كل منهما على ما يشاء من تركيا، من خلال شخص واحد بدلاً من 8 أشخاص، لو أصبح كليجدار أوغلو رئيساً للجمهورية، وكان مقرراً له أن يعيّن زعماء الأحزاب الخمسة، وكلاً من رئيسي بلدية أنقرة وإسطنبول نواباً لرئيس الجمهورية.
ويفسر ذلك المعلومات التي تحدثت عن دعم روسي سياسي ومالي كبير لإردوغان، الذي حظي بدعم مالي كبير أيضاً من قطر والسعودية والإمارات، فيما لم تعلن العواصم الغربية وأهمها واشنطن عن أي موقف علني أو سري معاد له، ما دامت راضية عنه سياسياً وعقائدياً، بل وحتى اقتصادياً؛ لأن ما لا يقل عن 60% من تجارة تركيا الخارجية هي مع الدول الغربية. وهذه هي حال نظامها المصرفي في وقت ما زالت تركيا عضواً مهماً في الحلف الأطلسي، وله في تركيا أكثر من 30 قاعدة ومحطة رادارات ومراكز تنصت على دول المنطقة.
والأهم من كل ذلك، بات واضحاً أن الغرب الذي سوّق في مشروع “الشرق الأوسط الكبير” و”الربيع العربي” إردوغان و”العدالة والتنمية” كحزب إسلامي استلم السلطة ديمقراطياً في دولة مسلمة علمانية، يبدو أنه يعود بالتاريخ قليلاً إلى الوراء لينتقم من مصطفى كمال أتاتورك، الذي انتصر على فرنسا وبريطانيا وإيطاليا واليونان المدعومة بشكل غير مباشر من أميركا، وأسس جمهوريته العلمانية على أنقاض الدولة العثمانية. ويحرص إردوغان منذ 20 عاماً على إحياء ذكراها التي ساعدته على لعب دوره المعروف في “الربيع العربي”.
وقد يخطط هذا الغرب لدور مماثل لتركيا في عهد إردوغان، وهذه المرة في القوقاز وآسيا الوسطى حيث الجمهوريات الإسلامية ذات الأصل التركي، وترى فيها روسيا حديقة خلفية لها، ويسعى الغرب لمحاصرة بوتين من خلالها. ويفسر ذلك إبراز إردوغان وحلفائه القوميين والدينيين لمقولاته الدينية والقومية في حملته الانتخابية، والتي بات واضحاً أنها ستحدد ملامح السنوات القادمة، خاصة بعد أن أثبتت هذه المقولات نجاحها في الانتخابات الحالية، ويبدو أن إردوغان سيحسم جولتها الثانية لصالحه، وذلك بالتحالف مع القومي سنان أوغان، وهو الآخر يتغنى بأمجاد أجداده الأتراك العثمانيين. وإردوغان يقول إنه وريثهم الوحيد الذي سيحيي ذكرياتهم التاريخية، حتى لو كان ذلك بالكلام فقط، وإلا لما قال برات البايراك، وهو وزير المالية السابق وصهر الرئيس إردوغان “إن الذين يصوّتون لنا لو قلنا لهم إننا سنمدّ طريقاً سريعاً (أوتوستراد) إلى القمر فسوف يصدقوننا”.
وهو ما أثبتته الانتخابات الأخيرة، إذ صدّق أنصار إردوغان وأتباعه كل ما قاله لهم، مهما كان ذلك مبالغاً فيه، ولم يصدقوا ما قاله كليجدار أوغلو الذي وعدهم بتركيا “تحترم حقوق الإنسان وأسس الديمقراطية ومبادئها، والحريات السياسية والفردية، ولا مكان فيها للظلم والاستبداد والفساد والغلاء والتضخم والبطالة ” ويبدو أن 50% من الشعب غير مبال بها!
سيرياهوم نيوز3 – الميادين