| بقلم:باسل علي الخطيب
المكان : ملعب لوجنيكي، العاصمة الروسية موسكو…
الزمان : 14 حزيران 2018….
المناسبة : المباراة الافتتاحية لكأس العالم 2018 بين روسيا و السعودية…
على المنصة كان يجلس الرئيس فلاديمير بوتين و ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، كان يبدو من اللقطات التي تم عرضها لهما، أن هناك علاقة ودية بين الرجلين، أحياناً أتساءل هل يمكن أن تتآمر احداث ما مع سياق تاريخي معين؟ هل سبق و قرأتم عن مفهوم أثر الفراشة؟…..
لا اعتقد أن محمد بن سلمان كان يشاهد المباراة بجانب فلاديمير بوتين، بسبب أن المباراة تجمع منتخبي البلدين، هذا المشهد في المنصة كان رسالة وكان قراراً، ولم يكن عفوياً….
بعد الانقلاب الذي حصل في السعودية عام 2017، اتخذت الدولة العميقة فيها قراراً استراتيجياً ثورياً، التوجه شرقاً، لاسيما أن أحداث السنة الأولى من ولاية ترامب، أثبتت أن الولايات المتحدة حليف لا يمكن الركون إليه، و هذا أمر أكاد أجزم أن القيادات السعودية السابقة كانت تعرفه، لكن دونالد ترامب كان فظاً جداً و بشكل مباشر و علني و من على المنابر في التعبير عنه، و أعتقد أن تصريحاته التي كان يستهزئ بها من حكام السعودية، قد أثارت غيظ و غضب أركان الدولة العميقة هناك، وجعلتهم ولاول مرة على طول تاريخ المملكة يفكرون بإعادة حساباتهم…..
التوجه شرقاً لم يكن الخطوة الوحيدة في سعي محمد بن سلمان في إعادة صياغة الكيان السعودي من كل النواحي، كانت المهمة على مستوى الداخل أصعب، كان محمد بن سلمان بحاجة لرافعة لحكمه في الداخل، قلنا سابقاً أن الوهابية و قد تم استهلاكها داخلياً و خارجياً لم تعد قادرة أن تكون رافعة الحكم في السعودية، و قد أعلن عن ذلك ولي العهد صراحة، عندما قال : أننا نحن قمنا بتصدير الوهابية و كل مخرجاتها المتشددة إلى الخارج بناء على أوامر الحلفاء الأمريكيين في سياق مواجهة التمدد الشيوعي…
السعودية و على مدى تاريخها لم تكن إلا كياناً وهابياً، كانت تمثل الدولة الدينية بأسوأ تجلياتها، و قد أدرك محمد بن سلمان أن بداية الإصلاح تنطلق من الإصلاح الديني، محمد بن سلمان في هذا لم يعيد اختراع الدولاب، فالتاريخ يخبرنا أن الإصلاح في أوروبا، لم يبدأ اقتصادياً أو سياسياً، إنما ابتدأ دينيا…
قد تكون من أكبر الأحجار التي ألقاها محمد بن سلمان في تلك البحيرة الراكدة، ، هي حديثه عن إصلاح الأحاديث، و كلامه عن عدم اعتماد أحاديث الآحاد، هذا عملياً سيلغي تقريباً 90% من الموروث الديني، إن لم يكن أكثر، نحن هنا لانتحدث عن مجرد اصلاح فحسب، نحن نتحدث عن انهيار بنيان بأكمله، ويشبهه في التاريخ عملية البرويسترويكا والغلاسنست التي قادها غورباتشوف، وأدت إلى انهيار الاتحاد السوفييتي….
كان لذلك الحجر الذي تم رميه، ارتداداته الكبيرة على مستوى العالم الإسلامي ككل، و تحديداً الأزهر، و هذه الارتدادات رغم قوتها، و لكنها مازالت في بداياتها، و أعتقد أنها ستكون لها في قادم الأيام مخرجات ثورية على مستوى العالم الإسلامي ككل….
قام محمد بن سلمان كذلك الأمر بكف يد هيئة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر عن التدخل في شؤون الناس، وقام بتشكيل هيئة الترفيه، برئاسة تركي آل الشيخ، النتيجة من كل ذلك، أن السعودية شهدت انقلاباً اجتماعياً سريعاً بل و متسارعاً خلال السنوات الأربع أو الخمس الأخيرة، نعم قد يكون محمد بن سلمان نجح في نيل ثقة قسم كبير من الشباب السعودي، الذين يشكلون الغالبية الكبرى من السكان، و لكن التحولات العنيفة -ولكنها ليست عميقة- التي أصابت المجتمع السعودي، قد تنذر بردود فعل وخيمة……
يمكن القول أن ولي العهد قد نجح على مستوى الداخل، في تثبيت أركان حكمه نوعاً ما، و في اكتساب الشرعية و الشعبية نسبياً، ولكن تلك الشرعية أو الشعبية ارتكزت قواها على الغريزة، ومازالت تحتاج العقل، وهذا يستدعي رؤية جديدة للمملكة مازالت معالمها لم تتضح بعد…
أما على مستوى الخارج، فكانت السعودية تخسر في كل مكان، كانت اللحظة الحقيقة الفاصلة الأولى هي فترة التطبيع التي اجتاحت المنطقة، قد يكون القرار الذي اتخذته القيادة السعودية في تلك الفترة بعدم السير في عملية التطبيع مع الكيان الصهيوني، هو أهم قرار في تاريخ الدولة السعودية منذ إنشائها، لأن هذا القرار قد أنقذ الكيان السعودي ككل…. نعم، اتخذت السعودية ذاك القرار التاريخي بالتموضع في الموقع الصح في اللحظة التاريخية المناسبة، في تلك اللحظة أعتقد أن محمد بن سلمان قد أدرك أي الابواب يجب أن يطرق حتى يستحق أن يتوج ملكاً…..
قبل أشهر، كانت المنطقة على شفير حرب إقليمية كبرى، الصهاينة كانوا قد اتخذوا قراراً بمهاجمة إيران بدعم أمريكي، عرفت السعودية أنها ستكون في خضم حرب قد تأكل الأخضر و اليابس، و أنها ستكون المتضرر الأكبر منها، و لأنهم يعرفون أنه لا قدرة لهم على مواجهة إيران، طلبوا الاستعانة بالجيش المصري، لم يكن السيسي رافضاً، لكن قيادات الجيش المصرية رفضت ذلك و بشدة، لذلك شاهدنا توتراً في العلاقة بين السعودية و مصر بعد ذلك…
هنا كانت السعودية أمام لحظة مفصلية في تاريخها، لأول مرة كان عليها أن تختار، فعلى المحك ماهو اكبر من الأسرة الحاكمة ومن النظام، على المحك السعودية نفسها كدولة وجغرافيا ودور، و قد اختارت، فكان اللقاء السعودي الإيراني في بكين برعاية صينية، و ما لحقه بعد ذلك من تطبيع للعلاقات بين الدولتين…..
لكن كل ذلك بقي ناقصاً، فقد بقيت الخطوة الأهم، فالسعوديون يعرفون ماتمثله دمشق، التاريخ الحديث يروي لنا، أنه عندما انطلقت الثورة العربية الكبرى عام 1916 بقيادة الشريف حسين، دخلت جيوش ابنيه فيصل وعلي دمشق عام 1918، الدولة العربية الموعودة آنذاك قامت في دمشق حيث كانت هي عاصمتها وليست المدينة المنورة أو مكة، فقد كانت دمشق ومازالت تلك المدينة التي تمنح كل الصكوك، صكوك الزعامة والشرعية ، وصكوك البراءة أيضاً…..
يتبع….
(سيرياهوم نيوز3-خاص)