عياد عقبة
شاركت الجزائر في قمة بكين لدول البريكس كضيف شرف بعد إستلامها الدعوة من تشي جي بين رئيس جمهورية الصين الشعبية ورئيس الدورة، وكانت هذه الدعوة الشرفية كإشارة تحث الجزائر للإلتحاق بمنظمة بريكس وأن تنظر في ذلك بمعنى آخر أن الأبواب مفتوحة على الرحب والسعة.
وفي تلك القمة أدرج على طاولة النقاش موضوع توسعة المنظمة وزيادة أعضاء جدد وأهمية ذلك على الصعيد الدولي والخروج إلى ساحة التنافس ضد التكتلات الاقتصادية الجامحة كمجموعة السبع ومجموعة العشرين بقيادة أمريكا. ونوقشت شروط الانضمام الضرورية لتحقيق توسعة حذرة تستقبل في البداية دول من شأنها تقديم قيمة مضافة ذات ثقل اقتصادي وسياسي وكتلة بشرية ومساحة جغرافية وموقع استراتيجي بدلا من دول تشكل عبئ على المنظمة دول فاشلة مفلسة غارقة في المشاكل والديون.
19 أعربت عن رغبتها في الانضمام إلى مجموعة بريكس ومن بينهم دول ذات وزن كبير وهي مرشحة حسب ملاحظين هم: إيران والسعودية والأرجنتين والجزائر ومصر، علما أن هناك أكثر من 19 دولة طلبت الانضمام أو أبدت اهتمامها بذاك.
صرح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون للصحافة يوم 31 جويليا 2022 أن الظروف مواتية جدا لتحقيق كل شروط الانضمام وأنه متفائل جدا بالأخبار سارة يوم التصويت في جوان القادم.
تفاؤل الرئيس الجزائري موضوعي جدا لأنه ينبني على موافقة رسمية علنية من أقوى أعضاء المجموعة وهم الحليفين التاريخيين للجزائر روسيا والصين ويعتقد الرئيس تبون أن البرازيل والهند وجنوب إفريقيا لن يعارضا أدباً هذه الإرادة المعلنة.
ومن جهة أخرى تحتفظ الجزائر بعلاقات ودية وطيدة مع جنوب إفريقيا والبرازيل، وعلاقات محترمة ومتزنة مع الهند التي لم تبدي أي رأي لحد الآن فقط إشارات منها أنها تدعم مبدئيا فكرة التوسعة وقبول أعضاء جدد وهي إشارة كافية ومطمئنة.
يبقى على الجزائر أن تجهز نفسها جيدا للانسجام مع هذا التكتل الاقتصادي القوي الذي يرفض البيروقراطية والخمول والتباطؤ في تنفيذ المشاريع، الأمر الذي يفسر حرص الرئيس على رقمنة الإدارة والبنوك وجهاز الضريبة وكل أجهزة الدولة وتشديده على الإسراع في تنفيذ هذه المهام، ومحاسبته للمقصرين في ذلك وطرده لبعض الولاة والمدراء والوزراء لتأخرهم.
هناك عمل متسارع لضبط ساعة الاقتصاد على توقيت الإقلاع المطلوب ، وفي نفس السياق أطلقت الجزائر قانون الاستثمار الجديد وآليات قانونية جديدة تسهل المهام للمستثمرين و تزيد في تحسين البيئة الاستثمارية بتوفير الضمانات الازمة لجلب رؤوس أموال كبيرة ، وعلى صعيد آخر أجرت الدولة تحديثات كبيرة على الجهاز المصرفي لموائمته المتطلبات الجديدة .
ماذا تريد الجزائر من البريكس؟
1 مصلحة جيواستراتيجية.
في بعض الأحيان تفرض علينا الظروف الخارجية والتهديدات المختلفة والمخاوف المحتملة أن نختار موقفا يحقق لنا الكثير من الأمن والاستقرار على المدى المتوسط والبعيد وهذا ما حصل بالفعل بعد حرب أوكرانية وتهجم الغرب على روسيا بالعقوبات الاقتصادية القاهرة ، و هذه العقوبات كانت نقطة مفصلية في تغير جذري في ملامح النظام العالمي الذي تكشفت عيوبه وسقطت كل أقنعته و بدى مخيفا ومرعبا للأمم المنضوية تحته ، فانعدمت الثقة و زادت المخاوف إلى حد جعل الدول تهرول إلى منظمة شنغهاي و منظمة بريكس كبدائل حمائية آمنة من أمريكا وأجهزتها المالية والسياسية ، ومن هذه الدول الجزائر التي عرف عنها منذ الاستقلال حيادها والتزامها بمبدأ عدم الانحياز كما حافظت على توازنات دقيقة في تعاملاتها الاقتصادية والتجارية والعسكرية. لكن مع الوقت تكشفت ميولاتها الجيوستراتيجية المنحازة إلى روسيا والصين.
وبعد الحرب الأوكرانية زاد يقين الجزائر بأن الظروف الدولية المضطربة لا تسمح لها بالبقاء في الوسط، ولا مناص من عالم متعدد الأقطاب ولا سيما أن صديقتها الصين برزت كقوة اقتصادية هائلة وأعلنت نفسها كبديل كفؤ للنظام العالمي المهترئ الذي لم يعد يصلح كمظلة آمنة للعلاقات الدولية.
كما أن العقوبات الاقتصادية الجائرة على روسيا الحليف الاستراتيجي زاد من قناعة الجزائر بأن زمن الحياد قد ولى وأنه الوقت المناسب لحسم الأمور وإعلان الموقف بكل سيادية، الأمر الذي أزعج أوروبا وأمريكا كما عبر البروفيسور نور الصباح حنكوش وزادت التحرشات الغربية ضد الجزائر والضغوطات من اجل ثنيها عن قرار التحالف مع روسيا والصين، وتجلى ذلك في مظاهر متعددة منها:
-
تهجم البرلمان الأروبي على الجزائر:
-
اللائحة الأروبية ضد الجزائر: تبنى البرلمان الأوروبي لائحة خاصة تحت عنوان “حرية الصحافة في الجزائر”وصوت 536 نائباً في البرلمان الأوروبي على التوصية، مقابل اعتراض أربعة نواب وامتناع 18 نائبا، وحثوا السلطات الجزائرية على الإفراج الفوري عن الصحافي إحسان قاضي الذي حكم عليه القضاء الجزائري الشهر الماضي بالسجن خمس سنوات بتهم تخص تلقي أموال من الخارج لغرض الدعاية السياسية.
-
16 نوفمبر 2022: فقد دعا 17 عضوا من أعضاء البرلمان الأوروبي رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، إلى إعادة النظر في العلاقة مع الجزائر، وعبروا في رسالتهم صراحتا عن قلقهم العميق إزاء العلاقات السياسية والاقتصادية الوثيقة للجزائر مع روسيا. (المصدر)
يرى الأوروبيون أن روسيا تطوق أوروبا من الجنوب بحلفها القوي مع الجزائر بسبب تعاون عسكري وثيق يتزايد بسرعة إذ تمثل الجزائر ثالث أكبر مشتر للأسلحة الروسية في العالم
إن قلق الغرب من عمق شراكة الجزائر الاستراتيجية وحجم تجارتها مع روسيا، الذي بلغ 3 مليارات دولار العام الماضي، بما في ذلك 1.7 مليار دولار للمجمع الصناعي العسكري، والـمـخيف أكثر لأروبا هو عزم البلدين على توقيع عقد ضخم بقيمة 17 مليار دولار وفق تقرير نشرته “أفريكا إنتليجنس” الفرنسية للأخبار.
2- ضغط أمريكي محموم:
-
تلويح الكونغرس بالعقوبات: في 09/2022، 27 عضواً في الكونغرس، تتزعمهم العضوة ليزا ماكلين، وجّهوا رسالة إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن لمطالبته بفرض عقوبات على الجزائر، بموجب قانون مكافحة خصوم أميركا، على خلفية صفقات الأسلحة التي وقعتها مع روسيا، باعتبار أنها توفر موارد إضافية لموسكو لخوض الحرب على أوكرانيا. (المصدر )
-
زيارة نائبة وزير الخارجية الأميركي ويندي شيرمان في 10 مارس 2022 التي التقت بالرئيس عبد المجيد تبون ووزير الخارجية رمضان لعمامرة، وعبرت عن قلق بلادها من الجزائر بسبب موقفها من الحرب القائمة في أوكرانيا وأن وقوفها إلى جانب روسيا سيعرض علاقاتها مع أوروبا وامريكا إلى الخطر وأن أمريكا تعتبر هذه التصرفات تهديدات لسلم والأمن العالمي.
-
في زيارة وزير الخارجية الامريكي بلنكن في 30 مارس 2022 التي جاءت بعد 22 سنة من زيارة أولبرايت التقى خلالها بلكن بالسلطات الجزائرية حاملا رسائل التحذير من واشنطن للجزائر من التعاون العسكري الوثيق مع روسيا ومن محاولة الجزائر استعمال ملف الغاز كورقة ضغط على أوروبا وملف العلاقات مع إسبانية وملف الصحراء الغربية وليبيا والامن في منطقة الساحل.
-
الضغط الفرنسي : فرنسا التي تستفيد من امتيازات كثيرة مع الجزائر لا تكف من التشويش و التشنيع على أي موقف سيادي تتخذه الجزائر في جال التسلح أو التعاون مع الصين أو تركيا أو روسيا و تمارس ضغوط مختلفة تارة للسماح لطائراتها العسكرية بالعبور نحو مالي و ملف الأرشيف و تملصها من مطالب الجزائر المشروعة في الاعتذار عن جرائم الإبادة و التفجيرات النووية و حق التعويضات على جرائم الحرب ، كل ذلك يسبب مصدر إزعاج مستمر يشكل صورة نمطية لمعاملة الغرب الاستعلائية و الغير عادلة واستعمال إزدواجية المعايير في القضايا الدولية كل ذلك يدفع بقوة إلى التفكير في ملاذات آمنة نحو الشرق .
-
توتر العلاقات مع اسبانيا: اسبانيا التي انقلبت على الجزائر في ملف الصحراء ومن جهة تطالب بضخ الغاز بأسعار محددة غير مبالية بمصالح الجزائر كدولة محترمة مما أدى إلى رد فعل جزائري صارم وحاسم بوقف المبادلات التجارية والغاء كل الاتفاقيات المبرمة ما عدى الغاز
2 المصلحة الاقتصادية
الجزائر تعلم أنها المستفيد الأكبر من هذا الانضمام وفي نفس الوقت لديها الثقة بأنها ستقدم قيمة مضافة هائلة للمجموعة ولا سيما أنها تحوز كما هائلا جدا من الغاز والبترول والطاقة الشمسية والأتربة النادرة والحديد والفوسفات والذهب والألماس واليورانيوم و40 مليون هكتار من الأراضي الخصبة وخدمات لوجيستية كبيرة من خلال ميناء الحمدانية الكبير والطريق العابر للصحراء نحو لاغوس المرتبط بطريق الحرير والطريق المزدوج نحو موريتانيا وقاعدة اقتصادية مؤهلة وقابلة للتطوير وبنية تحتية محترمة
3 المصلحة السياسية
1- تعاني الجزائر من إهمال غربي شديد لقضية الصحراء الغربية ولم ينفعها العمل الدبلوماسي الجبار لحماية الشعب الصحراوي من الظلم الاستعماري المغربي المدعوم أوربيا وامريكيا وإسرائيليا، فيأس الجزائر من النظام الدولي له مبرراته الكافية من هذا الجانب ملف الصحراء الغربية الذي يعتبر عمق جيواستراتيجي ومنفذ قريب إلى المحيط الأطلسي وإلى أفريقيا الغربية.
تطمح الجزائر أن تجد في منظمة بريكس الدعم الكامل سياسيا لسد هذه الفجوة.
2- تعاني الجزائر من إهمال النظام الدولي لقضية فلسطين والتي تشدد الدولة في كل مرة على التقاعس الدولي عن حماية الشعب الفلسطيني وحقه في تقرير المصير. وهذا الانزعاج المزمن يدفع الجزائر بقوة إلى الانضمام إلى البريكس كقوة مناهضة للظلم وازدواجية المعايير.
3- تعاني الجزائر من تداعيات حرب الناتو على الشعب الليبي ونهب ثرواته وزرع الفتنة فيه ومنعه من بناء دولته ومؤسساته، وخلق مليشيات هنا وهناك لاستمرار الفوضى والخراب والاقتتال الدائم بين الفرقاء، يجعلها كل هذا تتذمر أكثر فأكثر من هذا النظام العالمي الأعمى الذي لا يبالي بحقوق شعوبنا العربية المسلمة ولا بشعوب إفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا، وأنه الوقت المناسب للخروج من هذه الهيمنة.
4- تعاني الجزائر من نفوذ عسكري فرنسي أمريكي يقوم بنهب الذهب واليورانيوم والاتربة النادرة من شمال النيجر ومالي بطرق مخالفة للقانون الدولي، تحت مبررات الحرب على الإرهاب..
4- تعاني الجزائر من قلة احترام مزمنة في علاقاتها مع الغرب فهي منذ فترة بعمل دبلوماسي جبار لاسترداد الأموال المنهوبة المكدسة في بنوك أوروبا وامريكا والتي تعد بمليارات الدولارات وهي حق من حقوق الشعب الجزائري حصب القوانين الدولية التي تكافح الفساد والجرائم الاقتصادية
خلاصة القول هو أن الجزائر بعد الحرب الأوكرانية، وككثير من الدول تعيد قراءتها للواقع الدولي المتغير وتستخلص العبرة من تجاربها السابقة في علاقاتها الدولية مع الغرب والشرق ومن خلال تقييمها الشامل، فقد تجاوزت الهيمنة الأمريكية ذروتها بعد إشهارها سلاح العقوبات الاقتصادية مرة أخرى ضد روسيا، ولابد من ردة فعل للمجتمع الدولي لكبح جموح الغرب المسيطر على المؤسسات الدولية كالبنك الدولي ومحكمة العدل الدولية ومجلس حقوق الإنسان وغيرها
سيشهد القرن الحادي والعشرون نظامًا دوليًا متعدد الأقطاب ودول كثيرة تسارع الخطى نحو تكتلات ترعاها الصين وروسيا لمواجهة أمريكا وحلفائها وكسر شوكتها، وهو الهدف الجوهري الغير معلن لمنظمة بريكس.
كاتب جزائري
سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم