د.بسام الخالد
في مسألة بناء الإنسان يخطر لنا سؤال كبير.. من أين نبدأ.. من القاعدة أم من الهرم؟ وهنا نرجح أن نبدأ من القاعدة، لأنها فقدت الكثير من مقوماتها خلال فترة الحرب على سورية، وحتى ما قبلها، لأن عملية الهدم بدأت بطيئة قبل الحرب وزادتها الحرب تسارعاً لدرجة وصل فيها البعض لمرحلة اليأس، وقد بدأ هدم الإنسان بوسائل ثلاث: هدم الأسرة..عندما غيبنا دور المرأة- الأم، وهدم التعليم عندما قللنا من مكانة المعلم حتى احتقره طلابه.. وإسقاط القدوة والمثال عندما شككنا بالمفكرين، فلم يعد يسمع لهم أحد.
وهنا سأركّز على جانب واحد من هذه الجوانب وهو التعليم المقترن بالتربية، نظراً لأهميته أولاً، ولأنه يمكن أن يكون رافعة للجانبين الآخرين في حال نجاحه، وإذا اعتبرنا أن قواعد البناء تقتضي أن نبدأ من قاعدة الهرم حتى نصل إلى قمته، وهذا يستدعي جهوداً طويلة الأمد لتغيير مفاهيم المجتمع وطرق تفكيره، فلأن ذلك يشكل الطريق الأسرع للوصول إلى الهدف، وهذه الطريقة استخدمت في أوروبا مع بداية عصر النهضة حيث قام عدد من المفكرين بوضع كتب ونظريات للنهضة وقاموا بعملية تنوير واسعة النطاق للمجتمع، أي أننا هنا أمام فكرة التنوير ثم الضغط الشعبي المؤثر والدافع للتغيير، وهذا الحل قد يحتاج لسنوات ولكن نتائجه مؤكدة وراسخة، وذلك يجب أن يترافق مع إعادة تأهيل الإنسان نفسه ومخاطبة عقله وهذا بالطبع يستلزم تعليمه تعليماً جيداً متميزاً، وتربيته تربية منضبطة متوازنة، الأمر الذي يستدعي ثورة في التعليم، لا مجرد تعديلات شكلية في المناهج التربوية، وهذه الطريقة تشكّل لدى الجيل عقلية نقدية مستقلة بدلاً من العقلية الحفظية والتابعة، وعندما نضع التعليم في مقدمة أولوياتنا نكون قد بدأنا أول خطوة على طريق بناء الإنسان ، فالعلم يحمي العقول من الانحراف ويحمي المجتمعات من الزلل، والطفل الذي ينال تعليماً جيداً سيحقق اقتصاداً قوياً وسيصنع إعلاماً متميزاً، وسياسة واعية وسيتمتع بحصانة نفسية صلبة تساعده على اختيار القرار.
لقد مرت سورية خلال هذه الحرب بتجارب قاسية، وكان انعكاسها على النشء الجديد مدمراً، الأمر الذي يحتم على جميع المؤسسات المعنية بعملية بناء الإنسان الاستفادة من هذه التجارب التي خلفتها الحرب على أسس منهجية صحيحة وليس تجميلية، والبداية تكون في هدم كل القيم السلبية التي تهاوت في سنوات الأزمة وإشادة أساسات جديدة على أسس صحيحة، وهذا يتم بتضافر جميع المؤسسات المعنية بهذا البناء، أما بقية أركان البناء فستتم بفعل تغيير الإنسان الجديد الذي بنيناه، وإلا فسيكون الفشل كارثياً.
هامش: عندما أراد الصينيون القدامى أن يعيشوا بأمان، بنوا سور الصين العظيم واعتقدوا أنه لا يوجد من يستطيع تسلقه لشدة علوّه وتحصينه.. ولكن، خلال المائة سنة الأولى بعد بناء السور، تعرضت الصين للغزو ثلاث مرات وفي كل مرة لم تكن جحافل العدو البرية في حاجة إلى اختراق السور أو تسلقه، بل كانوا في كل مرة يدفعون الرشوة للحراس ثم يدخلون عبر البوابة.. لقد انشغل الصينيون ببناء السور ونسوا بناء الحراس!
(سيرياهوم نيوز4-خاص)