| عبد المنعم علي عيسى
انعقدت «قمة السبع» في مدينة هيروشيما اليابانية على مدار أيام ثلاثة امتدت ما بين 19 و21 أيار الجاري، وفيها سعى المنظمون إلى توسعة مروحة الحضور التي ضمت إلى جانب الدول السبع، الولايات المتحدة، كندا، ألمانيا، إيطاليا، فرنسا، بريطانيا، اليابان، مؤسسات هامة مثل الاتحاد الأوروبي ووكالة الطاقة الدولية وصندوق النقد الدولي إضافة للأمم المتحدة ومنظمتي التجارة والصحة العالميتين والبنك الدولي، حيث أريد أن يكون لهؤلاء دور «الشهود» على بيان لربما كان هو الأهم مما صدر عن قمم «السبع» منذ تأسيسها في العام 1975، والذي يصح وصفه بأنه «إعلان حرب» غربي على كل ما هو «غير غربي»، وعبره برزت نزعة غربية يشتم منها أن «الأنوف» لربما اشتاقت لهبوب الرياح التي اجتاحت هيروشيما 6 آب 1945 ثم تلتها نظيرة لها بعد ثلاثة أيام على ناغازاكي.
على الرغم من أن القمة كانت قد تناولت العديد من القضايا التي تشغل العالم راهناً مثل الأمن الغذائي والتعليم والبيئة والذكاء الاصطناعي، إلا أن التعاطي معها كان قد ربط بثلاثة محاور إستراتيجية اعتبرتها القمة بمنزلة تهديدات لـ«النظام العالمي الحر» القائم، الأول تمثله روسيا التي أكد البيان الصادر عن القمة أن سياساتها تندرج في سياق «المحاولات أحادية الجانب لتغيير الأوضاع القائمة بالقوة أو بالإكراه»، وفي هذا السياق أكد البيان أيضاً على أن الغرب «سيعارض تلك المحاولات، وسيقف ضدها في أي مكان في العالم»، وعليه فقد جرى اتخاذ سلسلة إجراءات لتعظيم تكلفة الحرب على روسيا بالدرجة الأولى، ثم على الدول التي تدعم تلك الحرب بالدرجة الثانية، في المحور الثاني كانت الصين، فقد اعتبر البيان أن «سياسات الصين السوقية وممارساتها تشوه الاقتصاد العالمي»، وأن «الشركات الصينية تتبع سلوكيات خبيثة» قبيل أن تطلق المجموعة تحذيراً لبكين من محاولة «تحدي الهيمنة الأميركية في المحيطين الهادئ والهندي، والمساس بالوضع القائم في تايوان»، أما أدوات «المعالجة» هنا فتركزت على «انتهاج سياسات مضادة لتلك الشركات» ثم «العمل على تعزيز التحالف لمواجهة التمدد الصيني في الهادئ والهندي» مع الاستمرار في «تناول أوضاع حقوق الإنسان في أقاليم التيبت وشينجيانغ وهونغ كونغ»، أما في الثالث، أي المحور الثالث، فكانت «دول الجنوب» وهو المصطلح الذي يشار فيه لدول عدة ناهضة اقتصادياً مثل إندونيسيا والهند والبرازيل، والبيان كان قد حذر تلك الدول من «التمادي في مساعدة موسكو على تجاوز آثار العقوبات الغربية عليها» في حين أن «المعالجة» احتوت على قرار برصد 600 مليار دولار للاستثمار في البنية التحتية لتلك الدول لكن مع فرض منهجية غربية «ليبرالية» ينبغي على تلك الدول الأخذ بها، ولربما كان التركيز بحدة على «دول الجنوب» الذي يحدث للمرة الأولى بهذه القوة ناجماً عن رفض تلك الدول الخضوع للإملاءات الأميركية، ناهيك عن الفشل في كبح جماحها لتطوير شراكتها مع الصين، والتركيز هنا يشير إلى أن واشنطن ترى في الدور التي ستلعبه تلك الدول كما «بيضة القبان» في الصراع الأميركي – الصيني الذي سيحدد معالم النصف الثاني من هذا القرن فصاعداً.
ظهر الغرب في «قمة السبع» بهيروشيما موحداً تحت راية الولايات المتحدة التي تسعى لرص صفوف الحلفاء في محاولة لترميم الشقوق التي ظهرت في بنيان نظام الهيمنة الغربي على العالم، والقرارات التي صدرت عن «مجموعة السبع» كانت تندرج في سياق تعزيز «النظام العالمي الحر» وهي الأعلى وتيرة منذ انفراد الولايات المتحدة بالسيطرة العالمية ما بعد سقوط وتفكك الاتحاد السوفييتي أواخر العام 1991، لكن من الممكن الجزم بأن تلك الوتيرة ليست تعبيراً عن «فائض» للقوة على الرغم من توافر أدواتها، بقدر ما هي تعبير عن حالة تشنجية ما انفكت وتيرتها تتعالى منذ الـ24 من شباط 2022، وتلك الحالة، كانت قد راكمت في الذات الجماعية للغرب شعوراً يوحي بأن «حبل السُّبَّحة» قد بدأ بانفراط عقده جراء التداعيات التي خلفها الحدث الذي سجله هذا التاريخ الأخير، بدءاً من «التفلت» الذي راحت كل من الرياض وأبو ظبي تختطانه في سياساتهما، ثم وصولاً إلى سياسات هي أقرب إلى نهج جديد راحت «دول الجنوب» ترى فيه أساساً لنهضتها الاقتصادية على الرغم من أن تلك الدول لا تمثل إطاراً إيديولوجياً معادياً للنظام الغربي عموماً والرأسمالي على وجه الخصوص.
لم يسبق لقمة من قمم «السبع» منذ تأسيسها أن كان الغرب فيها متراصاً كما كان في «هيروشيما»، فالخشية من انحسار المد الغربي، بكل أشكاله، دفعت «الكل» لطي خلافاتهم على كثرتها، ومن ثم دفعت بهؤلاء إلى الظهور كـ«البنيان المرصوص» لإرسال رسالة لـ«الآخرين» مفادها أن الغرب لا يزال في أوج قوته، وأن مرامي الآخرين لتحدي تلك القوة دونها عقبات وعقبات، ولربما كان هذا الأمر الأخير صحيحاً بدرجة كبيرة، لكن «الكل» الغرب والآخرين، يبدو أنهم ماضون في رمي قفاز التحدي بوجه الآخر، الأمر الذي قد يدفع نحو اختناقات من الصعب على «القوة الناعمة» إعادة فتحها ليصبح لزاماً عندها استخدام نظيرتها «الخشنة»، ولربما كان بيان «السبع» فيه الكثير مما يوحي بأن الغرب جاهز لفعل من هذا النوع الأخير حتى وإن استدعى الأمر «نبش» غبار الرياح التي هبت على هيروشيما صيف العام 1945 واستعادة تنشقها من جديد.
سيرياهوم نيوز1-الوطن