الجنيه المصري يشكل تحدياً أمام الحكومة المصرية ، حيث تشكل قيمة الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي وتأثيرها على التضخم مصدر قلق بالغ للمصريين في الوقت الحالي، على الرغم من تثبيت قيمة الجنيه في التعاملات الرسمية، إلا أن هناك تذبذب في قيمتها في السوق الموازية، وذلك بسبب نقص العملة الصعبة في البلاد.
منذ مارس 2022، شهدت العملة المصرية تراجعًا حادًا في قيمتها، حيث فقدت أكثر من نصف قيمتها أمام الدولار الأمريكي. وتظل توقعات المتداولين وبنوك الاستثمار العالمية تشير إلى احتمالية خفض جديد في سعر الجنيه.
هذا التراجع في قيمة الجنيه يثير مخاوف تفاقم التضخم وتأثيره على قدرة الناس على شراء السلع والخدمات الأساسية. قد يزيد انخفاض قيمة الجنيه من تكلفة المستوردات وبالتالي يرفع أسعار السلع المحلية. وقد يتسبب ذلك في زيادة الضغوط على الأسر والشركات ويؤثر على الثقة في الاقتصاد المصري.
ومنذ بداية الألفية، شهد الجنيه المصري عمليات خفض كبيرة في قيمته. في عام 2003، تم تنفيذ أول عملية خفض وتراجع قيمة الجنيه مقابل الدولار من 9 جنيهات إلى 19 جنيهًا. وفي عام 2016، شهدت مصر عملية خفض أخرى حيث ارتفع سعر الدولار إلى 19 جنيهًا من 9 جنيهات.
ومنذ مارس 2022، بدأت مصر رحلة جديدة من عمليات الخفض التي لا تزال مستمرة حتى الآن. بدأ سعر الدولار من مستوى قرابة 16 جنيهًا وارتفع ليتجاوز 18 جنيهًا. في أواخر أكتوبر، تم تعويم العملة مرة أخرى وبلغ سعر الدولار 24 جنيهًا. وفي يناير 2023، سمح البنك المركزي المصري للجنيه بالهبوط مرة أخرى واقترب سعر الدولار من حاجز 30 جنيهًا.
يعتبر هذا الفارق الكبير بين الأسعار في السوقين سببًا للقلق والتوقعات المتزايدة بخفض جديد في قيمة الجنيه. ومن المهم مراقبة التطورات الاقتصادية والسياسية والتدابير التي ستتخذها الحكومة المصرية للتصدي لهذه الأوضاع والحد من الفجوة بين السوقين.
وفي ديسمبر 2022، كانت مصر قد أبرمت اتفاقًا مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 3 مليارات دولار، والذي تم تقسيمه على مدى تسع شرائح حتى سبتمبر 2026. تتضمن الاتفاقية مراجعتين سنويتين لتقييم تقدم الإصلاحات المتفق عليها، والتقييم الأول سيتم هذا الشهر.
حيث تم تسليم البلاد الشريحة الأولى من القرض بقيمة 347 مليون دولار في وقت سابق من العام الماضي. ومع ذلك، يعتمد تسليم الشريحة الثانية التي تبلغ قيمتها حوالي 354 مليون دولار على مراجعة صندوق النقد للإصلاحات التي تم الاتفاق عليها. ومن بين هذه الإصلاحات، اعتماد سعر صرف مرن للجنيه المصري وتنفيذ سياسة التخارج التدريجي من الاقتصاد من خلال عمليات الخصخصة.
تعكس هذه الخطوة الجادة لمصر في الحصول على القرض وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التزامها بتعزيز الاستقرار المالي والاقتصادي. تأمل الحكومة المصرية في أن يسهم هذا الاتفاق في تعزيز الثقة الاقتصادية وتعظيم فرص النمو المستدام للبلاد.
وأصبحت وكالات التصنيف الائتماني الكبرى في الآونة الأخيرة تعبر عن نظرة متشائمة تجاه الوضع الاقتصادي في مصر، وتشير إلى عدم اليقين بشأن مرونة سعر الصرف وضعف احتياطيات البلاد من العملة الأجنبية. حيث ، أعلنت وكالة “موديز” أنها تقوم بمراجعة تصنيف مصر السيادي بهدف الخفض، بعد أن خفضت التصنيف في فبراير الماضي إلى “B3″، وهو تصنيف غير استثماري.
بالإضافة إلى ذلك، قامت وكالة “فيتش” بتخفيض تصنيف الائتمان الطويل الأجل لمصر إلى “B” بدلاً من “+B” مع وضع نظرة مستقبلية سلبية. وأشارت الوكالة إلى مخاطر تدهور الثقة إذا تأخر تبني سياسة سعر صرف مرن، مما قد يؤثر على تنفيذ برنامج صندوق النقد الدولي.
وفي أبريل، قامت وكالة “ستاندرد أند بورز” (S&P) بتعديل نظرتها المستقبلية لمصر من مستقرة إلى سلبية، مع الاحتفاظ بتصنيف الديون طويلة الأجل بالعملة الأجنبية عند مستوى “B”، وذلك بالرغم من الإشارة إلى أن تأخير الإصلاحات الهيكلية لا يزال يضغط على قيمة الجنيه.
هذه التصنيفات السلبية والنظرات المستقبلية المتشائمة تعكس المخاطر التي تواجهها الاقتصاد المصري وتعزز الحاجة لتنفيذ إصلاحات هيكلية جذرية واتخاذ إجراءات قوية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي وتعزيز ثقة المستثمرين.
تقديرات دولية جديدة حول الجنيه المصري :
وفقًا لتقرير صادر عن مصرف “كريدي سويس” العالمي، تم تقديم رؤية سلبية بشأن أداء الجنيه المصري في المستقبل، مع توقع هبوط قد يصل إلى 25٪ من القيمة الحالية في السوق السوداء. يرجع ذلك إلى عدم تحقيق تقدم ملموس في برنامج الإصلاح الاقتصادي، وخاصة فيما يتعلق ببرنامج الطروحات الحكومية
ووفقًا لتوقعات البنك السويسري، يتوقع أن يتراوح سعر صرف الجنيه مقابل الدولار خلال الأشهر الثلاثة القادمة بين 45 و50 جنيهًا للدولار. ومن الممكن أن يشهد أداء الجنيه تحسنًا خلال الأشهر الـ12 القادمة، ليصل إلى 33 أو 34 جنيهًا للدولار، شريطة أن تقوم الحكومة المصرية بتنفيذ إصلاحات اقتصادية جادة.
وفي توقعاتها، أشارت شركة “سيتي غروب” إلى أن البنك المركزي المصري قد لا يقوم بتخفيض قيمة الجنيه المصري في المستقبل القريب، على الأقل حتى نهاية الشهر الجاري. هذا التوقع يتعارض مع آراء الأسواق التي تناقش مؤخرًا إمكانية تعويم الجنيه في وقت قريب.
وتعزو الشركة هذه التوقعات إلى حقيقة أن أي خفض حاد آخر في قيمة الجنيه قبل نهاية السنة المالية المصرية في 30 يونيو قد يؤثر سلبًا على هدف الحكومة في تحقيق عجز في الميزانية بنسبة 6.5٪ والحفاظ على استقرار الديون الوطنية بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي. صرح لويس كوستا، المحلل الاستراتيجي لمنطقة وسط وشرق أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا في “سيتي غروب” بهذا التوقع.
إجراءات الحكومة المصرية
تتبع الحكومة المصرية سياسة اقتصادية تثير شكوكًا في الثقة بالعملة الوطنية. يظهر أن الحكومة غير متحمسة للإسراع في تنفيذ ضغوط صندوق النقد الدولي بشأن الإصلاح الاقتصادي، وهو ما يعكسه عدم الاتفاق على موعد لإجراء المراجعة الأولية للقرض الأخير البالغ قيمته 3 مليارات دولار. وفي الوقت نفسه، تستمر الحكومة في سعيها للحصول على المزيد من القروض والدعم الخارجي، خاصة من الدول الخليجية، لتمويل مشاريع كبيرة وتسديد الديون الخارجية. ومع استمرار هذه السياسة، يتزايد احتمال أن تقع الحكومة في فخ الديون، مما يؤثر سلبًا على استقرار العملة وتدفق الاستثمارات الأجنبية. يُتوقع أن يصل سعر الدولار إلى 40 جنيهًا أو أكثر عند حدوث التخفيض الرابع في المستقبل القريب.
تضع معدلات التضخم العالية والديون الخارجية المرتفعة والعجز الغذائي والتجاري الحكومة المصرية في وضع صعب. تتزايد الضغوط المفروضة من المانحين لضرورة تنفيذ إصلاحات اقتصادية قاسية، ولكن ليس من الضمان أن هذه الإصلاحات ستساعد في حل المشاكل الجوهرية التي يواجهها الاقتصاد المصري.
وأخيراً ، يبقى الجنيه المصري موضوعًا يثير التساؤلات والجدل. هناك تحديات كبيرة تواجه العملة الوطنية، والتضخم العالي والديون الخارجية المرتفعة يضعفان استقرارها. ومع ذلك، فإن هناك آمالًا وتوقعات لتحقيق تحسن في الوضع الاقتصادي والنقدي إذا تم اتخاذ الإجراءات الملائمة.
هل يستطيع النظام المالي في مصر تحقيق استقرار الجنيه واستعادة الثقة فيه؟ هل ستتمكن الحكومة من تنفيذ الإصلاحات الضرورية وتعزيز الشفافية وتحسين بيئة الاستثمار؟ هل ستكون هناك تضحيات قاسية في المستقبل القريب لتحقيق استقرار العملة؟
هذه التساؤلا تبقى محل جدل وتتطلب متابعة الأحداث والتطورات بعناية. إن مصير الجنيه المصري ليس محسومًا، وقد يعكس المستقبل الاقتصادي والسياسي لمصر تأثيرًا كبيرًا على قيمته.
سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم