زينب حمود
حذّرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونسيف)، في تقرير نشرته الشهر الماضي، من أثر الأزمات على زواج القاصرات عالمياً، رغم تسجيل تراجع في نسبة هذا الزواج من 23 في المئة إلى 19 في المئة في السنوات العشر الأخيرة. في لبنان، عقدت لجنة حقوق الإنسان النيابية، مطلع آذار الماضي، جلسة لمناقشة اقتراح قانون يمنع تزويج القاصرات، هي الأولى في عهد المجلس النيابي الجديد. رئيسة الهيئة اللبنانية لمناهضة العنف ضد المرأة لورا صفير نقلت أجواء «إيجابية»، و«جديّة في التعاطي». إلا أن انسحاب نائبين في أول الجلسة يحيل إلى الحائط المسدود ذاته: «معارضة مرجعيات دينية ممثلة داخل المجلس»، ويحوّل النقاش، بعد الاتفاق على الـ18 سناً أدنى للزواج، إلى الاستثناءات التي يجب إرفاقها بالقانون لاسترضاء هذه المرجعيات
اعتلت سيدة المنبر لتقديم شهادة في ندوة حول تمكين المرأة، وقالت: «زوّجت ابنتي في سن الـ 13 لأصونها، أو هكذا اعتقدت وفقاً لما يحصل حيث نعيش في طرابلس، حيث نتنافس على تنفيق بناتنا. كانت لا تزال طفلة، وبدأت معاناتها منذ ليلة الزفاف: اغتصاب زوجي وشتائم وضرب مبرح أدى إلى خضوعها لأكثر من عملية إجهاض». وأضافت بعدما انهارت بالبكاء: «لم يكن هو فقط جلاّدها، نحن أيضاً. انتزعنا طلاقها منه بعد 3 سنوات. أرجوكم لا تزوجوهن قبل أن يكبرن، ينضجن، ويصرن جاهزات لتحمّل هذه المسؤولية».
ad
(أنجل بوليغان)
تكاد هذه تكون الصّورة النمطية في الأذهان حول زواج القاصرات، علماً أنه، بغض النظر عن صحّة هذا الزواج من عدمها، لا تنتهي كل قصص الزواج المبكر بالطلاق أو الإيذاء. تروي رنا، مثلاً، عن تجربة زواجها في سن الـ15: «لم أكن واعية، لكنني لم أشعر يوماً أنني ضحية كما يصوّر المجتمع من تزوجن دون سن الـ 18. زوجي يحترمني ومنحني كل حقوقي لا سيما الحق في متابعة دراستي، وها أنا أسعى وراء أحلامي ومخططاتي المستقبلية التي لا تتعارض مع مسؤولياتي كزوجة وأم».
ad
وبعدما أدّى حصول المرأة على حقها في التعليم ودخولها ميدان العمل إلى رفع سن الزواج وانحصار الزيجات المبكرة في الأطراف والمناطق النائية، أعادت الأزمة الاقتصادية زواج القاصرات إلى داخل المدن. هذا ما لحظته منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونسيف» نهاية عام 2021 بالإشارة إلى أنه «في حين ينزلق لبنان أكثر فأكثر في أزماته المتعددة والعميقة، يلجأ بعض من فيه، من الأسر الأكثر ضعفاً، إلى آليات عدة للتأقلم، مثل إجبار بناتهن الصغيرات على الزواج».
«جمعية مساواة – وردة بطرس للعمل النسائي» أعدّت قبل عامين دراسة ميدانية حول «تنامي ظاهرة التزويج المبكر في لبنان»، وجاءت النتائج على قدر التوقعات: سوداوية. معدل نسبة زواج القاصرات لا يظهر تحسناً ملموساً لجهة انخفاض النسبة دون 12 في المئة. بل، يرتفع بحسب المناطق، خصوصاً في الأرياف والمناطق الفقيرة والمهمشة.
شملت الدراسة 300 من حالات الزواج المبكر (بين 12 و17 سنة)، في مختلف المحافظات، بين لبنانيات ولاجئات سوريات. وتوزعت دوافع الزواج المبكر، فسجلت التقاليد والعادات الموروثة النسبة الأعلى (48 في المئة)، تقدم العريس المناسب (18 في المئة)، الموروثات الدينية (10 في المئة)، التخفيف من العبء الاقتصادي على العائلة (10 في المئة)، بلوغ الفتاة (3 في المئة).
ad
وتستحوذ اللاجئات السوريات على حصة كبيرة من زواج القاصرات، ففي إحصاء لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونسيف» عام 2017، شمل 2400 من اللاجئات السوريات في البقاع، تبيّن أن أكثر من ثلث اللواتي تراوح أعمارهن بين 20 و24 سنة تزوجن قبل سن الـ18، و24 في المئة بين الـ15 والـ17 سنة متزوجات. أما في صفوف اللبنانيات، فتغيب الأرقام الرسمية، علماً أن آخر تقرير لـ«اليونسيف»، عام 2016، أشار إلى أن 6 في المئة من اللبنانيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 20 و24 سنة تزوجن قبل بلوغهن سن الـ 18، وأن 4.1 في المئة من اللواتي تراوح أعمارهنّ بين 15 و19 متزوّجات.
بين «الحقوق» و«الأخلاق»
يُعدّ زواج القاصرات من المسائل الإشكالية في لبنان نظراً إلى عدم تجانس بنيته الاجتماعية، ويكاد اللبنانيون ينقسمون تيارين في مقاربتهم لها: «حقوقي» بحت يرى في هذا الزواج «ظاهرة خطيرة نظراً لآثارها الجسيمة التي قد تهدد حياة الفتاة»، و«أخلاقي» يعتبره «علاجاً للانزلاقات الاجتماعية، يحمي من الانحراف، ويحقق إشباعاً جنسياً من دون الوقوع في المحرمات». ويدعم هؤلاء، في ظل الأزمة الحالية، العامل الاقتصادي وميل الأهل لرفع أعباء بناتهم المادية عن كاهلهم.
ad
قبل الأزمة، عام 2018، نفّذ «التجمع النسائي الديموقراطي اللبناني» بالشراكة مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة ومنظمة إنقاذ الطفولة استطلاعاً للرأي في لبنان حول «ظاهرة تزويج الطفلات والأطفال»، شمل 1200 شخص، وأظهر معارضة واسعة (84%) للزواج المبكر الذي اعتبره 80% «جريمة بحق الفتيات». وحدد 97% السن الأنسب لزواج الفتاة فوق الـ 18 عاماً، 3و% بين 15 و17 سنة. وكان من هم فوق الـ 56 سنة الفئة العمرية الأكثر تأييداً للزواج المبكر».
أساس الوقوف ضدّ هذا الزواج يعود إلى «انتهاكه حقوق الإنسان بخاصة حقوق الطفل»، كما تقول مسؤولة قسم حماية الأطفال في «كفى عنف واستغلال» ماريا سمعان لـ «الأخبار»، معدّدة آثاره على الفتيات: «مضاعفات الحمل المبكر على صحة المرأة، إذ تنتج من هذا الزواج إجهاضات متكررة، لأن حوض الفتاة لا يكتمل عند سنّ البلوغ، والدورة الشهرية لا تعني الجاهزية للإنجاب، عدا عن أنّ الحمل في سنّ مبكرة يتسبب بمشكلات صحية على المدى البعيد مثل ترقق العظام وفقر الدم…». وإلى الآثار الصحية، «يحرم الزواج المبكر الفتيات من التعليم وما لذلك من أثر على حياتها، لا سيما لجهة تأمين استقلاليتها المادية، ويزجّ بهن في علاقات غير متكافئة ما يزيد من احتمالية الطلاق والعنف الأسري… وما لذلك من آثار نفسية على صحتها».
ad
إذا كانت القوانين ترفض منح من هم دون الـ 18 رخصة قيادة سيارة فكيف تمنحهم رخصة قيادة عائلة؟
تحترم سمعان العادات والتقاليد «شرط أن لا تكون مؤذية». وعن دور الزواج المبكر في الحدّ من الانزلاقات الاجتماعية، تسأل: «من قال إنّ الفتاة عند سن البلوغ يكون همّها إقامة علاقات جنسية؟».
في المقابل، يأخذ أنصار التيّار «الأخلاقي» على رافضي الزواج المبكر أنهم «أساساً مؤسسات مجتمع مدني لا يحترمون ثقافتنا ويريدون فرض نماذج غربية علينا، ونعرف فساد هذه النماذج أخلاقياً»، مشيرين إلى أن «فكرة زواج القاصرات تأتي لدى هؤلاء في وعاء جاهز مع عبارات رنّانة كالحرية والحقوق والنسوية». أما في ما يتعلق بالعنف الأسري والطلاق وعدم نجاح المؤسسة الزوجية، «فكلها ظواهر تحصل بعد زواج مبكر أو متأخر».
ad
يبقى الخلاف الأكبر على سنّ الرشد. يسأل البعض: لماذا يُحدّد عند سنّ 18؟ ولماذا لا تكون ابنة الـ16 أو 17 راشدة وجاهزة بيولوجياً واجتماعياً ونفسياً للزواج؟ ترى سمعان أن الهدف من السؤال «حشرنا في الزاوية». وتعلّل اعتماد سن الـ 18 بأنه «المعترف به دولياً وليس في الغرب فقط. هناك دول إسلامية وقّعت اتفاقية حقوق الطفل التي حددت الطفولة من صفر إلى سن 18. كما أنّ العلم والطب يؤكدان أنه السن الذي يكتمل فيه نمو الطفل على الصعيد الجنسي والجسدي والإدراكي والسلوكي، عدا عن أن القوانين اللبنانية تعترف بأهلية الفرد عند بلوغه 18. وإذا كانت القوانين ترفض منح من هم دون هذا السن رخصة قيادة سيارة فكيف تمنحهم رخصة قيادة عائلة؟».
وتلفت الباحثة في الأنثروبولوجيا ليلى شمس الدين إلى أن «الزواج بناء مؤسساتي لشريكين ينتج منه أولاد تحتاج عملية تربيتهم إلى نضج الطرفين. وعدم الجاهزية لتحمّل مسؤولية الزواج له تبعاته على الفتيات على شتّى الأصعدة بما في ذلك تكوين الشخصية والدفاع عن النفس، كما له تبعاته على الأسرة»، وتأسف من «عقد زيجات مبكرة لفتيات في سن 12 و13 و14 سنة في المناطق النائية خصوصاً بين اللاجئات السوريات انطلاقاً من مبدأ أن الزواج يقي من الوقوع في المحرمات».
ad
الرأي الديني
لا يحاور المجتمع المدني، غالباً، المرجعيات الدينية حول مسألة زواج القاصرات لأنه يحصر علاقته بالدولة، فيما لا يمكن تجاوز سلطة هذه المرجعيات التي تترجم في مجلس النواب لدى مناقشة موضوع كهذا. إلى أي مدى يمكن تحديد سنّ قانونية للزواج في ظلّ وجود 18 طائفة واجتهادات وآراء فقهية متباينة؟ في ما يأتي بعض الأجوبة
ad
مكي: لا نشجّع ولا نحرّم
ما هي السنّ التي تعتمدها المحكمة الشرعية لعقد زواج الفتيات؟
– من حيث المبدأ، قد يتمّ عقد الزواج لفتاة وإن كانت دون سن البلوغ. أما من حيث الفتوى العملية، تلتزم الطائفة الشيعية بأن العقد وإن جاز قبل البلوغ، لا تجوز العلاقة الكاملة بمعنى الزفاف إلا بعده. وسن البلوغ المشهور عند علماء الشيعة هو 9 سنوات هلالية، وهناك آراء فقهية اجتهادية أخرى قليلة حددته بـ 13 عاماً.
هل بلوغ الفتاة يحدّد جهوزيّتها للزواج؟
ليس كل ما هو جائز بالمعنى الأوّلي الأصلي جائز بالمعنى الثانوي والأخلاقي. تحدّثنا عن المبدأ، لكن هناك استثناءات. إذا كانت الفتاة في عمر 9 سنوات أو 13 سنة أو أكثر وبالغة لكنها غير راشدة ولا تعي ماذا تفعل، فليس من الأخلاق أو القيم إقامة علاقة معها. لكي يكون الزواج شرعياً يجب ألا يقارب جماداً، وألا يكون فيه أذية لها لأن المطلوب المعاشرة بالمعروف.
ad
سابقاً، كانت الفتاة في سن صغيرة تبدو أكثر نضجاً، بيولوجياً ونفسياً ممّا هي عليه اليوم. لماذا لا تسمح المرونة الفقهية بإعادة النظر في سنّ الزواج؟
لا أستطيع أن أصدر قانوناً عاماً يطبّق على الجميع ويخالف شرع الله. المرونة الفقهية في غير المحدّد. الأصل والقاعدة تجيز بمعنى العقد، لكن يبقى العقد لفظة بين الولي والزوج. المهم في المفاعيل: المعاشرة، ولا يجوز له ذلك إذا كان فيه ضرر على الفتاة، ولو فهمت التيارات النسائية الفرق بين العقد والمفاعيل لما اعترضت.
ما الذي يضمن أن الزوج بعد العقد سيمتثل للمنظومة الأخلاقية في الشرع ويمتنع عن المعاشرة إذا كان فيها ضرر على الزوجة؟
المخالفة تُنسب إليه وليس إلى الشرع. على الأهل والزوج تعلّم أحكام الشريعة: ما يجوز ولا يجوز. في هذه الحالة يمكن للزوجة أن ترفع دعوى طلاق، وإذا تكرّرت المخالفة ثانية يطلّقها الحاكم.
ad
لماذا تعارضون تحديد عمر أدنى للزواج يطبّق على الجميع ويضمن حمايتهن؟
نحن ضدّ المنع المطلق. القاضي الشرعي أو المرجع الديني يحدّد فتواه ويصدر الحكم الثانوي بحسب ظروف كل بيئة وظروف العباد. حتى في لبنان، تختلف البيئة الطبيعية من مكان إلى آخر، كما تلعب العوامل الوراثية دوراً مهماً. أحياناً نجد ابنة 6 سنوات برشد ابنة الـ20. ومنع زواج من هم دون الـ 18 عاماً في بلد ظروفه الاجتماعية ملتهبة والاختلاطات تهيّئ الذكر والأنثى لإقامة العلاقات الجنسية، يدفع نحو الفجور والزنى. لماذا ننظر إلى سلبيات تزويج دون الـ 18 عاماً ولا ننظر إلى سلبيات منع التزويج دون الـ 18؟
هناك أضرار صحية ونفسية واجتماعية يخلّفها تزويج القاصرات والإنجاب المبكر.
لم يتعارض الشرع يوماً مع العلم لنصدّق أن البلوغ لا يهيئ الفتاة بشكل كامل للإنجاب. نادراً ما نعقد زيجات لمن هم دون الـ 18 عاماً، ولا نشجع على تزويج الصغار، ولكن لا نحرّمه. فإذا وافقت ابنة 13 عاماً على الزواج ووجد الولي أن عندها القابلية، نجري العقد.
ad
الكردي: القانون الموحّد تعدٍّ على الأديان
ما رأيكم بمنع عقد زواج من هم دون الـ 18 عاماً؟
نحن ضدّ أي مشروع قانون أحوال شخصية موحّد، لأنه تعدٍّ على الأديان. ليس لأحد الحق في التدخل في النصوص الدينية. كيف يطالبون بقانون مدني والزواج أمر ديني وتشريع من الله وليس دنيوياً.
ما هي السن الشرعية التي تسمح بعقد زواج الفتيات؟
ad
سنّ البلوغ البيولوجي هي سنّ البلوغ الشرعي التي تجيز الزواج. في عهد الدولة العثمانية وُضع قانون حقوق العائلة الذي ينصّ على ما يلي: «يشترط في أهلية النكاح أن تكون سن الخاطب ثماني عشرة سنة فأكثر، وسن المخطوبة سبع عشرة سنة فأكثر. أما إذا راجعت المراهقة التي لم تتم السنة السابعة عشرة من العمر وادّعت أنها بلغت فللحاكم أن يأذن لها بالزواج إن كان حالها يتحمّل ذلك وأذن وليها». حاليّاً ساوينا بين الجنسين وصارت سن الـ 18عاماً هي سنّ البلوغ الشرعي لزواج الأنثى أيضاً، إلا في الحالات الاستثنائية.
ما هي الحالات الاستثنائية؟
إذا جاءنا من هم على علاقة خارج إطار الزواج وأحياناً على يد المرأة طفل، هل أجعله ابن زنى؟ أو إن بدت فتاة في الـ 17 عاماً راشدة وأكبر من عمرها لماذا لا نزوجها بعد أن تعرضها المحاكم الشرعية على طبيب نسائي ونفسي لتقدير جهوزيّتها للزواج، ويستمع القاضي إليها على انفراد للتأكد من أنه ليس هناك أدنى إكراه على الزواج؟ غير ذلك لا يُعقد الزواج.
ad
لماذا لا نمنع زواج القاصرات دون الـ18 عاماً ونحدّد الاستثناءات بوضوح؟
يحصل زواج من هنّ دون الـ 18 في حالات نادرة واستثنائية خاصة في المجتمع السوري. السوريون معتادون على تزويج أبنائهم وبناتهم في سنّ مبكرة. لكن، لا يمكن تعميم سن الـ 18 على جميع الحالات. ينظر القاضي في كل حالة ويصدر حكمه الشرعي بحسب استعداد الطرفين وجهوزيّتهما. الشرائع السماوية حثّت على الزواج المبكر لمنع الفساد في الأرض. من يقدّم هذه الطروحات يريد إسقاط تجارب الخارج علينا.
طانيوس: نرفض التدخل في النصوص الدينية
ad
ما هي سن الزواج المعتمدة في الكنيسة المارونية؟
سن الزواج الدنيا المعتمدة في الكنيسة المارونية هي 14 عاماً للفتيات و16 عاماً للفتيان. وذلك وفقاً للشرع الخاص. مجموعة القوانين الكنسية التي تعتمدها الكنائس الشرقية في مختلف الطوائف المارونية والكاثوليكية، تكون لها نكهة شرقية واعتبارات خاصة. لكنها لا تتعارض مع الشرع العام لجميع الكاثوليك في العالم.
ما رأيكم بطرح منع عقد الزيجات لمن هم دون الـ 18 عاماً؟
الكنيسة المارونية أصلاً تعقد زيجات لمن هم دون الـ 18 على أنها حالات استثنائية اضطرارية ونادرة جداً، كأن تحصل علاقة جنسية وحمل خارج إطار الزواج أو تغادر فتاة منزلها من دون أن نستطيع ردّها، فنلجأ إلى الـ «تفسيح» بموافقة الأهل. أما دون الـ 14 و16 عاماً فلا تُبرم عقود زواج في الكنيسة. لسنا مع زواج القاصرات، فمؤسسة الزواج مسؤولية، وفي القانون لا يحمل الفرد مسؤولية نفسه دون الـ 18 عاماً.
ad
بما أنكم تؤيدون منع زواج القاصرات، ما رأيكم بقانون مدني موحّد للأحوال الشخصية؟
من الصعب توحيد قوانين الأحوال الشخصية نظراً إلى خصوصية كل طائفة. بابا الفاتيكان ترك لكل كنيسة حرية وضع نظام خاص لا يتعارض مع النظام الكنسي العام. أما نظام الأحوال الشخصية المدني خارج الطوائف فهذا أمر مرفوض على الإطلاق، لأنه لا يحترم الحريات الدينية. نعم، لا نعارض منع زواج القاصرات لأن ذلك ليس في جوهر العقيدة، لكننا نرفض التدخل في النصوص الدينية.
هل أنتم منفتحون للقاء الكتل النيابية لمناقشة مشروع قانون يحدّد السن الدنيا للزواج؟
حتى الآن، لم يطرح أحد من النواب علينا ذلك بطريقة جديّة ورسمية لنعطي رأينا. عندما يحصل ذلك نرسل كتاباً إلى المرجعيات الروحية لدرسه. لكننا نرحّب بالموضوع، فالمنطق الكنسي لا يتناقض مع سن الـ 18 عاماً التي يطرحها المجتمع المدني، انطلاقاً من ضرورة الوعي والنضج قبل الزواج. اليوم تجدون سن الـ 18 سنة مناسبة للجهوزيّة البيولوجية والعقلية للفتيات، قد تطرحون غداً سن الـ 23 وربما يكون ذلك حجة لتحديد النسل وعدم الاستفادة من سن الخصوبة.
ad
ما رأيكم بذلك عندها؟
طبعاً ذلك مرفوض، عندها نعطي رأياً مغايراً.
الخشن: ربط الزواج بالحشمة ذهنية جاهلية
يدعو الشيخ حسين الخشن المحاكم الشرعية إلى إعادة النظر في سنّ الزواج المعتمدة (9 سنوات) لأنّ «النص الشرعي ليس مرجعية جامدة، والعقل الفقهي ليس مقفلاً، بل يفتح آفاقاً جديدة أمام المشكلات الاجتماعية». ويؤيّد «الاتجاه الفقهي القويّ الذي برز أخيراً، الرافض للزواج تحت سنّ البلوغ البيولوجي الطبيعي، حيث لا تكون الفتاة مؤهلة للإنجاب، وقبل امتلاكها وعياً ورشداً اجتماعيين لتعي مسؤولياتها، ولا سيما في ظلّ الحياة المعاصرة وتعقيداتها».
ad
يرفض الخشن الإصرار على الرقم 18 كسنّ أدنى للزواج، «فأصحاب هذا الطرح ينطلقون من خلفية ثقافية لا تشبهنا ويستنسخون قوانين غربية، ويريدون تطبيقها في بيئتنا رغم اختلاف الثقافات والبيئات». ويناقش: «من حدّد أن سنّ النضوج هو 18 عاماً؟ ومن قال إن ارتباط سنّ الزواج بسنّ اكتساب الأهلية القانونية المحدد من قبل المشرّع الوضعي مقدس ولا يخضع للنقاش؟ هذه مسألة تخضع لعناصر عدة، منها تأثير الزواج على صحة المرأة الجسدية والإنجابية، وقدرتها على النهوض بأعباء الزواج التربوية والاجتماعية، لذلك تتطلب دراسة معمّقة مع جهات مختلفة، على رأسها المرجعيات الدينية، ومتخصصون تربويون واجتماعيون وقانونيون، مع الأخذ في الحسبان ثقافتنا وخلفيتنا الشرقية المتديّنة». برأيه، «يتأرجح الحد الأدنى لسن الزواج بين الـ 15 والـ 18 عاماً، مع مراعاة الاستثناءات، فقد تكون ابنة الـ 16 غير مؤهلة للزواج بشهادة أهل الاختصاص والخبرة».
ويردّ الخشن على ربط زواج القاصرات بالحشمة وحفظ الشرف والخوف من العار بأنها «ذهنية جاهلية يرفضها الإسلام»، منتقداً «زجّ النساء في أقفاص الزوجية في سنّ مبكرة مخافة العار، لأن الحشمة ليست ضريبة على المرأة فقط»، مشدداً على أنه «ليس لدينا عقدة من الغريزة الجنسية، ولا ننظر إلى البنت على أنها عورة يجب أن نسترها، لكن، الحالة الطبيعية للجنسين تفرض مقتضيات أخلاقية لدى سنّ البلوغ وتحرك الرغبة الجنسية، وحتى لا يوضع الشاب أو الفتاة – من هو فوق سنّ البلوغ الطبيعي وقبل الـ 18 عاماً – بين حدّين: كبت هذه الغريزة أو تفلّتها من كلّ عقّال»، يطرح الشيخ الخشن «أن يُصار إلى إبرام عقود مؤقتة (عند من يؤمن بشرعية ذلك) كمقدمة للزواج، ضمن حدود معينة متفق عليها تسمح بتعارف الطرفين إلى حين بلوغ السن القانونية 18 من دون الوقوع في المحرّمات. هذه العقود شرعيّة وفق المذهب الشيعي، فما المانع من أن يُستفاد منها في التمهيد لعملية الزواج؟ لكن المشكلة أن النظرة العامة لهذه العقود لا تزال سلبية، لذلك تمارس العلاقات في إطار هذه العقود سرّاً وتبقى هذه الحالات غير شائعة».
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية