لا يختلِف اثنان عاقلان على أنّ دولة الاحتلال باتت تعاني من “متلازمة إيران”، إذا جاز التعبير، فالتطورّات في الجمهوريّة الإسلاميّة، وكلّ شاردةٍ وواردةٍ فيها، تُثير قلق وفزع الإسرائيليين، قيادةً وشعبًا، ولا نكشِف سرًا إذا جزمنا بأنّ الاهتمام الزائد بطهران في الكيان يؤكِّد أنّ اعتبارها تهديدًا إستراتيجيًا ووجوديًا لم يأتِ من العدم، بل تعبيرًا عمّا يجري في الأوساط الإسرائيليّة، نخبًا وقادةً ومُستوطنين.
واليوم الجمعة وفي عنوانها الرئيس ونقلاً عن محافل أمنيّةٍ واسعة الاطلاع أوضحت صحيفة (هآرتس) العبريّة أنّ وضع إيران الإستراتيجيّ تحسّن بشكلٍ كبيرٍ للغاية، وهذا الأمر لا يُعتبر بمثابة أخبارٍ جيّدةٍ لإسرائيل، على حدّ تعبيرها.
ولفتت الصحيفة، نقلاً عن ذات المصادر، إلى أنّ الاتفاق النوويّ الجديد بين إيران والولايات المُتحدّة الأمريكيّة سيُغلِق الباب نهائيًا أمام إسرائيل، ولن تتمكّن بعده من توجيه ضربةٍ عسكريّةٍ لتدمير البرنامج النوويّ الإيرانيّ، علمًا أنّ الجمهوريّة الإسلاميّة باتت تُعتبر دولة عتبة نوويّة، بحسب المصادر في تل أبيب.
وشدّدّت المصادر عينها في حديثها للصحيفة العبريّة على أنّ التحسّن في الوضع الإستراتيجيّ لإيران يتبلور في عدّة عوامل، منها على سبيل الذكر لا الحصر، تطوير التحالف بين إيران وروسيا، والذي برز في عدّة مجالات، كما أنّ الباب للوطن العربيّ تمّ فتحه أمام إيران، والدرب لتوقيع الاتفاق النوويّ بات معبدًا وجاهزًا للتوقيع، وفي الوقت نفسه، قالت المصادر، إنّ طهران تشعر بالتفاؤل فيما ينتاب الشعور بالخيبة كيان الاحتلال.
يُشار في هذا السياق إلى أنّ مصادر أمنية وعسكريّة واسعة الاطلاع في تل أبيب أكّدت وتؤكِّد حتى اللحظة أنّ الجيش الإسرائيليّ ليس قادرًا على تنفيذ مهمة ضرب المفاعلات النوويّة الإيرانيّة دون مساعدةٍ من الجيش الأمريكيّ، وعلاوة على ذلك، بحسب ذات المصادر، فإنّه حتى اليوم ترفض الإدارات الأمريكيّة المُتعاقبة السماح لإسرائيل بتوجيه الضربة، وتمنعها من مغامرة ستُشعِل حربًا إقليميّةٌ في منطقة الشرق الأوسط، طبقًا لأقوالها.
وتابعت المصادر قائلةً إنّ إسرائيل لم تحظَ في السابِق بشرعيّةٍ دوليّةٍ عالميّةٍ لتوجيه ضربةٍ جويّةٍ للبرنامج النوويّ الإيرانيّ، ولكن بعد توقيع الاتفاقيّة الأمريكيّة-الإيرانيّة فإنّ هذه الشرعية لن تعُد موجودةً بتاتًا ولن تجِد إسرائيل في حال إقدامها على شنّ عدوانٍ ضدّ إيران أيّ تأييدٍ في جميع أصقاع العالم، على حدّ تعبيرها.
بالإضافة إلى ما ذُكِر أعلاه، رأت المصادر الرفيعة في تل أبيب أنّ التقارب بين إيران والعديد من الدول العربيّة نابعٌ فيما هو نابعٌ من شعور الدول العربيّة بأنّ تحسين العلاقات مع طهران تُعتبر بالنسبة لها بمثابة بوليصة تأمين، على حدّ وصفها.
في المُقابِل، وعلى الصعيد الداخل الإسرائيليّ وَجَبَ التأكيد مرّة أخرى على ما قاله الجنرال الإسرائيليّ في الاحتياط يتسحاق بريك، الذي أوضح أنّه “إذا قررت إسرائيل تنفيذ الهجوم ضدّ البرنامج النوويّ الإيرانيّ، فعلى الحكومة الإسرائيليّة أنْ تأخذ على محملٍ من الجدّ الضربة التي ستتلّقاها إسرائيل من إيران ردًا على الهجوم، كما أنّ العملية بحدّ ذاتها، حتى لو شاركت فيها الولايات المُتحدّة الأمريكيّة ستكون نتيجتها تعطيل البرنامج النوويّ الإيرانيّ لعدّة أشهرٍ لا أكثر، ولكن الأخطر من ذلك أنّنا سنتعرّض لهجومٍ بآلاف الصواريخ يوميًا، والذي سيُحدِث دمارًا مُطلقًا، لم نكُن توقعّه، كما لم يتوقّعه أجدادنا”، كما أكّد.
بالإضافة إلى ما ذُكِر أعلاه، أوضحت المصادر في تل أبيب للصحيفة العبريّة أنّه إذا تحقق سيناريو التوقيع على اتفاقٍ أمريكيٍّ-إيرانيٍّ، فسيكون هذا التطوّر بمثابة انهيارٍ كاملٍ لإستراتيجيّة رئيس وزراء الكيان، بنيامين نتنياهو، لوقف البرنامج النوويّ الإيرانيّ، وذلك استمرارًا للانسحاب الأمريكيّ في العام 2018 من الاتفاق مع إيران، والذي كان قد تمّ توقيعه في العام 2015، وهو الانسحاب الذي قرره الرئيس الأمريكيّ السابِق دونالد ترامب بإيعازٍ من نتنياهو.
وخلُصت المصادر إلى القول إنّه “لا يُمكِن في هذه الحالة تحسين الصورة، ويجِب قول الحقيقة إنّ نتنياهو فشِل فشلاً هائلاً”، على حدّ وصفها.
سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم