| عبد المنعم علي عيسى
يشير قرار حكومة إقليم كردستان العراق القاضي بإغلاق معبر «سيمالكا» الحدودي ما بين مدينة الحسكة والإقليم شهر أيار المنصرم، إلى توجه تركي يرمي إلى محاصرة «الإدارة الذاتية» والضغط عليها اقتصادياً بدرجة موجعة، ثم انتظار النتائج التي ستتحدد من خلالها الخيارات التركية التي تبدو، من خلال تركيبة الحكومة التركية الجديدة، ماضية نحو التشدد في سياسات الأمن القومي ومحاربة «الإرهاب» الذي تحتل ميليشيات «قوات سورية الديمقراطية- قسد» فيه رأس الهرم على اللوائح التركية، ولربما جاء فعل إغلاق المعبر، في سياق تنسيق عراقي سوري تركي قضى بالضغط على حكومة أربيل للقيام بما من شأنه بسط الدولة السورية سيادتها على كامل أراضيها بما فيها المعابر الحدودية التي ترمز عملية السيطرة عليها لأبعاد سيادية وأمنية واقتصادية على حد سواء.
يمثل معبر «سيمالكا» الرئة التي تتنفس منها منظومة «الإدارة الذاتية» شتى أنواع «الهواء» وهذه الأخيرة تجد نفسها، والحال كذلك، في مصيدة لربما لا تقل آثارها، من حيث النتيجة، عن تلك التي تركتها العمليات العسكرية الأربع التي نفذتها القوات التركية ضد مناطق سيطرتها في الأعوام الستة الماضية، ولربما الفارق الوحيد بين الحالين يكمن في أن الأخيرة تمثل تهديداً وجودياً مباشراً وسريعاً، في حين أن الأولى تمثل التهديد عينه لكن بطريقة «السنطة» التي تستخدم فيها شعرة من ذيل حصان لقطع الدماء الواردة إلى تورمات أو بثور ظاهرة على الجلد الأمر الذي يؤدي إلى مواتها وتساقطها تدريجياً، وما يدعم هذه النظرة الأخيرة هو السلوك الذي قابلت به منظومة «قسد» ذلك القرار، فعلى الفور راحت البيانات تتوالى مظهرة قدراً أكبر من التشنج والاحتقان الباديين بوضوح في هذه الأخيرة، وبعيد إعلان إدارة المعبر عن قرارها آنف الذكر، جاء في إحدى البيانات: إن خطوة إقليم كردستان هي بمنزلة «حكم إعدام على الكرد (نعم الكرد فقط) السوريين، كون سيمالكا هو المعبر الوحيد الذي يربطهم مع بقية دول العالم»، فيما راحت وسائل الإعلام التابعة لتلك الميليشيات تستفيض في شرح «الآثار الإنسانية» التي يمكن أن تترتب على الفعل في حال طال أمده لأشهر أو لفترات تمتد لأبعد من ذلك، بل إن إحدى تلك الوسائل، أشارت في تقرير لها نشرته قبل أيام إلى أن «قرار الإغلاق سيؤدي إلى تأثر الحرب ضد تنظيم داعش» في محاولة لاستمالة الأميركيين ومناغاة ما يثيرهم أو هو يدفعهم للتحرك سريعاً قبيل أن يصل «الموات» للأنسجة تلك التي تحت الجلد، والشاهد هو أن المحاولة نجحت في «استثارة» الأميركيين لكن من دون أن يستطيع هؤلاء تحقيق المرامي كلها.
مطلع شهر حزيران الجاري زار «المبعوث الأميركي إلى شمال شرقي سورية» نيكولاس جرنجر إقليم كردستان العراق بغرض الضغط على حكومة الإقليم بشأن معبر «سيمالكا» والزيارة نتج عنها قرار بفتح جزئي للمعبر بدءا من يوم 5 حزيران الجاري، لكن البيان الصادر عن إدارة المعبر يشير إلى أن القرار يشمل «عمل المنظمات الإنسانية» وهو سيسمح بالعبور فقط «للمرضى والعرائس والحالات الإنسانية ولحاملي الإقامات الأوروبية وللموظفين المعتمدين لدى المنظمات الإنسانية على طرفي المعبر» ويضيف البيان إن القرار يستثني «الحركة التجارية» من دون أن يذكر شيئاً عن حركة نقل الأسلحة والمعدات العسكرية التي تقوم القوات الأميركية بنقلها من شمال العراق إلى قواعدها شمال شرق سورية مع العلم أن تلك الحركة لم تتأثر بفعل قرار إدارة المعبر القاضي بإغلاقه مطلع شهر أيار المنصرم.
مثل الفعلان، إغلاق المعبر وإعادة فتحه جزئيا، حالة «شد حبل» تركية أميركية نتج عنها «فوز» الأتراك بشد الحبل نحو ملعبهم لكن من دون أن يستطيع هؤلاء الشد بالفريق الخصم كله إلى ما بعد خط المنتصف، الأمر الذي زاد من احتقانات «قسد» التي برزت بشكل صارخ منذ لقاء وزيري الخارجية السوري والتركي في موسكو العاشر من شهر أيار الماضي، حيث كانت القراءة عند هذه الأخيرة تقول إن الطرفين «اتفقا على محاربة قواتها» في المرحلة المقبلة وفقاً لما صرح به مصدر تابع لتلك الميليشيا لوسيلة إعلامية مقربة منها، ولربما لم يكن هناك من تفسير يشرح ما ذهبت إليه تلك الميليشيا يوم 5 حزيران الجاري سوى أن «الاحتقان» سابق الذكر قد وصل إلى مديات لم يعد بالإمكان معها سوى «التنفيس» عن بعض منه، وما جرى، وفق مصادر إعلامية، هو أن «قسد» أبلغت حكومة دمشق نهاية الأسبوع الماضي عن «فقدان الاتصال بفتاتين من قياداتها الأمنية والمالية بالقامشلي»، وعليه فقد قامت فصائل تابعة لها باحتجاز عدد من ضباط وعناصر من الجيش العربي السوري خلال انتقالهم من مناطق انتشارهم في تل تمر وأبو راسين والحسكة باتجاه مطار القامشلي، مع التهديد بإغلاق الطرقات المؤدية إلى هذا الأخير، قبيل أن تنجح الوساطة الروسية في خفض التصعيد الذي شهد محطات أدنى قبيل ذلك الفعل.
اندفاعة «قسد» هذه مردها إلى «احتقانات» راحت تتراكم بفعل العديد من التطورات الحاصلة في المنطقة والتي تراها تصب في غير مصلحتها، لكن «قسد»، راحت تستثمر في تلك الحالة لإرسال رسائل إلى دمشق مفادها أن بإمكانها، عبر امتلاكها لأوراق عسكرية، القيام بالكثير مما «يزعجها» ميدانياً، وبأنها قادرة على ممارسة فعل التضييق على الجيش العربي السوري على طول مناطق انتشاره، وهي بهذا السلوك تقامر بالكثير، فالانتشار سابق الذكر هو الذي حمى المنطقة من اقتحامات تركية إضافية كان يمكن لعملية «نبع السلام» 2019 أن تطولها، والراجح أن المزيد من الاحتقان سوف يدفع للمزيد من المقامرة في المرحلة المقبلة حتى تحين اللحظة التي تدفع بـ«المقامر» إلى الرمي بكل ما يملك قائلاً «صولد».
سيرياهوم نيوز1-الوطن