آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » كيف تصنع فاسداً؟

كيف تصنع فاسداً؟

عبد المفتاح العوض

 

أكثرية الناس لا تريد أن تكون فاسدة أو شريكة في الفساد، وتقف وراء ذلك ثقافة متأصلة من ثلاثة منابع.. الأول هو الحلال والحرام، والخوف من الحرام يشكل جزءاً من أسلوب حياة لدى السوريين بشكل عام.. السبب الثاني له علاقة بالمجتمع ومعرفة الفاسد أنه محتقر من الناس، ومهما علا مكانه أو زادت ثروته يعرف أن الناس تعرف مصدر ثروته الفاسدة، ومهما أظهروا له أشكال الود والاحترام فهو يعرف أن ذلك ليس إلا مجاملة ظاهرية أو مصلحة مؤقتة، وإن ما في القلب هو احتقار وعدم احترام.

 

السبب الآخر له علاقة بالخوف من القانون ومن السمعة التي تلحق به وبعائلته في حال تم الزج به بالسجن أو تم الحجز على أمواله.

 

هذه الثقافة المجتمعية بدأت منذ فترة بالتغير، ذلك أن الحكومات ساهمت بصناعة الفساد.. أو أول طريق كان من خلال ظهور جيل من أولاد المسؤولين الذين تحولوا إلى رجال أعمال وحصل هؤلاء على امتيازات برعاية خاصة، ما جعل النظرة إلى الفاسدين تأخذ شكلاً مختلفاً، إذ بدا الأمر كما لو كان تشجيعاً على الفساد.. وحدث تمرير وتجميل لعلاقة رجال الأعمال بمسؤولين وشراكات منها ما هو فوق الطاولة ومنها ما هو بالسر المعلن.

 

الآن لدينا أخطر من ذلك وهو الفساد «الشعبي» الذي أصبح ينظر إليه على أنه مبرر ومشروع.. والحجة في ذلك أن رواتب الموظفين لا تكفيهم وبالتالي أصبح من حقهم ثمن فنجان القهوة الحلال. حتى أولئك الذين يدفعون الرشاوى الصغيرة باتوا يتعاملون مع الموضوع على أنه جزء روتيني من تعاملاتهم مع بعض الموظفين في قطاعات معينة.

 

ضعف الرواتب والأجور ساهم في تغير نظرة الفاسدين لأنفسهم وأصبحت تقع تحت قاعدة من اضطر فلا إثم عليه.

 

والحديث عن حملات مكافحة الفساد لم تؤت أكلها، ورغم تراجع الإنفاق الحكومي بقي الفساد يشكل جزءاً من تقاليد القطاع العام وإضافة إلى تحول نوعي، حيث أصبح الفساد من الشعب إلى الشعب.

 

هذا الواقع الجديد أصبح معظم الناس يلمسونه، وبالأخطر يتعايشون معه ورغم خطوات حكومية جادة فعلاً في تخيف علاقة المواطن بالموظف، إلا أن ضعف الرواتب جعل البعض يبتكر ويبدع في إدارة الفساد.

 

الحالة التي جعلتها الحرب تتحول إلى ظاهرة تحتاج إلى أكثر من مجرد حملات مؤقتة تحدث بين الحين والآخر، ورغم أهمية القوانين في منع الفساد وخلق شفافية في المناقصات وتخفيف الإجراءات والروتين على الناس إلا أن كل هذا لن يكون كافياً إلا إذا عالجنا السبب الرئيس وهو ضعف الرواتب والأجور..

 

هنا المرض الرئيسي وما عداه هي أعراض له..

 

إن أردنا أن نجيب عن سؤال العنوان… كيف تصنع فاسداً.. ببساطة براتب غير كاف!! وهذا ليس تبريراً للفساد بل هو تفسير لما جرى ويجري.

 

أقوال:

 

– أول علامة على الفساد في مجتمع لا يزال حياً هي أن الغاية تبرر الوسيلة.

 

– «ما بال العامل نبعثه فيجيء فيقول: هذا لكم، وهذا أهدي إليّ؟‍‍‍‍. ألا جلس في بيت أبيه فينظر أيهدى إليه أم لا‍‍‍‍‍‍؟!».

 

– أدهى من الفساد هو السكوت عنه.

 

سيرياهوم نيوز1-الوطن

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هل يعلن ترامب الحرب على الصين؟

نور ملحم في وقت يستعد فيه الجيش الأمريكي لحرب محتملة ضد الصين، ويجري تدريبات متعددة لمواجهة ما سُمي بـ«حرب القوى العظمى»، بدأت بكين في بناء ...