آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » الديموقراطيّة اللبنانيّة العظمى

الديموقراطيّة اللبنانيّة العظمى

 

نبيه البرجي

 

كما لو أننا بحاجة الى هذا المشهد الببغائي، وعلى مدار الساعة، لندرك أن الأحزاب عندنا هي رؤساء الأحزاب . الوزراء والنواب غالباً ما يكونون “الحرملك” في البلاط!

 

هذه هي “الديموقراطية اللبنانية العظمى”، والتي نفاخر فيها أمام الآخرين. لا أحد من الهيئات العليا أو المجالس العليا، يدري بما يقوله وبما يفعله رئيس الحزب، الا حين يقرأ في الصحف أو يشاهد على الشاشات …

 

حتى في المسألة الرئاسية، وهو استحقاق (واختبار) دستوري بنيوي، رئيس الحزب هو الذي يقول وهو الذي يقرر. الغربان الصغيرة بالياقات الفاخرة، ان لم تخمّن بما يجول في رؤوس أولياء أمرها، تحلل أو تبرر اقوالهم وأفعالهم، على طريقة مصطفى لطفي المنفلوطي أو على طريقة عبد الباري عطوان، ليظهر الى أي مدى نعيش الكوميديا السوداء بوجوهها كافة.

نستذكر، من اصبحنا في الهزيع الأخير (أو ما بعد الأخير) من العمر، كيف استساغ الفريق عبد الكريم قاسم الذي أباد العائلة المالكة في العراق، لقب “الزعيم الأوحد”، الى أن شاهدنا رأسه مقطوعاً، وتمسك به – باعتزاز ـ ابنة أحد ضحاياه ناظم الطبقجلي .

في بلادنا، لا رؤوس تقطع ولا رؤوس تعلق على المشانق. الساسة خلقوا ليكونوا كائنات أبدية، وتبقى على الكراسي حتى ما بعد الموت. الكرسي تنتقل أوتوماتيكياً الى الابن أو الى الحفيد أو الى الأخ أو الى الأخت، ناهيك بالزوجة أو بالأرملة. حتماً لن نعثر على مثل هذه الحالات حتى في ملكيات القرون الوسطى …

 

البعض ثار لأننا رأينا في الديموقراطية (الديكتاتورية) اللبنانية الميدوزا، الكائن الخرافي الذي تنبعث من رأسه الثعابين. لوياجيرغا الغربان أم لويا جيرغا الثعابين؟

 

اي فضيحة أمام العالم وأمام التاريخ، حين يعجز رجال الدولة بكل بهائهم، في تصنيع رئيس للدولة؟ ايمانويل ماكرون عيّن جان ـ ايف لودريان، وزير الخارجية السابق جان ـ ايف لودريان، بالشخصية الكلاسيكية المملة، مبعوثاً له في ملف الرئاسة اللبنانية . لا تكفي السفيرة آن غريو، برقيّها ورقتها وباختلافها عن السفيرة دوروثي شيا، الآتية من الكليات (والغرف) الأمنية…

في هذه الديموقراطية العظمى، وحيث يتألق قناصل القرن التاسع عشر، يطبخ رئيسنا – بكل تلك الصفات الباهرة (لا الصلاحيات) التي أغدقتها عليه المادة 49 من الدستور ـ في بلدان أخرى كما تطبخ علب الكونسروة.

ما على ساسة هز البطن سوى أن يهزوا رؤوسهم، لارتباطهم المالي والسياسي بتلك البلدان. لكن المشكلة أن العالم كما المنطقة، على أبواب تحولات كبرى، حتى أن القوى العظمى لا تعلم الى أين تمضي بها تلك الأعاصير، سواء كانت عسكرية أم ديبلوماسية. لهذا تقبع ديموقراطيتنا في الثلاجة بانتظار التقاطعات الخارجية، وقد ظهرت الى العلن، وعلى نحو كاريكاتوري، التقاطعات المحلية.

 

سمير جعجع أحدهم، وان باللاءات السريالية، هدد باللامركزية الادارية، ضمناً الفديرالية أو الكونفديرالية، التي طالما شكلت مساره الايديولوجي، كما لو أن أهالي بشري العزيزة، واهالي دير الاحمر العزيزة، لا يشبهون الآخرين بالشروال الشهير وبالدبكة وبثقافة المائدة. هذا اذا فرض عليه رئيس من “محور الممانعة”، ومع اعتبار أن وثيقة الطائف قضت باعتماد اللامركزية التي كما أي نص آخر يتعلق بتحديث الدولة، بقيت عالقة بين دفتي الدستور.

أيها الحكيم، الحكيم. لا يعنينا أي مرشح من هذا الفريق أو ذاك، لأن مشكلة لبنان أكثر تعقيداً من أن يقترب منها أي من رجال او ظلال الأوليغارشيا الحاكمة. سليمان فرنجية من زغرتا، جارة بشري وشقيقتها… لم يهبط من كوكب آخر ولا من بيئة أخرى . واذا كان حائط الدم لا يبارح ذاكرتكَ، فان زعيم “تيار المردة” هو الضحية لا أنت.

لستَ بعيداً أبداً عن تلك “الديموقراطية العظمى”، التي هي “الديكتاتورية العظمى”، وان أحسنتَ في اختيار بعض وزرائكَ وبعض نوابكَ، خلافاً لآخرين يأتون بنوابهم من سراويلهم القديمة …

(سيرياهوم نيوز1-الديار)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

بعد الفيتو الامريكي على وقف القتل: خطوتان مجديتان

  ا. د. جورج جبور       الخطوة الأولى: *انتقال صلاحيات مجلس الأمن الى الحمعية العامة بموحب قرار التوحد من أجل السلم. يتخذ قرار ...