- رنا حربي
- الجمعة 12 حزيران 2020
يعمل الحزب الديموقراطي جاهداً على توظيف الأزمات، الانسانية منها والاقتصادية، التي تواجهها الولايات المتحدة، انتخابياً، خوفاً من أن يعيد التاريخ نفسه. في المقابل، يراهن دونالد ترامب على قدرته على تجاوز الأزمات، محاكياً تجربة ريتشارد نيكسون
على خطى نيكسون، يتوقع ترامب أن تبقيه «الأغلبية الصامتة» التي تؤيّد «القانون والنظام»
ونقلت «واشنطن بوست» عن مصدر مطلع، أن بايدن «يخطط للحديث أكثر عن العرقية والعنصرية في الأيام المقبلة»، في سعيه لكسب أصوات السود. وبالرغم من محاولاته، يواجه المرشح الديموقراطي انتقادات لمواقفه السابقة، ولا سيما قوله لمقدّم برنامج إذاعي «إذا كنت لا تستطيع أن تختار بين مساندتي أو دعم ترامب، فأنت لست أسود». هذا التصريح، الذي سرعان ما اعتذر عنه بايدن، رفع الستار عن حقيقة الحملة الديموقراطية الداعمة للتظاهرات: أصوات السود، لا حياتهم، مهمّة.
ولم تقتصر المسرحية الديموقراطية على بايدن. ففي مشهد دراماتيكي، ركعت رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي، وأعضاء ديموقراطيون، أمام عدسات الكاميرات، بصمت لمدة 8 دقائق و 46 ثانية، وهو مقدار الوقت الذي وضع فيه الضابط ركبته على عنق فلويد. كما ارتدوا وشاحاً أفريقياً هدفوا من خلاله إلى إبداء تضامنهم مع الأميركيين من أصول أفريقية. كذلك وجّه أوباما رسالة «عاطفية» إلى المتظاهرين، دعاهم فيها إلى «توجيه غضبهم انتخابياً» عبر اختيار مسؤولين «يستجيبون لمطالبهم». والجدير بالذكر أن تظاهرات مشابهة خرجت في عهد أوباما (حين كان بايدن نائبه على مدى 8 سنوات). كما شارك أعضاء من الحزب الديموقراطي في التظاهرات، ومن ضمنهم عمدة سياتل جيني دوركان، التي قالت «هناك أوقات يجب أن لا يكون هناك تجمّعات (بسبب كورونا)، ولكن ليس اليوم».
وكذلك وسائل الإعلام، التي عبّرت عن دعمها الكامل للتظاهرات. في حين وقّع 1200 من «خبراء الصحة العامة الأكثر شهرة في البلاد» على رسالة تدعو إلى «التجمعات في الهواء الطلق»، معتبرين أن «العنصرية والفوقية العرقية هي قضية تتعلّق بالصحة العامة وتتجاوز كورونا في خطورتها».
ترامب وتجربة نيكسون
يرى الصحافي توماس بي. أدسال، في مقال بعنوان «انتخابات جورج فلويد» في صحيفة «نيويورك تايمز»، أن «حالات الفوضى والشغب» قد تسهم في فوز ترامب. ووفق أدسال، هناك «تخوّف لدى الديموقراطيين من تكرار رد فعل الناخبين على أعمال الشغب في الستينيات، والتي أنهت عقوداً من الهيمنة الديموقراطية وفتحت المجال أمام الجمهوريين لفرض أجندتهم على جميع المستويات على مدى 52 عاماً».
بدوره، يشير الأستاذ المساعد في العلوم السياسية في جامعة «برينستون»، عمر واسو، في بحث وثّق فيه التحوّل في أنماط التصويت في أعقاب اغتيال مارتن لوثر كينغ واحتجاجات عام 1968، إلى تصويت العديد من المعتدلين البيض الذين دعموا الحزب الديموقراطي للمرشح الجمهوري ريتشارد نيكسون في الانتخابات. ووفق واسو، فإن المقاطعات ذات الأغلبية البيضاء التي كانت قريبة من الاحتجاجات العنيفة شهدت تحوّلاً بين 1.6٪ و 7.9٪ بين الناخبين البيض لصالح الجمهوريين. في المقابل، ارتفع التصويت الديموقراطي في المقاطعات ذات الأغلبية البيضاء التي كانت على مقربة من الاحتجاجات اللاعنفية بنسبة 1.6٪. واستناداً إلى هذه الحسابات، قدر واسو أنه في «سيناريو مضاد للواقع، لم يتم اغتيال مارتن لوثر كينغ فيه ولم يقع 137 احتجاجاً تخللته أعمال شغب وعنف، لكان قد فاز الديموقراطي هيوبرت همفري في الانتخابات».
وعلى ما يبدو، فإن ترامب يسير على خطى نيكسون، ويتوقع أن تبقيه «الأغلبية الصامتة» التي تؤيّد دعوته بخصوص «القانون والنظام» في البيت الأبيض. ويستغل الرئيس الأميركي الاحتجاجات لتحشيد قاعدته الانتخابية وصرف الأنظار عن التحديات التي تواجه إدارته وتراجع شعبيته بين الجمهوريين المعتدلين والمستقلين، من خلال تأجيج التعصّب والتركيز على أعمال الشغب بدل التظاهرات السلمية، إذ وجّه أصابع الاتهام إلى «فوضويين يساريين راديكاليين»، محذّراً من الفوضى في غياب «القانون والنظام».
أصوات الطبقة العاملة
اعتبر أدسال، في مقاله، أنه وإن نجح ترامب في استغلال «أعمال الشغب»، فإن الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد نتيجة «كورونا» تصبّ في مصلحة المعسكر الديموقراطي، وقد تمهّد الطريق أمام عودته إلى الحكم.
ويعمل الحزب الديموقراطي على استرجاع أصوات الناخبين البيض من الطبقة العاملة الذين تخلوا عنه في 2016 بعدما شعروا بانفصال النخبة الحاكمة عن الشعب وهمومه وطموحاته. وهو الأمر الذي دفع قسماً كبيراً منهم إلى معسكر ترامب، الذي وعد الشباب بتحسين الاقتصاد والتركيز على الصناعة الأميركية وخلق فرص عمل جديدة. إلا أن «كورونا» ضرب بطموحات ترامب ووعوده عرض الحائط، لتعيش البلاد أسوأ وضع اقتصادي منذ «الكساد الكبير».
ولم يعد يستطيع ترامب التباهي بالانجازات الاقتصادية التي حقّقها مطلع ولايته، إذ تجاوز عدد العمّال الأميركيين الذين جرى تسريحهم بشكل دائم أو مؤقت 42 مليوناً، لترتفع البطالة في الولايات المتحدة إلى أعلى مستوى منذ الثلاثينيات. ووفق شبكة «سي أن بي سي»، يتوقّع الاقتصاديون في بنك الاحتياط الفيدرالي في «سانت لويس» أن يخسر 47 مليون أميركي وظائفهم، ليصبح العدد الإجمالي للعاطلين من العمل 52.8 مليوناً، وتصل نسبة البطالة إلى 32.1٪، متجاوزة النسبة في ذروة «الكساد الكبير» ( 24.9 ٪).
حاول الرئيس الأميركي إعادة تفعيل الاقتصاد وتدارك الخسائر، الأمر الذي رفضه الحزب الديموقراطي، مشدداً على ضرورة «التباعد الاجتماعي» والبقاء في المنازل. كما خرج مناصرون لترامب في تظاهرات مطالبة بإعادة فتح البلاد، قابلها سخط كبير من قبل الإعلام الذي وصفها بـ«الصفعة» بوجه الجهود التي يبذلها العاملون في القطاع الصحي (الإعلام نفسه الذي يدعم تظاهرات «حياة السود مهمّة»). ووفق تقرير نشرته «نيويورك تايمز»، فإن التحرّكات المطالبة بفتح البلاد «ليست عفوية»، وتقف وراءها جهات تابعة للحزب الجمهوري وتلقى تشجيعاً وتأييداً من قبل الرئيس نفسه.
استطلاعات الرأي
مع سقوط أكثر من 114 ألف ضحية لـ«كورونا»، يتعرّض الرئيس الأميركي لانتقادات واسعة. وأظهر استطلاع لـ«مورنينغ كونسلت» أن41 ٪ من الناخبين يؤيدون الطريقة التي تعامل فيها ترامب مع الفيروس، في مقابل معارضة 53%.
أدّت كل هذه الأحداث إلى تراجع شعبية ترامب، وفق استقصاء نشرته محطة «سي أن أن». وأظهرت الأرقام تفوّق بايدن بنسبة 51% على ترامب، بعد أن كانت النسبة 48% في استقصاء شهر نيسان الماضي. من جهته، أكّد ترامب في مقابلة أجراها مع وكالة «رويترز» أنه لا يكترث لهذه الأرقام. ولعل تجربة 2016 خير دليل، إذ كانت قد أظهرت كل استطلاعات الرأي التي أجريت عشية الانتخابات الرئاسية حينها تقدّم كلينتون على منافسها الجمهوري («أن بي سي» تقدّمت كلينتون على ترامب بفارق 6 نقاط، «بلومبيرغ» بفارق 3 نقاط، «واشنطن بوست» بـ4 نقاط…).