لقمان عبدالله
لم تكتفِ السعودية برفع بطاقة حمراء أمام المشاريع الأحادية للوكلاء المحلّيين المدعومين من دولة الإمارات، بل أوعزت إلى حلفائها في «المجلس الرئاسي»، وعلى رأسهم رشاد العليمي، بتشكيل مجلس منافس لـ«الانتقالي الجنوبي» سيكون مسرح عمله محافظة حضرموت، باسم «مجلس حضرموت الوطني». ويأتي ذلك في ظلّ سعي الرياض لإحباط محاولات أبو ظبي فصل الجنوب من خلال إجراءات أحادية، كذلك الذي اتخذه محافظ عدن بوقف تحويل الأموال إلى البنك المركزي، احتجاجاً على أداء حكومة معين عبد الملك
ad
يبدو، من خلال الدعم المادّي والسياسي السعوديَين اللذين لقيهما «مجلس حضرموت الوطني» المشكّل حديثاً، أن الرياض تعمل على إبرازه ضمن المعادلة السياسية المقبلة في اليمن، ولا سيما أن تشكيله أُتبع بإعلان رئيس «مجلس القيادة الرئاسي»، رشاد العليمي، منح محافظة حضرموت حكماً ذاتياً، في خطوة سياسية بالغة الدلالة وكثيرة الأبعاد من قبل السعودية، وإن كان الصراع السعودي – الإماراتي هو البعد الأقرب إلى الواقعية من بينها. ويبدو أن تلك الخطوة ستليها خطوات في الاتجاه نفسه، بهدف قطع الطريق، وبنسبة كبيرة، على التمدّد الإماراتي في المحافظات الشرقية. لا بل يمكن القول إن حلم المشاريع الأحادية، ومن ضمنها الانفصال، بات مهدّداً بشكل مباشر، بالنظر إلى أن مصادر الثروة من الموارد النفطية والطاقويّة وغيرها، تتركّز في المحافظات الشرقية، ومن دونها، فإن أي مشاريع من قبيل الإدارة الذاتية أو الانفصال، لن يُكتب لها النجاح.
وكانت استدعت المملكة، منذ قرابة شهر، العديد من المكوّنات والشخصيات المحلّية، المدنية والعسكرية والقبَلية من محافظة حضرموت، ولم تسمح لها بالمغادرة إلّا بعد الإعلان عن مكوّن سياسي جديد تحت اسم «مجلس حضرموت الوطني»، الذي يُضاف إلى مجلسين آخرين في جنوب اليمن: الأول هو «المجلس الانتقالي الجنوبي» المموّل إماراتياً، والثاني هو «مجلس القيادة الرئاسي» وأعضاؤه الثمانية موزّعو الولاء بين الرياض وأبو ظبي. وإذ اعتبر البعض أن هذا التحرّك السعودي جاء مفاجئاً، إلّا أن الواقع يقول إن المملكة تتيح لشركائها، ومن ضمنهم الإمارات، اللعب ضمن سقف مصالحها، وتتوثّب لقطع الطريق حين تتمادى الأطراف الحليفة في تجاوز الخطوط الحمر وتحديداً في الأماكن التي تعتبرها السعودية فناءات مجاورة تمسّ بمصالحها الإقليمية وأمنها القومي، وهذا ما ينطبق على محافظة حضرموت المجاورة لها والتي تبلغ مساحتها 193 ألف كيلومتر مربع، أي ما يقرب من ثلث مساحة اليمن، وتُعتبر محافظة نفطية بامتياز. ومن هنا، فإن تشكيل «حضرموت الوطني» لا يبدو منفصلاً عن التحرّك الذي قام به «الانتقالي» في المحافظة نفسها، وخصوصاً عقده مؤتمر الجمعية العمومية التابعة له في عاصمتها، المكلا، وهو ما ينبئ بأن المقصود من الخطوة السعودية الحدّ من رغبة الأخير في التوسّع والتمدّد.
ad
ووصل رئيس «المجلس الرئاسي»، رشاد العليمي، برفقة وفد سعودي، إلى مدينة المكلا أواخر الأسبوع الفائت، في أوّل زيارة له منذ تشكيل المجلس قبل أكثر من عام. وحملت الزيارة، في الشكل والمضمون، دلالات على تحكّم الجانب السعودي بخطوات وكلائه المحلّيين؛ إذ تقصّدت الرياض إرسال الوفد على متن طائرة سعودية أقلّت العليمي إلى مطار الريان، فيما كان حرّاسه الشخصيّون سعوديين أيضاً، الأمر الذي أثار جدلاً في أوساط النُخب القريبة من «التحالف»، والتي اعتبر بعضها ما جرى «مساساً بسيادة البلد واستقلاله»، وتظهيراً لـ«تبعية العليمي المطلقة للخارج»، إلى حدّ قول أحدهم إن «رئيس البلاد، رشاد العليمي، يرافق الوفد السعودي أثناء زياته لمحافظة حضرموت». وعلى الأرض، نُفّذ برنامج الزيارة وفق الخطة السعودية، وما لم يستطع وفد المملكة إعلانه للاعتبارات السياسية، تكفّل به العليمي؛ ففي حين أعلن الوفد السعودي عن حزمة مشاريع تقدّر بأكثر من مليار ريال سعودي مكرّسة للمحافظة، تكفّل العليمي بالشق الرسمي من الخطة، معلناً عن منح محافظة حضرموت إدارة ذاتية في الجوانب الأمنية والاقتصادية والمالية والإدارية، وواعداً بتعميم التجربة على بقية المحافظات، وذلك بعد أيام من إعلان «مجلس حضرموت الوطني»، وبعد أسبوع واحد على تراجع «المجلس الانتقالي الجنوبي» عن وقف التحويلات من محافظة عدن إلى البنك المركزي فيها.
ad
يرى مراقبون أن السعودية ستسعى في المستقبل إلى إنشاء كيانات موازية في أكثر من منطقة يمنية
وإذ مثّل إعلان العليمي فرصة ذهبية للمكوّنات المعادية لـ«الانتقالي»، فإن الخطوة السعودية لم ترُق بالتأكيد، دولة الإمارات ووكلاءها المحلّيين، وهو ما عبّرت عنه أكثر من شخصية مقرّبة منها. إذ قال رئيس «الانتقالي» ونائب رئيس مجلس القيادة، عيدروس الزبيدي، في مقابلة تلفزيونية، إن «إقامة دولة الجنوب ستحقّق مكاسب لجميع الأطراف، بمن فيهم الأشقاء في الشمال»، مضيفاً أن «الانتقالي يقود حواراً في كل المحافظات الجنوبية ولديه قاعدة شعبية واسعة في حضرموت». واعترف الزبيدي بقيادة السعودية لما سمّاه «ملف المنطقة، ولكننا في النهاية سنذهب إلى الأمم المتحدة للإشراف على استفتاء شعب الجنوب الذي له الحق في اتخاذ قراره وتقرير مصيره». وبينما رأى بعض المراقبين أن السعودية ستسعى في المستقبل إلى إنشاء كيانات موازية في أكثر من منطقة، فقد اعتبر وزير الإدارة المحلية اليمني، رئيس «اللجنة العليا للإغاثة» السابق، عبد الرقيب سيف فتح، أن «حضرموت لديها مقوّمات متكاملة تجعل منها إقليماً». يذكَر أن حضرموت تمتلك مختلف المقوّمات من الخصوصية النسبية إلى الموانئ والمطارات والثروة النفطية والموقع الجغرافي الذي يجعلها بعيدة نسبياً عن مراكز النفوذ شمالاً وجنوباً؛ كما كان التقسيم الفيدرالي، وفق مخرجات الحوار الوطني لعام 2014، قد صنّفها كإقليم يضمّ محافظات حضرموت والمهرة وشبوة وسقطرى وعاصمته المكلا.
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية