| حوار: إسماعيل مروة
الأب إلياس زحلاوي، الأب الروحاني الشفاف العالي الإحساس، والمترجم العارف بدقائق الفرنسية، الخبير بما يجب أن تتم ترجمته ليطلع عليه أبناء سورية، الأديب المرهف الذي جاد بأعلى النصوص الأدبية في مراحل مبكرة من عمره، الراعي للشباب والمؤمن بطاقات الشبيبة، والذي أعطى الشباب زهرة شبابه، فاستخرج منهم جوهر الإبداع، ونثر جواهره في أرجاء الوطن، والفنان المتمرس الخبير، الذي حمل روح ترانيم الكنيسة العذبة ليصنع الفرح للناس، فكانت جوقة الفرح، وكانت التوءمة الناجحة مع المدائح النبوية، وشراكته المشهودة مع المنشد حمزة شكور ليصعدا معاً في عالم من الصوفية التي لا تعرف حدوداً، ولا تقف عند مكان معين، فسمعا نقداً شديداً، واستمرا، فتحول النقد إلى إعجاب.
الأب إلياس زحلاوي كل هذه الأشياء، وأشياء أخرى قد تكون محجوبة حتى عن الرعايا الذين يتولى شؤونهم، وقبل كل ذلك وبعده، منطلقه وخاتمته يبقى السوري المنتمي الذي لم يتنازل عن انتمائه ودمشقيته وعشقه لوطنه، فبقي بقامته المديدة وفكره النيّر وحبه الطاغي، ذلك السوري الذي ينطلق من مواقفه مهما كانت من مصلحة سورية، وفي كل مرة كان منحازاً للحق، حق الإنسان في الحياة الكريمة، وفي كل ذلك ينهل تعاليمه من يسوعه، فهو لا يخرج في كلمة أو لفظ أو تصرف أو حكم عن أقوال يسوع وتعاليمه، هذه التعاليم التي تفرض حياة سعيدة للإنسان، وتمنع أن تبنى ممالك الدنيا على حسابه، وترى أن الملكوت الأخروي هو غاية العقيدة، وما ألهم به يسوع في كل ما قاله وتجلى فيه.
برزت مواقف الأب إلياس زحلاوي في كل أعماله وأقواله وعظاته وكلماته التي تدعو إلى الحب، لكنها كانت أكثر بروزاً في سنوات الحرب على سورية، فخرج الأب زحلاوي ليكون سورياً حقيقياً، وخاطب من موقعه الديني الكهنوتي قادة العالم الروحانيين والسياسيين، وفي كل مرة كان يبدأ من صفة الكاهن الكاثوليكي السوري، ليؤكد أهمية مرجعيته فهو لا يتحدث بهوى سوري أو سياسي وإنما يتحدث كما يأمره الموقع الكهنوتي الساعي لخير الإنسان.
الأب الجليل والنبيل إلياس زحلاوي أعطى «الوطن» ساعات من وقته الثمين وتحدث معها في قضايا عديدة، وفتح صفحات من حياته وفكره واعداً، أمدّ الله في عمره، أن يعطي «الوطن» التفاصيل كلها في جلسات أخرى قادمة، لتدوّن «الوطن» سيرة سوري مختلف، مشى درب آلام سورية ولم يتخلّ عن سوريته، وبقي مؤمناً ومدافعاً في كل مكان.
ما المقصود بالرسائل والمواقف المفتوحة، ولماذا اخترت أن تكون الرسائل مفتوحة؟
الرسائل المفتوحة شئتها وسيلة للكشف أمام الرأي العام العالمي، عن تقاعس المسؤولين بالدرجة الأولى في الكنيسة عامة، وفي الكنيسة الشرقية خاصة، لأني أعتبر أن الكنيسة مؤتمنة على كلام وروح يسوع لأنهما حياة لكل إنسان وللبشرية كلها، وصمت الكنيسة ولاسيما في الغرب إيذاء لها وهناك من يفعل من حكام الغرب على استئثار بالسلطة لمصلحة قلة قليلة جداً على حساب مجموعات كاملة من البشرية بما فيها أولاد الوطن العربي، أساؤوا إلي كثيراً وكنت أكتب ولا أتلقى جواباً مطمئناً وأحياناً أتلقى جواباً لا علاقة له بما كتبت وأحياناً كثيرة لم أكن أتلقى أي جواب.
فشئت بالرسائل المفتوحة أن أضع الرأي العام العالمي قدر الإمكان أمام ما أريد أن أُسمع الكنيسة كي تسمع بدورها صوت الحق دفاعاً عن الإنسان.
ألا يمكن ألا تكون تلك الرسائل قد وصلت للمعنيين بها؟
الرسائل الأولى وصلت، وبعض من وصلت لهم أجابني، مثلاً ديغول كتبت له رسالة باسم مقاتل شارك حين كان شاباً في تحرير باريس من الجيش الألماني ونال وسام شرف من ديغول، وهذا المقاتل يدعى هيكل هيلانة.
لماذا كتبت لديغول؟
هذا الإنسان بعد أن قاتل عاد إلى سورية وعاش فيها وكان يسكن «حارة العبارة» بالقرب من باب شرقي وكان صديقاً لي يدعي الشيوعية ولكنه كان إنساناً بامتياز وكانت تربطني به ثقة ومحبة كبيرتان، فجاءني ذات يوم وقال لي: «أبونا أريد أن تكتب لي رسالة لديغول» سألته لماذا؟ قال: «أنا قاتلت ودخلت مع جيش التحرير الفرنسي إلى باريس وهذا وسامي»، وأراني الوسام والشهادات المكتوبة وتابع: «أنا أطالب اليوم بتعويضي من الحكومة الفرنسية فالمسؤول في السفارة الفرنسية بدمشق يؤخرني كل يوم حتى اكتشفت أنه لا يريد أن يدفع لي وهذا حقي»، قلت له: «تكرم، ائتني بما لديك من وثائق»، فجاءني بملف كامل واستناداً إليه كتبت رسالة لديغول ولكن باسم هذا المقاتل وبعد شهر رأيته يدخل دار البطريركية في حارة الزيتون ويلوح بورقة في يده، تساءلت في نفسي أيعقل أن يكون ديغول قد أجاب؟! قدم لي الرسالة وقرأتها وكانت من مدير مكتب ديغول، وقال فيها للمقاتل: «تمضي إلى السفارة بدمشق وهم يقدمون لك ما يجب عليهم أن يقدموا»، هنأته فقال لي إنه اكتفى ولم يعد يريد شيئاً. وهذه الحادثة ذكرتها في كتابي «قد يكون لي ما أقوله» تعبيراً عن النخوة السورية التي ترضى بالقليل عندما تحترم، فهو اعتبر جواب ديغول تعويضاً عن كل تضحياته وخدماته واكتفى.
رسائلك الجديدة وخاصة في فترة الحرب على سورية منذ عام 2011 وحتى اليوم ذات طابع سياسي، ألم يأت جواب عليها؟
أتاني جواب من السفير البابوي في دمشق، استدعاني وكنت قد تعافيت قليلاً من كورونا فعاتبني وقال لي: «لماذا تكتب ما تكتب لقداسة البابا؟ قلت له: «أنا أطالب البابا بأن ينطق بالكلام الذي نطق به يسوع عن حبه للإنسان ودفاعه عنه، البابا يكتفي بالدعاء في صلاته من أجل السلام، حكام العالم اليوم يستبيحون أي شيء ولا يقيمون وزناً لا لله ولا للشعوب، كل كلمة من كلمات يسوعه هي تعبير عن حبه للإنسان ودفاع عن الإنسان أطالب البابا أن يقولها، مثلاً «ما من حب أعظم من أن يبذل الإنسان نفسه فداء لمن يحبه»، فهؤلاء الحكام يدمرون العالم في سبيل مصالح مادية فقط ونحن بحاجة إلى صوت يذكرهم بحق اللـه وبحق الإنسان في آن واحد، أريد من البابا أن يتكلم كما تكلم يسوع فقط، مثلاً نحن في سورية كنا الدولة الوحيدة التي ليس عليها دين خارجي وكنا نعيش بكفايتنا وكنا ننهض، اليوم 90 بالمئة من الشعب السوري جائع ولا نسمع صوت احتجاج من البابا لماذا؟ يسوع قال: « كنت جائعاً فأطعمتموني»، نحن كنا شعباً شبعاً والشعوب الغربية جوعتنا اليوم والبابا لا يقول شيئاً لماذا؟ هذا هو عتبي على البابا».
هل كان السفير البابوي في دمشق ينقل إليك عتب البابا؟
لا، كان يعبر هو من موقعه عن عتب البابوية علي بأنني أتمادى في الكلام، وأنا قلت له إنني كخوري أطلب من البابا أن يتكلم بصفته مندوباً عن يسوع ولم أطلب أكثر من ذلك، عندما قال يسوع: «الويل لكم أيها الأغنياء» لماذا البابا لم يقلها؟ وعندما قال: «طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء اللـه يدعون» لماذا البابا لم يقلها؟ لماذا يصمت أمام حكام يدمرون العالم الذي هو خليفة اللـه باسم الحق وكرامة الإنسان، أنا هذا مطلبي.
هل ساعدتك- أبونا- قضية اللغة والمعرفة اللغوية في هذه المراسلات؟
لا، فالرسائل كلها كانت تترجم إلى الفرنسية واللغتين الإنكليزية والإيطالية واليوم هي تترجم للإسبانية.
ما الغاية اليوم من نشرها بالعربية في هذا الكتاب الكبير؟
هذا الكتاب بالعربي ولكني سأنشره قريباً باللغتين الإنكليزية والفرنسية وأنا سبق ونشرت كتاباً مماثلاً في عام 2016 باللغة الفرنسية وبكتابتي أنا، فأنا أتقن الفرنسية ولا أتقن الإنكليزية لكن وفقني اللـه بمن كان طالباً عندي منذ 55 عاماً وهو أرمني، أبوه نجا من مجازر أرمينيا واستقبله إبراهيم هنانو في بيته وكان أبوه شاباً صغيراً، احتضنه هنانو حتى استطاع أن يحلق بجناحيه فأتى إلى دمشق وأصبح مصوراً مشهوراً وفتح أمام سينما الفردوس مركز «هايك للتصوير»، ابنه جاك جاءني طالباً في العشرين من العمر ثم سافر إلى بريطانيا وأمضى 12 عاماً فيها حيث درس ودرّس وعرضت عليه الجنسية البريطانية فرفض وعاد إلى سورية وهو اليوم يدرس في جامعتها وصديق مقرب جداً، وبدأ منذ سنوات بترجمة الكثير من كتبي إلى الإنكليزية ومنها مثلاً « قد يكون لي ما أقوله» في جزأيه إضافة إلى كتب أخرى.
لماذا لا نجد كتبك في كل مكان بالرغم من أنك من أكثر علماء الدين علماً وتفتحاً وأدباً وترجمةً؟
كتبي لا أعرضها في المكتبات وما أطبعه يتبرع أصدقائي لي بطباعتها، فكتبي أوزعها توزيعاً باستثناء ما أعدّ لوزارة الثقافة مازال متاحاً، واتحاد الكتاب العرب يطبع الآن مسرحياتي الخمس بما فيها المسرحية التي نشرت عام 1981 ولم يسمح بتمثيلها حتى اليوم.
ما سبب ذلك؟
يوم قدمتها لأنطون مقدسي وأديب اللجمي وعلي عقلة عرسان الثلاثة قالوا لي: أبونا قال خبئها، لأنها تتحدث عن مرحلة من تاريخ روما في أواخر القرن الثاني الميلادي حيث بيعت الإمبراطورية بالمزاد العلني وهذا واقع تاريخي، فأنا أعدت كتابتها وقدمتها مسرحية، تردد كثيراً علي عقلة عرسان قبل أن يطبعها وقد وافق على طباعتها ولكن حتى اليوم لم تمثل ولم نحصل على إذن لتمثيلها على الرغم من كل مداخلاتي لكن اليوم الدكتور محمد حوراني يعيد طباعة المسرحيات الخمس.
من القليل أن نجد رجل دين وعالماً يعمل في قضايا الأدب، هل سبب لك ذلك بعض المتاعب؟
أعتقد أن ما حاولت التعبير عنه في المسرح يعيشه الكثير من رجال الدين من مسيحيين ومسلمين، مثلاً الهجرة هل من رجل دين مسيحي أم مسلم يتألم إذ يرى أبناء وطنه يهاجرون؟ أنا تفاعلت وكتبت أول مسرحية حول الهجرة، قضية فلسطين هل من إنسان واحد لا يمكنه أن يتفاعل معها؟ أنا تفاعلت وكتبت ولاسيما أنني عشت ست سنوات في القدس وأقولها بكل بساطة تصورت لو كنت كاهناً شاباً في القدس ماذا كنت فعلت؟ فكتبت المسرحية في بضع ساعات فقط.
من أين جاءتك ملكة المسرح؟
جاءت من حبي للإنسان، إضافة إلى أنني في المدرسة درست الأدب اليوناني واللاتيني والفرنسي حتى إننا كنا نمثل تمثيليات باللغة اليونانية القديمة ومثّلنا كثيراً في لبنان والقدس حتى في السنوات التي سبقت الكهنوت، وكنت أقرأ كثيراً المسرح اليوناني والفرنسي كشكسبير وغيره فأنا أحب قراءة المسرح وأرى الحياة كلها مسرحاً.
قبل قليل تحدثت عن إحدى مسرحياتك التي لم تمثل حتى يومنا هذا، والمعروف أن المسرح هو تشخيص والنص المسرحي إن لم يشخص يبقى نصاً أدبياً فاقداً لقيمته المسرحية، هل هذا الكلام صحيح؟
نعم صحيح ولكن من يقرأ المسرحية ويرى الموضوع المطروح يشعر بأنه جزء لا يتجزأ مما يجري على المسرح ولا يعود ما يقرأ مجرد قراءة بل يصبح شيئاً يتفاعل مع أعماقه، أذكر يوم قرأ علي كنعان مسرحية «وجبة الأباطرة» قالي لي: «أبونا أنت كل مسرحياتك تختتمها بضوء ولكن في هذه المسرحية شيء معتم، لماذا؟ «قلت له أستاذ علي هل تعتقد أن واقعنا العربي اليوم في ضوء مشرق، أنا أرى أن واقعنا العربي يذهب إلى هاوية». وأؤكد لك عندما ستقرأ مسرحية «وجبة الأباطرة» سترى أن ما جرى أيام الإمبراطور كومودوس مماثل تماماً لما حدث خلال سنوات الحرب في سورية فالعرب باعوا وجودهم في سبيل ماذا؟ لست أدري.
نمــاذج مــن مـراســلاتـه لقـادة العـالــم السـياســيين والـدينيـين
رسالة مفتوحة إلى الرئيس الأميركي رونالد ريغن
دمشق في 12/6/1992
السيد الرئيس
دعني، في سذاجتي، أخاطبك اليوم، باسم ملايين العرب، كما خاطبت بالأمس سلفك السيد جيمي كارتر، إبان توقيع على اتفاقية كامب ديفيد.
أكتب لك في اللحظة التي تستعد فيها، وفقاً لما تناقلته وكالات الأنباء، لإلقاء كلمة «تاريخية وهامة» أمام جدار برلين.
ليتني كنت بقرب هذا الجدار، بل بقربك.
لا لأسمع ما ستقول عن الحرية والكرامة الإنسانية
بل لأحلل ما تحاول أن تعلمنا في ثوان ما عجزت إسرائيل بكل حقدها وإجرامها، أن تعلمنا إياه في أربعين عاماً.
————
رسالة إلى السيد المسيح في ذكرى ميلاده
دمشق في 15/12/2011
سيدي
ذكرى ميلادك باتت قريبة، فهلا تركتني أبوح لك ببعض ما في قلبي، وقد لا يكون بعيداً عما في قلبك.
لألفي سنة خلت، وجدت، بشق النفس، مكاناً وضيعاً، تطل منه على أرضنا المضيافة في فلسطين.
أما اليوم، فماذا عساك تجد، لو خطر ببالك أن تحط رحالك، لا في فلسطين وحسب، بل في كوكبنا؟
ألا ترى معي أن الأقوياء في الأرض، صمموا تصميماً جنونياً على ابتلاع كل ما فيها؟
ألا ترى أيضاً أنهم يسرقون أفراح الناس وآمالهم، وصداقاتهم، بل يسدون آفاقهم جميعاً، بعد أن نجحوا في تدمير الحب والسلام والحياة، وحولوا البشر المستضعفين إلى قطعان شاردة، تفترسها الحيرة والحرب واليأس والجوع والعطس والغضب؟
————
رسالة مفتوحة وجيزة إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما
دمشق في 15/5/2015
السيد الرئيس
اليوم هو الخامس عشر من شهر أيار!
في مثل هذا اليوم، قبل عشرات السنين، أعلنت الدولة العبرية استقلالها في فلسطين.
وقد اختير هذا اليوم أيضاً ليكون يوم لقائك ببعض من حكام الخليج، في منتجع «كامب ديفيد».
ترى، هل في السياسة صدفة؟
فلقد رأيتك على شاشة التلفاز، باسماً، واثقاً، وسط بعض من جاؤوا يستجدون منك الطمأنينة.
ولقد طمأنتهم، تماماً كما طمأن سلفك جيمي كارتر، أنور السادات منذ عشرات السنين، في المنتجع عينه!
————
رسالة مفتوحة إلى صاحب القداسة
البابا فرنسيس
دمشق في 14/3/2021
صاحب القداسة
غداً تقفل دائرة السنوات العشر من الحرب الكونية الظالمة على وطني سورية، ولما تنته.
طوال هذه السنوات الجهنمية، استطعت مع سلفك البابا بينيدكتوس السادس عشر، أن تحتفظ بصمت يثير أكثر من سؤال.. وكنتما تكتفيان بالدعوة إلى الصلاة من أجل سورية.
ولكم تساءلت أنا الكاهن، وسألتك في رسائل مفتوحة متلاحقة، أوليس لديك سوى الصلاة من أجل سورية، حتى خلال رحلتك الأخيرة إلى العراق؟
أتراك لا تعلم ما حلّ بسورية من أهوال، وما يراد له أن يحلّ بها أيضاً، حتى يقضى عليها؟
أتراك نسيت أن السيد المسيح شاء، منذ ألفي عام، أن يختار له في دمشق بالذات، وليس في القدس، من كان عدوه الألد، شاول الطرسوسي، ليجعل له، منه، فيها بالذات، أعظم مبشر عرفته المسيحية؟
————
رسالة مفتوحة إلى صاحب القداسة
البابا فرنسيس
دمشق في 13/3/2020
صاحب القداسة:
في غضون يومين، تبدأ السنة العاشرة من الحرب الكونية على سورية، وطني.
أود اليوم أن أطرح عليك شخصياً، وعلى الكنيسة الكاثوليكية كلها، أينما وجدت، سؤالاً، أجل سؤالاً لا غير، على قدر واحد من البساطة والخطورة، وهو:
أما زلت تعتقد حتى اليوم، باستمرار بقاء يسوع المسيح في العالم العربي؟
أرى لزاماً عليّ أن أوضح أن جميع العموميات التي لا تكف عن التصريح بها، وترديدها، وتلك التي تضعها على ألسنة ممثليك في المحافل الدولية، تنفي هذا الاعتقاد.
وبرهاني على ذلك يستند إلى جميع ما تنشره صحيفة الفاتيكان الرسمية، «المراقب الروماني»، وذلك بأن جميع هذه النصوص دون استثناء المتوجة أحياناً بعناوين مثيرة، بل صادمة، تقدم الدليل على غياب مؤسف ومنتظم، لمطلق موقف إزاء السياسة الكارثية والمعلنة، التي تنتهجها بعض القوى العالمية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، وبعض أجرائها من أوروبيين وعرب، ضد العالم العربي.
————
رسالة مفتوحة إلى الرئيس المسيحي
جيمي كارتر
السيد الرئيس
أحببتُ بوصفي كاهناً عربياً مسيحياً، أن أخاطبك بوصفك رئيساً مسيحياً لأميركا.
فأنت ما فتئت تدعو لإدخال الخلفية المسيحية في السياسة.
والمسيحية، كما تعرف وأعرف، محبة وسلام.
والسياسة، كما يعرف الجميع، مكيافيلية.
لذا، فوجئت بأقوالك، كما فوجئ بها الكثيرون.
وقرأتها بترقب في المجلات العالمية التي أفردت لك فقرات كثيراً ما كانت تذكرني بلغة الوعظ في الكنائس.
وشئت أن تركز جهودك على البؤرة الكبرى التي قد يشتعل فيها فتيل الحرب في العالم: الشرق العربي.
حتى كان لك اليوم -26 آذار 1979- ما لم تتردد في اعتباره «أعظم يوم في تاريخ القرن العشرين».
————
رسالة مفتوحة إلى مسؤولي الكنيسية الكاثوليكية في الولايات المتحدة
دمشق في 16/1/2018
أصحاب السيادة
انتم، بين كرادلة وأساقفة، تعدون بالمئات
وأنا، بوصفي كاهناً عربياً كاثوليكياً من سورية، أجيز لنفسي اليوم أن أكتب لكم أمام الملأ، لأطرح عليكم سؤالاً واحداً، أجل، سؤالاً واحداً ليس إلا.
هل تعرفون حق المعرفة ما الذي يفعله منذ عشرات السنين حكامكم المتعاقبون، كي يفرضوا هيمنة بلدكم المطلقة على العالم ويبقوها قائمة.
ليس ثمة انسان واحد على الأرض، يجهل الأهوال والمظالم، التي تسببها أشكال «التسونامي» التي يتفنن بلدكم «الكبير» في إحداثها على حساب بلدان برمتها، ومنها وطني سورية.
سيرياهوم نيوز1-الوطن