هل فعلاً استطاع الطبيعيون القدماء تجاوز الفكر الأسطوري..؟

إن مفهومية الوعي المجردة ظهرت لدى اليونان في خاصيتها المستقلة لأول مرة في التاريخ الفلسفي ويمكن الملاحظة أن الفلاسفة اليونان الطبيعيين الأول لم يسبروا غور الطبيعة من حيث تفصيلاتها ودقائقها وإنما من حيث هي كل فإنهم كانوا في ذلك منسجمين مع المستوى التكتيكي والاقتصادي والعلمي الذي حدد لهم إمكانيات وطاقات الوسائل المستخدمة في تعاملهم مع الطبيعة، حيث استحدث وطور أولئك الفلاسفة الحكمة التي كونت الوعي الفلسفي العلمي آنذاك أي أنها شملت الفلسفة والعلوم المفردة بالرغم من أن بدايات استقلال بعض مظاهر هذه العلوم عن الفلسفة أخذت طريقها في ذلك الحين، فقد رأى الحكماء موضوع حكمتهم في الواقع المادي الجوهري وتعاملوا مع موضوعهم هذا من بعيد؛ يعني بشكل غير متوسط؛ وسيلتهم في ذلك عقلهم النير الذي كانت له بصمته في الحياة الجديدة، ولأن الفلسفة والعلم كانت لدى أولئك الفلاسفة منسجمة في وحدة مباشرة لا تنفصم فإنهم لجأوا أحياناً إلى تأملات خاصة تصل إلى ما يمكن تسميتها بالتأملات الأسطورية، وبالتالي يمكن القول إن الأسطورة كونت آنذاك منظومة فكرية منتظمة ومتماسكة بالرغم من أن الفلاسفة الطبيعيين الأول حاولوا تجاوز الأسطورية القديمة إلا أن تلك الأسطورية اكتسبت في الأنظمة الفلسفية الطبيعية الأولى في الخط العام شكلاً فردياً، ولهذا يمكن القول إن دراسة الآراء الفلسفية التي ظهرت في مرحلة ظهور الوعي العلمي أمثال آراء طاليس تعد ذات أهمية بالغة ليس فقط من أجل تاريخ الفلسفة والعلم وإنما من أجل استيعاب كيفية تكون مسائل نظرية المعرفة والمنطق في ذلك الحين.

(سيرياهوم نيوز-تشرين)