إسماعيل مروة
جاء صوت أدونيس ليندي جلستنا الحوارية العذبة في موضوعات ثقافية وفكرية وسياسية، كان صوته هادئاً رائقاً مبتسماً كما لو أنه لم يتجاوز العشرين، فيه كثير من التركيز والإيجاز، فقال: كما تعلمون الأوضاع هنا في باريس ليست على ما يرام، فالمرض الذي يجتاح العالم ألقى بظلاله على الحياة، وما حدث في نيس من إرهاب وقتل أثّر تأثيراً كبيراً، عسى أن يفهم العالم المتقدم أن ما قاموا برعايته تحوّل إلى إرهاب، وأمام إصرارنا بأنهم لن يفهموا، أصرّ أدونيس على أنهم سيفهمون، لابد أن يفهموا..
كان صوته يندي الجلسة، وينتقل بحديثه من واحد لآخر، وفي كل حديثه كان يبحث عن الأمل، عن الغد، يطمئن أحبابه، فهو أب يحاول أن يزرع فينا الأمل بالغد، وبأن الأقوياء سيفهمون، واستطاع أن يزرع فينا شحنة أمل بالغد القادم، فالصوت لم يتهدج، والوعد على لقاء يجمعنا كان واضحاً، وضاجاً بالأمل.
تناقشنا في ثلاث قضايا معه، كنا نتحاور فيها قبل أن ينهمر صوته الواثق المختمر علماً وحباً.
– العرب كمجتمع الأسماك في البحار يأكل بعضه بعضاً بعماوة شديدة.
– الغرب ونموذج الديمقراطية الذي يريده لنا، وهو الذي لم يقف في يوم مع الحريات في البلاد العربية، وإنما كان ضدها!
– الإسلام كرسالة انتهى بموت الرسول صلى الله عليه وسلم، وتمّ الانتقال إلى مفهوم إسلام الدولة، أو الإسلام السياسي.
وهذه المقولات الثلاث من مقولات أدونيس في كتاباته، وفي لقاءاته، ومسجلة بصوته، ومع مرور عقود على محاضرة الإسكندرية، وبعض هذه اللقاءات، فقد تحوّل ما كان بعيداً وقاله برؤيته الاستشرافية إلى حقيقة، مع كل أسف، والعرب يأكل بعضهم بعضاً بعماوة شديدة، وهو من استخدم تعبير عماوة بالتحديد، ولم يستطع العرب أن يقدموا نموذجاً آخر عن الذي تخيله، والقائم على الصراع العشائري والطائفي والمذهبي والقومي.
أما ما قاله عن الثورة الفرنسية، وتعاملها مع العرب والحريات، وما ضربه من نماذج عن تعاطي الغرب مع العرب، فهو الأساس لحوارنا، ورغبة الغرب في بقاء العرب هكذا هو الذي دفعهم لرعاية الفكر المتطرف وتغذيته!
ورأيه بأن الإسلام كرسالة انتهى بموت الرسول، أزعج كثيرين، مع أنه الواقع، فما من أحد يستطيع أن يضيف لرسالة الإسلام بعد موت النبي، لكن التعلق بالشق الأول والتعليق عليه كان بدافع من الشق الثاني، وهو تحول الإسلام إلى دين دولة، أو إلى الإسلام السياسي الذي ترتبط غايته بالدرجة الأولى بالوصول إلى الحكم تحت ذرائعيات المجتمع الإسلامي، طبعاً غير الرسالي، فالرسالة توقفت بموت النبي.
قال أدونيس في وجه المتشددين المدافعين عن الدين: الدين قوي، ويفترض ألا يخاف من الآراء والأفكار، فهو ليس خيمة..
أمسية جميلة كان بوده أن يشاركنا مساء دمشقياً، وكان بودنا أن نشاركه حواراً فكرياً غنياً، وفي كل الحديث كان متواضعاً جميلاً، لكن ما استرعى انتباهي أن الكلمات النهائية التي قالها لعصام التكروري وسامي أحمد ولي، هي نفسها.. الحب.. الحب.. الحب..
بدأ بالحب وختم به من دون أن يضيف كلمة أخرى! فهل نعي حقيقة أن الحب هو الذي يحمل علاج الأيام القادمة؟ فبالحب ندحر العنف والإرهاب، وبالحب نجعل الغرب والعالم القوي معترفاً بحقوقنا البشرية، وبالحب ننطلق إلى الإيمان الفردي العميق، ليسبح عالمنا في بحر من الحب والسلام؟
إنه الحب.. لك الحب أدونيس الفكر المنطلق إلى حب الإنسان.
(سيرياهوم نيوز-الوطن)