| تحسين حلبي
البروفيسور جون ميرشايمير يدرس العلوم السياسية في جامعة شيكاغو الأميركية منذ عام 1982 ويعد من أهم المفكرين السياسيين المؤثرين في الولايات المتحدة، نشر في 24 حزيران الماضي في الموقع الذي يحمل اسمه في الانترنت تحليلاً بعنوان «الظلمة أمامنا.. أين تتجه الحرب في أوكرانيا»؟ يعرض فيه أن: «هناك سؤالين رئيسيين الأول: هل يمكن التوصل لاتفاقية سلام؟» ويجيب بحسب رأيه: «كلا» ويعلل ذلك مبيناً: «إننا الآن أمام حرب أصبح فيها الغرب من جهة وروسيا من جهة أخرى، يعد كل منهما الآخر بالخطر الاستراتيجي الذي يجب هزيمته، وبموجب الأهداف القصوى لكل طرف، يكاد يكون من المستحيل الوصول إلى معاهدة سلام قابلة للعمل، ففي هذا النزاع تتحكم خلافات غير قابلة للمصالحة حول الأراضي وعلاقة الغرب بأوكرانيا، وأصبحت أفضل النتائج المحتملة هي تجميد النزاع ثم عودته إلى الحرب الساخنة، وأسوأ النتائج هي وقوع الحرب النووية، وهذه وإن كانت غير محتملة إلا أنه لا يمكن استبعادها، والسؤال الثاني هو: من هو الطرف المحتمل انتصاره في هذه الحرب؟ أنا أرى أن روسيا هي التي ستنتصر في النهاية رغم أنها لن تحقق هزيمة حاسمة ضد أوكرانيا، وبعبارة أخرى لن تقوم بغزو كل أراضي أوكرانيا رغم أن هذا ضروري لكي تحقق موسكو أهدافها الثلاثة وهي: 1- قلب نظام الحكم، 2- نزع أسلحة أوكرانيا، 3- قطع العلاقات الأمنية الأوكرانية مع الغرب، وهذا سينتهي بضم روسيا لأراض واسعة من أوكرانيا وتحويلها إلى دولة ضعيفة عاجزة، وبعبارة أخرى ستحقق موسكو نصراً بشعاً على أوكرانيا».
ولا أحد يشك في حقيقة أن هذه الحرب في أوكرانيا تعد حرب حياة أو موت بالنسبة لروسيا وهذا تقريباً ما يمكن استخلاصه من خطاب مهم ألقاه الرئيس فلاديمير بوتين في شباط عام 2023 بعد مرور عام على العملية العسكرية في أوكرانيا واستهداف واشنطن والغرب لروسيا بحرب ضروس غير مباشرة، فقد وصف حرب الغرب على روسيا بـ«الخطر المميت» وعدد كل ما كان الغرب يقوم به ضد روسيا منذ انهيار الاتحاد السوفييتي «للتخلص من وجودها واحتواء وتدمير اقتصادها».
ويؤكد ميرشايمير أن «القيادة الروسية ترى في النظام الأوكراني خطراً داهماً على روسيا ليس لأنه متحالف بشكل وثيق مع الغرب فقط، بل ولأن جيشه نتاج للقوات الأوكرانية التي قاتلت إلى جانب النازية الألمانية ضد الاتحاد السوفييتي في الحرب العالمية الثانية»، ويؤكد ميرشايمير أن موسكو ستفوز بهذه الحرب «لأنها تؤمن أنها حرب وجود بالنسبة لها»، وحول شكل الانتصار الذي ستحققه روسيا ضد الغرب وأوكرانيا في هذه الحرب يبين ميرشايمير أن موسكو أرادت قبل شباط عام 2022، أي قبل شن العملية العسكرية الروسية، أن تكون أوكرانيا دولة محايدة وتتوقف السلطات الأوكرانية في الدونباس عن سياستها العنصرية وتضمن للروس في الدونباس وللناطقين بالروسية حكماً ذاتياً أو استقلالاً عن كييف، وكانت هذه الأهداف واقعية جداً قبل شباط 2022 بل حتى في الشهر الأول للعملية العسكرية الروسية» لكن واشنطن وحلف الأطلسي كانا قد وضعا خطة عدوانية لاستخدام النظام الأوكراني ضد روسيا تمهيداً لحربهما غير المباشر الشاملة ضدها، ولأن القيادة الروسية كانت تدرك استهداف الغرب لها من أوكرانيا لم تفاجأ بل فاجأت هي الغرب وبدأت بشن العملية العسكرية على أوكرانيا وحققت بواسطتها ردعاً متزايداً ضد الغرب وفرضت هزائم متتالية على الجيش الأوكراني.
في هذه الأوقات بدأت تضعف تدريجياً القوة العسكرية الأوكرانية على حماية مواقعها، مثلما بدأت تتراجع ثقة واشنطن والحلف الأطلسي بإمكانية تحقيق أي اختراق عسكري ضد روسيا على الأراضي الأوكرانية، وهذا ما يعنيه البروفيسور هيرشايمير بحتمية انتصار روسيا في هذه الحرب في النهاية بعد أن بدأت موسكو تفرض شروطها العسكرية في المجابهة بينها وبين الغرب وكذلك في المجابهة الاقتصادية والسياسية التي تقودها موسكو على المستوى العالمي مع الصين وبقية حلفائها ضد الغرب الامبريالي وآخر حروبه العالمية الإمبريالية.
سيرياهوم نيوز1-الوطن