شاهر نصر
حينما باشرت قراءة “مذكرات ووثائق المناضل صيّاح النبواني”، التي حصلت عليها من الصديق نبيه محمد نبهان ، رأيت أن أدون بعض انطباعاتي حولها، لقناعتي بضرورة قراءتها والاستفادة من مضمونها:
– ولد المناضل صيّاح النبواني في قرية أم الرمان الواقعة جنوب محافظة السويداء، وإلى الجنوب الشرقي من بلدة القريا وامتدت حياته بين عامي (1906 – 1983م)… تميّز والده الشيخ قاسم النبواني بالحكمة وسداد الرأي، وحاز موقعاً اجتماعياً مرموقاً في المجتمع…
– الكتاب ذو بعد وطني متميز، يعزز لدى القارئ محبّة تراب الوطن، ويؤكد أهمية وحدته بجميع مكوناته ومحافظاته، ويسعى المناضل صيّاح النبواني إلى تأكيد فكرة الوحدة الوطنية، وأنّ المعارك التي حصلت في الجبل ضد الاحتلال الفرنسي هي معارك الوطن بمجمله، وليست معركة محافظة أو طائفة بمفردها ضد الاحتلال، وتؤكد ذلك مجموعة من الوقائع التي يوثقها الكتاب، ومنها:
1- استشهد شقيق صاحب المذكرات المناضل حمد النبواني على تراب محافظة إدلب، إذ كان إلى جانب القائد فوزي القاوقجي لفتح جبهة عسكرية ضد القوات الفرنسية في تلك المنطقة…
2 – زيارة عبد الرحمن الشهبندر إلى أرض معركة الكفر 1925 إذ “كتب قائلاً:
“لهذه الملحمة شأن خطير في تاريخ النهضة السورية:
1/2 – لأنها جعلت الثورة أمراً مبرماً.
2/2 – لأنها دلت على أن الحق الصريح ولو نقصته العدة والعدد قادر على مقاومة القوي، ولو أيدته الآلات الضخمة والجحافل العظيمة.
3/2 – لأنها ألقت عبء القيادة العامة في الجبل على عاتق الزعيم الذي انتصر فيها هذا الانتصار الباهر”. ص33
3 – وجاء في المذكرات، “يوم 29 آب 1925:
وصل المناضل نسيب البكري والقائد يحيى حياتي، وكان يرافقهم المناضل حسن الخراط، وقال البكري إن القادة والزعماء الوطنيين قادمون إلى الجبل، وفي اليوم التالي وصل الزعيم الدكتور الشهبندر، ونزيه مؤيد العظم، وسعد الدين المؤيد، وحسن بك تحسين إلى قرية كفر اللحف، حيث كان سلطان باشا، ودار الحديث، إذ قال الأمير حمد الأطرش: اتفقنا مع إخواننا في دمشق أنه حينما تنشب الثورة في الجبل، فإن دمشق على استعداد لإشعال نار الثورة هناك. فرد الدكتور الشهبندر: نحن جئنا لهذه الغاية، جئنا لنطلب فريقاً ولو قليلاً من إخواننا أبناء الجبل، وحينما يرى الشعب هناك طلائع الثوار وصلت الغوطة فلا يتأخر عن الثورة ومقاومة الفرنسيين…” ص42
4 – جاء في المذكرات أيضاً: “ومما قال القائد العام (سلطان باشا الأطرش): “إخواني وأبنائي، إنّكم ذاهبون للقاء إخوانكم في حوران بدعوة منهم، وإن وجودكم بينهم هو لإثارة هممهم، ولتعلم فرنسا أنّه لا فرق بين أبناء الوطن الواحد، وها هو ذا أخونا المجاهد الشيخ محمد الأشمر، الذي كان همزة الوصل بيننا، وبين جيراننا أهالي حوران يساعد على الصفاء والوئام”. ص65
– تروي المذكرات أحداثاً كثيرة وتجارب متنوعة تشي بسعة أفق قادة الثورة السورية الذين قارعوا الاحتلال الفرنسي، وإدراكهم السليم لمكائد العدو، ولفنون السياسة، بدءاً من الشعار العلماني الذي رفعه سلطان باشا الأطرش قائد الثورة السورية : “الدين لله والوطن للجميع”، ومروراً بتفصيلات ووقائع كثيرة واردة في المذكرات، تبدو عفوية وبسيطة، غير أنّها ذات أبعاد سياسة ووطنية مهمة تبين تفوق سعة أفق أصحابها على كثيرٍ ممن يزعمون أنهم يمارسون السياسة، ويهتمون بالشأن الوطني العام في أيامنا هذه، منها الواقعة التالية:
“حضر مصطفى أبو الحسنين، وأعطى لسلطان باشا رسالة من هولو الترك الحريري، وفارس أحمد الزعبي جاء فيها ( إنّهم لا يقدرون على المشاركة بالثورة، ويطلبون الابتعاد عن قراهمة) وتقدم سليمان نصار من سلطان باشا، وأخذ الرسالة وقرأ فيها من بنات أفكاره : “إنّ أهالي حوران يؤيدون الثورة ويطلبون من الله النصر للثورة والثوار” . حينما سمع الثوار هذه العبارات علت عندهم النخوات”.ص37
تذكرني هذه الواقعة التي جرت في الربع الأول من القرن العشرين، أي منذ حوالي قرن مضى، في قرية من قرى الجبل الأشم بمواقف ضيقة الأفق من دول وأفراد في الربع الأول من الألفية الثالثة في أيامنا هذه، أي بعد مرور حوالي قرن عليها، كيف كان هؤلاء المناضلون، الذين تروي المذكرات شذرات من حياتهم في تلك القرى، يتمتعون بسعة أفق وفكر سياسي ناضج بالمقارنة مع ساسة دول وأفراد في أيامنا هذه، فتجد في أيامنا هذه من ينادي، على سبيل المثال، بمنع تدريس روايات دوستويفسكي في أرقى الجامعات الأوربية كي يسقطوا الحكم الاستبدادي في روسيا… أو محاولة حجب قراءة هذه المذكرات من قبل من يحسبون أنّهم يمتلكون الرؤية الوطنية (الحقيقية)، عن أشخاص يشكون في وطنيتهم، وضلوعهم في مساندة الاستبداد، ويرون أنّهم غير جديرين بقراءتها… ويؤكد ذلك كلّه، حسب رأيي، أهمية توزيع هذه المذكرات على أوسع نطاق لعلنا في الألفية الثالثة نتعلم فن السياسة من رجال العهد الوطني، ومن قادة الثورة السورية ضد الاحتلال الفرنسي عام 1925…
– يوّثق الكتاب العلاقة المباشرة والوثيقة بين أهالي مدن وبلدات وقرى بلاد الشام والتنقل الحر بين فلسطين وسوريا ولبنان والأردن والسعودية… كما يصوّر حياة الشعب السوري في مرحلة مهمة من تاريخه، ومن حياة أهالي الجبل الأشم والمعارك التي خاضوها ضد الاحتلال الفرنسي، ويقدّم معلومات ووثائق تاريخية جديدة تنشر أول مرة…
الكتاب غني بالوثائق، ومكتوب بأسلوب شيق مع ذكر تاريخ كل حادثة إذ يجذب القارئ ويجعله يشعر بالمتعة حين قراءته، فضلاً عن الفائدة التي يقدمها للقارئ، ويساعد هذا الكتاب أساتذة وطلاب مادة التاريخ في المعاهد والجامعات في الحصول على مادة وثائقية مهمة في أحداث تاريخية مفصلية… وتستحق مواضيعه أن تخرج في لوحات سينمائية…
– إنّ سعي الأستاذة الفاضلة منيرة صياح النبواني الدؤوب، وجهودها العظيمة كي ترى هذه المذكرات النور بعد حوالي نصف قرن من وفاة والدها برهان على وفائها لتضحيات والدها والمناضلين الوطنيين في سبيل الاستقلال، ورغبة منها في وصول الحقيقة، ونشر الوعي الوطني والمحبّة بين أفراد الشعب في ربوع وطننا كافة، وتوقها إلى السمو بوعي الإنسان وكرامته، وحريته… إنّ في وفاء الأبناء لوالديهم هبة إنسانية رفيعة، ولعلّ الأستاذة منيرة هبة سامية لتخليد ذكرى والدها المناضل صيّاح النبواني ورفاقه الوطنيين الكرام…
كل الشكر للأستاذة الفاضلة منيرة صياح النبواني والدكتور فندي أبو فخر ، الذي حقق الكتاب وقدّم له، وللأستاذ الفاضل يوسف سلمان النبواني صاحب الفضل في تمويل نشر هذا العمل ، ولكلّ من أسهم في نشر هذا الكتاب، وأتاح لنا فرصة قراءة عمل غني ومفيد يثري المكتبة الوطنية والعربية بوثيقة مهمة في تاريخ سوريا وبلاد الشام…
المجد لذكرى المناضل الوطني الهمام صيّاح النبواني، والمناضل سلطان باشا الأطرش، ومناضلي الثورة السورية ضد الاحتلال الفرنسي…
الكتاب صادر عن NewDalmoun دار دلمون الجديدة للنشر والتوزيع – دمشق 2022، ويقع في 562 صفحة من القطع الكبير.
للاستفسار حول الكتاب يرجى الاتصال بالأستاذة منيرة صيّاح النبواني عبر صفحتها : Mounira Nabwani أو عبر الجوال: 0935818883
*شاهر أحمد نصر : مهندس إنشائي ، كاتب وأديب ومترجم عن اللغة الروسية ، مقيم في طرطوس .
(سيرياهوم نيوز1-صفحة الكاتب)