|علي عبود
فتحت القمة العربية الإخيرة ثغرة في جدار ملف النازحين السوريين، فللمرة الأولى تربط الدول العربية عودتهم بإعادة إعمار مناطقهم وتأمين المرافق الخدمية الأساسية لها من مياه وكهرباء ومدارس ومراكز صحية..الخ!
وهذا الربط يعني استعداد بعض الدول العربية لإعادة إعمار المناطق التي تشجع النازحين على العودة الطوعية، وتحديدا من لبنان والأردن، وهذا أمر جيد لكن المشكلة أن أمريكا، تعارض بشدة إعادة الإعمار في سورية لأنها لاتريد عودة النازحين، وأعلنها الإتحاد الأوربي مؤخرا بمنتهى الوقاحة والفجاجة: نرفض التقارب العربي مع دمشق، ونرفض عودة النازحين!
حسنا، ماالعمل لجمع المتناقضين: الغرب يرفض، والقمة العربية توافق!
يمكن للجامعة العربية أن تقر في اجتماع خاص على مستوى وزراء الخارجية خطة لإعادة إعمار سورية عنوانها: من مول التدمير فليمول إعادة النازحين!
وفي حال رفضت الأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي هذه الخطة فما على الدول المتضررة من وجود ملايين النازحين السوريين على أراضيها مدعومة من قرار الجامعة العربية سوى الطلب من الدول الأوربية استقبال النازحين وتأمين الحياة الكريمة لهم ريثما تقرر دعم إعادة إعمار مناطقهم التي دمرها الإرهاب الذي مولوه منذ عام 2011 بالمال والسلاح والإعلام..الخ!
نعم، قد يرفض الإتحاد الأوروبي المتماهي مع الإرادة الأمريكية قرار الجامعة العربية بمساعدة الحكومة السورية بإعادة إعمار مناطق النازحين، لكن ماذا ستفعل الدول الأوروبية في حال قرر لبنان مثلا تسهيل الهجرة غير الشرعية للنازحين إلى أوروبا، ألم يدبّ الرعب في الحكومات الغربية عندما فعلها الرئيس التركي رجب طيب أردوغات لعدة أيام فقط؟
والسؤال: لو حسمت الحكومات العربية الأمر وقررت إصدار قرار واضح على مستوى الجامعة العربية بإعادة إعمار المناطق التي دمرها الإرهاب ماذا ستكون ردة الفعل الأمريكية؟
من المستبعد جدا أن تعارض الإدارة الأمريكية قرار عربي بالإجماع، وأن تفرض عقوبات إقتصادية، أو تطبق قانون قيصر على الحكومات العربية، وخاصة دول الخليج التي تربطها بأمريكا مصالح تجارية ستكون الشركات الأمريكية المتضرر الأكبر منها.
المسألة باتت بمنتهى الوضوح نختصرها بسؤال: إلى أين سيعود النازحون؟
خلال محاصرة سورية سياسيا واقتصاديا، حتى من الدول المتضررة من النازحين إقتصاديا واجتماعيا، كان ملف النازحين يُستثمر سياسيا في الإعلام للضغط على الحكومة السورية للقبول بالشروط الأمريكية التي تفوح منها روائح إسرائيلية كريهة، وبعد اقتناع الحكومات العربية انها وصلت إلى طريق مسدود قررت استبدال المقاطعة بالحوار والإنفتاح على دمشق، وخاصة بعد الاتفاق السعودي الإيراني الذي فاجأ الجميع تقريبا!
لاشك إن مسار الإنفتاح الخليجي المتسارع باتجاه إيران والذي واكبه الإنفتاح على سورية من جهة، وتزايد حجم الشراكة الاقتصادية الخليجية ـ الصينية، بالتوازي مع تقارب متسارع مع روسيا من جهة ثانية، وعدم استعداد أمريكا لفتح جبهات إقتصادية وتجارية مقرونة بالحصار والعقوبات تلهيها عن الحرب بأوكرانيا والمواجهة مع الصين من جهة ثالثة..كلها عناصر تساعد العرب على اتخاذ قرار بإعادة الإعمار في سورية استنادا إلى مقولة: من مول التدمير فليمول إعادة النازحين!
لقد قيل الكثير عن الصبر الإيراني في المفاوضات مع الأمريكان على الملف النووي، لكن الإدارات الأمريكية السابقة منذ الرئيس السابق ريتشارد نيكسون ووزير خارجيته هنري كيسنجر خبروا أيضا الصبر السوري على مدى عقود، ووصلوا إلى قناعة بأن سورية لاتقدم أي تنازلات استراتيجية لأعدائها لا في الحرب ولا في السلم ولا تنصاع للحصار ولا للعقوبات!
وبما أن هناك إجماع بأن أمريكا براغماتية تحركها المصالح فإن احتلالها لأراضٍ سورية على تماس مع الحدود العراقية والأردنية ليس سوى ضغط لتحسين أوراقها التفاوضية مع روسيا، بل هناك من يجزم ان هناك مفاوضات سرية بين جهات أمريكية وسورية حول عدد من القضايا، وبالمحصلة فإن الاتفاق النووي الوشيك بين إيران وأمريكا، وزيادة التفاهم التركي السوري، ومسار الحرب في أوكرانيا سيفرض خيارات جديدة على الأمريكان أبرزها الانسحاب من سورية، اليس هذا مافعلته أمريكا في دول أخرى بمجرد انتهاء أو تعرض مصالحها للخطر!
لقد وصلت الرسالة السورية إلى كل من يهمه الأمر: لايمكننا استقبال مئات آلاف النازحين في ظل الحصار والعقوبات من دون أن نؤمن لهم المساكن والمدارس والكهرباء والمياه والمستشفيات..الخ
اما الرسالة لمن يسأل عن مصادر الأموال والجهات التي ستؤمن المساكن والمرافق لمن سيعود فهو: من موّل التدمير فليموّل إعادة الإعمار.
الكل يدرك اليوم إن النازحين الذين يتلقون إعانات من الخارج لن يعودوا إلى مناطق مدمرة لايتوفر فيها الحد الأدنى من الخراب، ومن المعيب ان تنصاع الأمم المتحدة للإرادة الأمريكية فتضغط على الدول لجعل إقامة النازحين دائمة، بدلا من أن تقود عملية تمويل إعادة إعمار مناطقهم التي دمرها الإرهاب الأمريكي والأوروبي والعربي!
الخلاصة:
لقد أكد البيان الختامي للقمة العربية على تهيئة الظروف اللازمة لعودة اللاجئين والنازحين السوريين إلى مناطقهم، وإنهاء معاناتهم، وتمكينهم من العودة بأمان إلى وطنهم، وهذا يعني تمويل إعادة اعمار المناطق التي دمرها الإرهاب، كما طالب البيان الصحفي الصادرعن اجتماع موسكو الرباعي لوزراء خارجية سورية وروسيا وإيران وتركيا، بضرورة زيادة المساعدة الدولية لسورية لمصلحة لإعادة الإعمار في البلاد، والمساعدة في عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم، وهذه المطالبة هي ترجمة حرفية لمقولة: من موّل التدمير فليمول إعادة النازحين.
(سيرياهوم نيوز3-خاص)