|د. بسام الخالد
منذ انطلاق وسائل التواصل الاجتماعي ازدادت أهمية الصورة ،وازداد تأثيرها على مستخدمي هذه الوسائل لدرجة كبيرة، لكن الأخطر في هذا الموضوع هو إرفاق تعليقات لا علاقة لها بالصور المنشورة، أو تجيير التعليقات على الصور لغايات شخصية أو سياسية أو دينية أو طائفية، الأمر الذي يدخل في مجال التضليل الإعلامي المقصود الذي يضيّع المتلقي ويُدخله في دوامة واسعة من التكهنات والتفسيرات في محاولة الوصول إلى الحقيقة دون جدوى، كون الذين ينشرون مثل هذه الصور ويعلقون عليها، على درجة كبيرة من التمرس في شؤون الإعلام والحرب النفسية والدعاية، هؤلاء يرمون شباكهم ليتلقفها “المقلّدون” بسهولة ويسر ظناً منهم أنهم يحققون سبقاً صحفياً أو يقدمون معلومة لأصدقائهم دون التدقيق بما ينشرون، وهنا يتم تناقل الصور المُراد تعميمها “من المصدر” بين شريحة واسعة من المستخدمين عبر منظومة “غريزة القطيع” !
الصورة، أو الفديو في وسائل الإعلام المقروءة والمرئية، عنصر هام ومؤثر في قوة الخبر، وقد بدأ تأثير الصورة يتزايد يوماً بعد يوم، حيث تسعى وسائل الإعلام باستمرار إلى تقوية أثر الصورة وتعمل بجهد حثيث لتطوير قدراتها التقنية والفنية معاً، وبخاصة في البثّ الفضائي، نظراً لتأثير الصورة على جميع فئات المشاهدين، وانطلاقاً من ذلك سعت بعض وسائل الإعلام المسموعة (التي لا يتاح لها نشر الصور) إلى تحديث وسائلها في وصف الصورة عبر نقل الخبر المرافق لها، وجعلت مبدأ “تجسيم الصوت” غاية كبرى جهدت إلى تحقيقها وتقديمها للمستمعين، فكأنّ الأذن ترى ما تسمع، وهذه الآلية الجديدة في البث الإذاعي، تقوم على ملاحقة مصدر الخبر أينما كان، لتقدّمه إلى المستمع في لحظة حصوله، وقد عززت بعض الإذاعات هذه الآليات بتحليل الخبر من قبل خبراء ومحللين مطلعين، ولم يعد الخبر كما في السابق يُروى إلى الصحفي أو يقوم بتوصيفه لفظياً، بل هناك خطة إعلامية جديدة لإشباعه تغطية وتحليلاً ووصفاً، لكن ماذا عن تأثير الصورة في وسائل الإعلام المرئية؟!
إن مُشاهد التلفزيون يرى ويسمع، والسمع والبصر حاسّتان قويتان تؤثران على الإنسان في عملية إدراك المعنى، وإذا ما كانت الحرب تنشب سابقاً بين الصحف والإذاعات، فإن رحاها تدور اليوم بين القنوات الفضائية، فثمة قنوات تدّعي الموضوعية والحياد في تغطية الأحداث، وقنوات أخرى تشكك في ذلك، غير أنّ المتلقي لوسائل الإعلام لم يكن بمنأى عن بعض الأغراض التي تحاك في الخفاء، فالتعليق الذي يرافق الصورة أو الترجمة التي تصاحب “الفديوهات” قد تتعرض للتحريف ( تعليقاً وترجمة) ويتم تناقلها دون تدقيق، وهنا مكمن الخطورة، الأمر الذي يفرض على المتلقي أن يراقب الصورة والتعليق عليها أو الخبر المرافق لها في آنٍ معاً.
ومما زاد الطين بلّة انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وبخاصة اليوتيوب والفيسبوك بالدرجة الأولى وسهولة تداول محتواها من قبل شرائح واسعة في المجتمع صغيرها وكبيرها.
في هذا المجال يتبادر سؤال هام: هل كل المشاهدين على سوية واحدة من الثقافة والمهنية لكشف التلاعب في الصورة أو الخبر الذي يرافقها.. وهل كل المتلقين على سوية فكرية ومهنية عالية لكشف خفايا الحرب النفسية المضللة التي تستخدمها وسائل الإعلام من خلال أخبارها وتقاريرها وتحقيقاتها المصورة؟!
بالطبع ليس كل المتلقين على سوية واحدة من إدراك وفهم خبايا التضليل والحرب النفسية، لكن المطلوب التروي في التعاطي مع ما ينشر، وبخاصة “الصورة بشقيها الثابت والمتحرك” لأن هدف الصورة ليس دائماً هدفاً إعلامياً محضاً، بل دخل في مجال الحرب النفسية والدعائية ودهاليز السياسة وتضليل الرأي العام، وهنا نعود إلى مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، والذين يقدرون بالملايين، لحثهم على التدقيق فيما يشاهدون من صور وفيديوهات وما يقرؤونه من تعليقات وشروح قبل أن ينطلقوا في عملية التفاعل وإعادة النشر أو التعليق، ويجب ألا ننسى جميعاً الأهداف البعيدة لهذه الوسائل وما فيها من خبايا وبُعد عن الحقيقة، قبل أن تكون خدمة عامة في متناول الجميع!
(سيرياهوم نيوز ٣-خاص)