يُثير الرئيس الروسي فلاديمير بوتين جدلاً قانونيّاً وسياسيّاً، حول حُضوره من عدمه لقمّة “البريكس”، والتي تستضيفها جنوب إفريقيا الشّهر المُقبل، فرئيس الدولة العُظمى صدرت بحقّه مُذكّرة توقيف من قبل المحكمة الجنائيّة الدوليّة آذار/مارس الماضي، اتّهم فيها بالإشراف على ارتكاب جريمة حرب في أوكرانيا، تتعلّق بنقلٍ قسريٍّ لأطفال أوكرانيين إلى روسيا، ولكن توقيف الرئيس بوتين لا يُمكن أن يمر مُرور الكرام، وقد يدفع لأزمة تنتهي بالحرب، ويعتمد توقيفه على تعاون سُلطات البلد التي يزورها، وعدم توقيفه أيضاً يُحرج جنوب إفريقيا.
موضع الإحراج لجنوب إفريقيا يكمن بأن الأخيرة مُلزمة بتنفيذ نظام روما الأساسي، فهي أحد الدول التي وقّعت على مُعاهدة إنشاء المحكمة المعروفة بنظام روما الأساسي، ما يعني أنها مُلزمة باتخاذ إجراءات فوريّة حيال المُتّهمين بالجرائم الواردة في المُعاهدة، وعدم التزامها باعتقال بوتين يُحرجها دوليّاً، كما أنها لن تجرؤ على اعتقال الرئيس الروسي، فهو ليس رئيس جمهوريّة موز وفق رأي مُعلّقين، فحتى الرئيس السوداني السّابق عمر البشير رفضت دول مُوقّعة على المُعاهدة اعتقاله، فكيف هو الأمر حينما يتعلّق بالرئيس الروسي صاحب السّلطة المُطلقة والقويّة في بلاده؟
حُكومة جنوب إفريقيا كانت رحّبت في يناير بحُضور الرئيس بوتين القمّة المُقبلة في جوهانسبرغ، والتي من المُقرّر أن تنعقد في 22 أغسطس/آب، ولكن تصريحات مسؤوليها تذهب باتجاه أن يمتنع الرئيس بوتين من نفسه عن الحُضور، فهُم في موضع عدم القدرة على اعتقاله، أو منعه من القدوم.
بول ماشاتيل نائب رئيس جنوب إفريقيا قال مثلاً في حوار أجرته معه صحيفة Mail & Guardian، ونُشر الجمعة 14 يوليو/تموز 2023: “سيُسعدنا ألا يأتي” الرئيس الروسي إلى القمّة، وهُنا يتمنّى ماشاتيل على الرئيس الروسي تجنيبهم الإحراج الدولي.
ذاته نائب رئيس جنوب إفريقيا، أقر بأنه مُلزم بتنفيذ نظام روما الأساسي، ولكنه كما قال لا يُمكنه أن يدعو شخص ما، ثم يعتقله.
وشرح نائب رئيس جنوب إفريقيا في مُقابلة أخرى موقف بلاده الصعب من حضور بوتين، فقال: الأمر “كأنك تدعو صديقك إلى منزلك، ثم تعتقله. لهذا السبب، فإننا نرى أن عدم مجيئه (بوتين) هو الحل الأفضل.
ولم يُعلن الرئيس بوتين حتى كتابة هذه السطور حول ما إذا كان سيحضر لقمّة البريكس شخصيّاً، واكتفى الكرملين بالقول إن روسيا ستُشارك على “المُستوى المناسب”، وهو ما يرفع من حالة التوتّر والترقّب عند المسؤولين في جنوب إفريقيا، ويطرح تساؤلات فيما إذا كان الرئيس الروسي الذي يخوض حرباً وجوديّة في أوكرانيا، ينوي التحدّي والمُشاركة حضوريّاً في القمّة والضرب بمُذكّرة توقيفه عرض الحائط، وهذا الحُضور وارد فيما يبدو، حيث تصريحات نائب رئيس جنوب إفريقيا بالخُصوص تشي بأن حضور بوتين غير مُستبعد، حين قال بأن الروس غير راضين عن ذلك (عدم حُضور بوتين)، ويُريدون أن يحضر الرئيس الروسي اجتماعَ البريكس.
المدّعي العام للمحكمة الجنائية الدوليّة من جهته قال في مقابلة مع شبكة (CNN) إن جنوب إفريقيا بصفتها دولة موقعة على المحكمة الجنائيّة الدوليّة سيكون عليها واجب قانوني بالقبض على بوتين إذا جاء إلى هُناك.
وكانت تستطيع جنوب إفريقيا إغلاق باب إحراجها الدولي، بعدم توجيه دعوة للرئيس الروسي، ولكنها فعلت بشكلٍ لافت ودعته، التزاماً منها بقولها بأنها مُحايدة بنزاع أوكرانيا، وهو ما يفسّر تزايد الضغوط عليها لاعتقال بوتين حال قدومه، بل هي مُتّهمة غربيّاً بأنها أقرب لموسكو، حيث أجرت مُناورات بحريّة مُشتركة مع روسيا مُؤخّرًا، وبحُضور وزير الخارجيّة الروسي سيرغي لافروف، كما أن الدول الإفريقيّة لم تنضم للعُقوبات ضد روسيا.
وحاولت جنوب إفريقيا الرافضة لاعتقال بوتين بأي حال من الأحوال تخفيف وطأة جدل حضور بوتين، فأصدرت يونيو الماضي “حصانة دبلوماسيّة” شاملة لجميع القادة الذين سيحضرون قمّة البريكس، فيما قال رئيس جنوب إفريقيا الأسبوع الماضي بأن قمّة البريكس ستُعقد بشكلٍ شخصي، وليس عبر الانترنت، وسيُشارك فيها جميع رؤساء دول بريكس، وتبدو هُنا جنوب إفريقيا، عازمة على إنجاح القمّة، ورفع راية التحدّي بعقدها القمّة بالحُضور الشخصي، وكان حضر الرئيس بوتين قمّة البريكس التي استضافتها الصين العام الماضي عبر الفيديو.
الجدير ذكره بأن مجموعة “بريكس” تشمل الدول صاحبة أسرع نمو اقتصادي في العالم -وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا- وتقول المجموعة إنها تسعى إلى نظام عالمي ثُنائي القطبيّة، ومُنافسة تحالف الدول السبع الكبرى الذي يضم أكبر 7 اقتصادات في العالم.
بكُل الأحوال، حضر الرئيس بوتين أو لم يحضر، يرى مراقبون بأن الرئيس الروسي سيختار القرار الذي يُناسبه، ومكانته، ودولته العُظمى، كما وسيُراعي العلاقات الوديّة التي تجمعه مع جنوب إفريقيا ومواقفها من الحرب الأوكرانيّة غير المُضرّة بمصالحه، وهو ما يفسّر تصريح حكومة جنوب إفريقيا التي أكّدت بأنها “تتحدّث إلى الرئيس الروسي مُباشرة بشأن مُشكلة المحكمة الجنائيّة الدوليّة”، ما يعني أن قرار بوتين حول حضوره للقمّة من عدمه سيكون وفق المصلحة الروسيّة، والإفريقيّة، فيما تساؤلات أخرى مطروحة، هل الرئيس بوتين وحده من ارتكب جرائم حرب مزعومة، فلماذا لا تُصدر الجنائيّة الدوليّة مُذكّرة توقيف بحق كل المسؤولين الأمريكيين والغربيين عن حرب العراق، وأفغانستان، وليبيا، وسورية؟
سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم