| نبيه البرجي
بعد انقضاء أكثر من مائة يوم على اعلان الاتفاق بين الرياض وطهران، أين أصبحت المفاعيل الاقليمية لهذا الاتفاق في اليمن وسوريا وفي لبنان؟
اذا كان السعوديون والايرانيون قد أفلتوا من العــيون الأميركية، وهم في الطريق الى بكين (ما أثار صــدمة لدى وكالة الاستــخبارات المركزية)، كيف لهم الافلات من البراثن الأمــيركية في مــقاربة أي من تلك الأزمات، وهم الموجودون بشــكل أو بآخر في كل منها؟
وزير الدفاع الفرنسي الأسبق جان ـ بيار شوفنمان قال، غداة الغزو الأميركي للعراق عام 2003 (واستقالته رفضاً لتبعية بلاده للولايات المتحدة)، «الأميركيون يصنعون عادة الأزمات، كما يصنعون الحروب كأساس في فلسفتهم الاستراتيجية . قطعاً لا يصنعون التسويات، واذا أرادوا انهاء حرب ما، فاما بالهروب تحت جنح الظلام، أو على طريقة هيروشيما» .
ألهذا السبب أبدى الديبلوماسي الأميركي آرون ميلر خشيته من «الحل النووي» للصراعات في الشرق الأوسط، ليضيف «اذا كان آدم قد هبط هناك، كعقاب له، لا ندري أي عقاب يختاره الله لهذه المنطقة»…
لا يكفي الستاتيكو الحالي في اليمن لوضع حد للتفاعلات القبلية والسياسية والمناطقية . كلام كثير عن جهات أخرى بدأت تلعب في رؤوس وجيوب شيوخ القبائل، وفي رؤوس وجيوب القادة السياسيين والعسكريين، للحيلولة دون توصل السعوديين والايرانيين الى حل وشيك للأزمة. الحل الذي يبدو مستحيلاً أن يعيد الدولة الى صيغة ما قبل الحرب.
وراء الضوء حديث عن دولتين احداهما في الشمال وأخرى في الجنوب، تحت مظلة فديرالية أو كونفديرالية قابلة للانفجار . حتماً ليس بالحل الذي لمصلحة كل من السعودية وايران. المهم اطفاء النيران (والدماء) . زميل يمني قال لنا «حتى منازلنا، حتى طرقاتنا، تحولت الى مقابر»!…
لا ندري، حقاً لا ندري، ما اذا بقي هناك من دور للســعوديين والايرانيين في اقفال الأزمة السورية. الأزمة في يد الأمــيركيين والأتــراك، وحتى في يد «الاســرائيليين»، وان كان سوريو ما بعد الحرب، وقد أنهكت عظامهم، لم يعودوا سوريي ما قبل الحرب، كحملة للقضايا العربية الكبرى. لا نتصور أنه لا تزال هناك قضايا عربية كبرى.
المشكلة الآن لدى الــسوريين هي في كيفــية بقائهم على قيد الحياة. نصف أزمتــهم، اذا جاز هذا المنطق، قي قبضة رجــب طيب اردوغان بالديبلوماسية وبالاستراتيجية البهلوانية. لا حدود هنا للزبائنية السياسية. لحماية مصالحه مستعد لمراقصة الشيطان. النصف الآخر في قبضة الأميركيين الذين اذ يتبنون كلياً مواقف بنيامين نتنياهو، يفعلون في سوريا ما لا يفعله الشيطان.
الروس ليسوا في وضع يتيح لهم الضغط على الرئيس التركي للالتزام بما تم تحقيقه في الجولات التفاوضية السابقة. الحرب في أوكرانيا، بتلك الضبابية المثيرة، أدت الى تغيير أشياء كثيرة على الأرض.
الجانبان الأميركي والروسي بحاجة الى الرجل الذي سبق وقلنا اته يستأثر بمفاتيح البحر الأسود، ما يعني أنه طرف أساسي في تحديد مسار ذلك الصراع.
في كل الأحوال، لا يستطيع اردوغان الا أن يكون حالة أميركية. ثمة معلقون روس يرون فيه «القنبلة في الخاصرة. علي باباجان، وزير الخارجية السابق، قال «لقد ترك للأميركيين أن يخنقونا ساعة يشاؤون». في نهاية المطاف، حل الأزمة السورية في واشنطن لا في أي مكان آخر . الحل أم … اللاحل ؟!
في قعر اللائحة الأزمة اللبنانية التي قد تكون الأكثر غرابة في التاريخ. المطران جورج خضر قال عام 2015 «لم يكتب للبنان أن يموت، ولم يكتب له أن يعيش». ربما تأثّراً بقول دانتي في «الكوميديا الالهية»، «في الجحيم رأيت أناساً لا يعيشون ولا يموتون» .
متى لم نكن في هذا الجحيم، ضحايا الطائفية التي تنهش عظامنا، وضحايا ثقافة المغارة (لا ثقافة الدولة) التي ابقتنا عالقين بين الحياة والموت؟
باقون بأزماتنا في الثلاجة الأميركية. لا تسويات على النار. الخماسية الدولية محطة (مجرد محطة) في طريقنا. طريق الجلجلة …
(سيرياهوم نيوز3-الكاتب)