| تحسين حلبي
حملت النتائج التي توصل إليها استطلاع رأي أجرته صحيفة «يسرائيل هايوم» ومركز «مخزن الأدمغة» الإسرائيلي في 28 تموز الجاري، مؤشراً بارزاً حول مستقبل الأزمة الحادة والانقسام الذي وقع بين أحزاب المعارضة وبين الحكومة الائتلافية حول التعديلات القضائية، وهو مؤشر لا يبشر بانتهاء هذه الأزمة وتداعياتها على الحياة السياسية والحزبية في تل أبيب في الأشهر بل ربما في السنوات المقبلة، فقد تبين أن 62 بالمئة من الإسرائيليين غير راضين عن أداء الحكومة وأن 19 بالمئة فقط راضون عن أدائها، وأعرب 52 بالمئة عن رأي يرى أن «الإصلاحات القضائية» أضعفت الدولة، وتبين من الاستطلاع أن حزب الليكود سيفقد هو وحركة الصهيونيين المتدينين التي يقودها ايتامار بن غافير وسموتريتش عدداً من المقاعد في أي انتخابات مقبلة، ولن يتمكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حينئذ من تشكيل حكومة تحظى بأغلبية 64 صوتاً كما هو الحال الآن بل بـ53 مقعداً على حين ستتمكن أحزاب المعارضة من الفوز بـ63 مقعداً.
وإذا كان هذا الاستطلاع يدل على نتائج الانتخابات المقبلة فسيظل السؤال المهم في هذه الحال هو: وهل تستطيع أحزاب المعارضة الآن فرض انتخابات مبكرة لتحقيق غايتها في الوصول إلى الحكم؟ ومن المؤكد أنها لا تستطيع إيجاد أغلبية برلمانية توافق على تسبيق الانتخابات لأن حكومة نتنياهو الائتلافية يؤيدها الآن 64 مقعداً وجميع أحزابها ستتمسك برفض إجراء انتخابات مبكرة وستفرض بقاءها أربع سنوات ما دام هذا البقاء يحقق مصالح أحزابها وطوائفها وخاصة لأنها من لون يميني متشدد علماني وديني يهودي، ولن تتوافر فرصة مناسبة لأحزاب المعارضة لإجراء انتخابات مبكرة إلا إذا نجحت في شق بعض الأعضاء من أحزاب الائتلاف الحاكم وهذا ما يعد شديد الصعوبة لأن انشقاق خمسة أعضاء من أحزاب الائتلاف الحاكم الآن لن يحقق لهم مصلحة ذاتية بل سيجعلهم يخسرون فوائد الحكم لسنوات مقبلة حتى نهاية الدورة الانتخابية الراهنة بعد ثلاث سنوات وقد لا يضمن المنشقون إعادة انتخابهم إذا قرروا الانشقاق الآن وتأييد انتخابات مبكرة بعد تسعين يوماً.
ولذلك ستبقى نتائج هذا الاستطلاع تنتظر سنوات مقبلة لانتهاء هذه الدورة الانتخابية وقد يتعرض الجمهور الذي ناصر هذه الأحزاب إلى تغيير موقفه من أحزاب الائتلاف الحاكم خلال الفترة المقبلة.
ومع ذلك تدرك أحزاب المعارضة أنها لم تنجح طوال أشهر كثيرة سابقة في أثناء قيادتها لحركة الاحتجاج ضد التعديلات القضائية في تشجيع بعض أعضاء الكنيست المنضمين إلى حكومة نتنياهو للانشقاق رغم كل ما بذلته من جهود مع وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت الذي تراجع عن محاولته الاعتراض على التعديلات القضائية قبل أسابيع وأعاده نتنياهو إلى خطة الحكومة.
وإضافة إلى الصعوبة التي تواجهها المعارضة في سعيها لإسقاط حكومة نتنياهو في البرلمان يرى بعض المحللين السياسيين في الكيان الإسرائيلي أن التشجيع الذي قامت به أحزاب المعارضة للجيش ودفعه للمشاركة في حركتها الاحتجاجية ضد التعديلات القضائية لن يمر بسهولة لدى حزب الليكود وقادته فهم سيشنون قريباً حملة إعلامية تتهم قادة أحزاب المعارضة بتحريض الجيش على ما يشبه الحرب الأهلية. فالمضاعفات التي ستولدها حركة احتجاج أكثر من 12 ألفاً من الضباط والجنود ومن معظم الاختصاصات البرية والاستخباراتية والجوية ستؤدي إلى الانقسامات داخل المؤسسة العسكرية ولا يمكن إنهاؤها بسرعة داخل الكيان وهذا ما سوف يتيح فرصة استغلالها من قبل الليكود بالذات لإعادة استقطاب ما فقده من أنصار ومؤيدين.
وفي النهاية تدل الصورة الإجمالية لكل ما جرى في الأسابيع الماضية من تظاهرات ودعوات لإسقاط حكومة نتنياهو وما أفرزته من نتائج على استطلاعات الرأي على أن الانقسام الداخلي في ساحة الأحزاب السياسية ما زال يفرض نفسه وكذلك استحقاقاته السلبية على وضع الكيان الإسرائيلي من نواح اجتماعية واقتصادية وعسكرية وهذا ما سوف يزيد درجة الانخفاض المستمر في ما يسمى «قدرة الردع» الإسرائيلية.
وسوف يظل الكيان الإسرائيلي في الأشهر والسنوات المقبلة يدور حول أزماته ذاتها ودواماتها المتنوعة ونتائجها على مستقبل وجوده، فمنذ سنوات عديدة أمسكت هذه الدوامة بالكيان وما زال عاجزاُ عن إخراج نفسه منها.
سيرياهوم نيوز3 – الوطن