الدكتور خيام الزعبي
علمتنا دمشق طوال السنوات الماضية مفهوم الوطن والمواطنة، وعلمتنا أن الغرب وحلفاؤهم لا يريدون لنا الخير، بل يريدون إغراق الساحة العربية بالفوضى والفتن والإرهاب لأنه طريقهم الوحيد لتزعم الأمة وفق المخططات الأميركية، ولا يريدون أمة حرة ومبدعة وذات وزن تقرر مصيرها بنفسها وذلك على طريق تحقيق أهدافهم، كما علمتنا بأن قوة وقيمة سورية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بعمق انتمائها العربي، وأن استقرار سورية هو استقرار لوطننا العربي الكبير، بالمقابل إن صمود سورية ومحور المقاومة وثباتهم في وجه كل ما تعرّضوا له خلال السنوات الماضية أعاد الاعتبار للمشروع القومي وشكل رافعة لإعادة التأكيد على الهوية العربية. وهذا ما أكده الرئيس الأسد أثناء استقباله أعضاء وفد المؤتمر القومي العربي في دمشق.
ما حصل مؤخراً في غزة وجنين، والانتصار الذي تحقق هناك وتحرّك الشعب الفلسطيني في جميع المناطق، وتحرّك الشعب السوري وتفاعله مع هذا الحدث أثبت أنه، وعلى الرغم من كل المخططات التي تم تحضيرها وتسويقها للمنطقة العربية وبمختلف المسميات، فإن الشعب السوري ما زال متمسكاً بعقيدته وبهويته وانتمائه.
من المؤسف أن البعض من العرب عموماً تنصلوا من العروبة لصالح أوطانهم القطرية، ومن هنا نشعر جميعنا بالتوتر والقلق من انزلاق بعض الأقلام والأصوات في مختلف العواصم العربية التي تنادي اليوم بدعوات انعزالية وانكفائية قطرية بمبررات وذرائع واهية دون وعي وإدراك بأنه ليس هناك تعارض بين خصوصية كل قطر وبين الجامع المشترك الذي يربط هذه الأمة ببعضها رباطاً وثيقاً تحت مظلة اللغة الواحدة والمصير العربي المشترك، لذلك ليس هناك أشد خطراً على وطننا العربي من تلك اللعبة القذرة التي استغلت أحداث الربيع العربي المزعوم لتغيير المواقف باتجاه إحداث قطيعة بين كل قطر عربي وشقيقه بهدف نسف العلاقات التاريخية بينهما ونشر الأفكار الهدامة والاضطراب بين أفراد الدولة الواحدة.
وما يجري في سورية الآن من حرب عدوانية وتدمير بنيتها التحتية والاقتصادية والخدمية، بنية تفكيك وتقسيم وإضعاف سورية الدولة والوطن وإخراجها من معادلة الصراع العربي الصهيوني، فضلاً عن محاولة صهر وحدة النسيج الاجتماعي في سورية، لأنه يصب في مجرى تفتيت الأقطار العربية الى دويلات وقوى عشائرية داخل الوطن الواحد التي تخطط له إسرائيل وحلفائها في المنطقة، وبالتالي فإن تصعيد الصراع في سورية مصلحة أمريكية إسرائيلية يريدونهما ملغاة من دورها، لأنهم يدركون وزنها وثقلها في المنطقة وإن سقوطها بمثابة انهيار كامل للعالم العربي من أجل تحقيق مشروعهم ضد الوجود العربي والقضاء على فكرة القومية العربية، والمستفيد الأول والأخير من هذه الصراعات الدائرة هي الدول الاستعمارية لأن الصراع المفترض أن يكون صراع عربي- صهيوني، إذ تحول الى صراعات داخلية في البلدان العربية، وباتت معظم هذه الدول تقاتل بالسلاح دولاً عربية أخرى، فترعى منظمات معارضة وتزودها بالسلاح، غير عابئة بمصير هذه الدولة أو تلك (سورية والعراق )، وبالتالي أن هدف كل ما يجري اليوم على الأرض العربية من تونس إلى ليبيا واليمن ومصر وسورية والعراق هو لإدخال المنطقة في بيت الطاعة الإسرائيلية وإنهاء القضية الفلسطينية والمقاومة في لبنان والسيطرة على ثرواتنا العربية.
إذا نظرنا حولنا نجد إن دول الثقل العربي باتت الآن في فوضى واقتتال ولم يبق إلا سورية وبإسقاطها يكتمل المخطط الغربي، ولأن سورية ليست ككل الدول، فإنها لن تنحني هامتها ولن تنكسر عظمتها، كونها صانعة الرجال ومصدر القومية العربية التي نستظل بظلها ونرتوي من نبعها، وستظل سورية طالما فيها رجال يمتلكون من الحس الوطني ما لا يمتلكه مواطن آخر تجاه بلده ، فسورية عمود الأمة العربية وضعفها وانكسارها سوف يؤثر بشكل كبير على قوام الأمة العربية وسيادتها، وواجب كل مواطن عربي ينبض قلبه حباً بقوميته وإنتمائه العربي الإسلامي الوقوف الى جانب سورية، فسورية لها حق على كل عربي ينتمي إلى هذا الأمة العريقة لأننا نُدرك بأنها مستهدفه في أمنها واستقرارها حتى تختل موازين القوى في منطقتنا العربية.
بالتالي إن العروبة رابط ثقافي يجمع المغرب العربي بالمشرق، فكل مقومات الوحدة موجودة من لغة وتاريخ وثقافة مشتركة، لكن الوصية الأساسية التي تعمل على أساسها الدول المعادية لوطننا العربي أنه يجب تقسيم هذه الدول ومنعها من الوحدة، والثانية زرع جسم غريب عن هذه الحضارة يكون عدوا لمحيطه ورهن الإشارة الغربية وهو الكيان الصهيوني، إضافة إلى إشعال الفتن الطائفية والنعرات الاثنية وتغذيتها، وأخيراً منع التكنولوجيا والمعرفة الحديثة من أن تنتشر في هذا المنطقة خوفاً من تطورها وكذلك قتل واغتيال العلماء.
مجملاً… صمود سورية شكل رافعة لإعادة التأكيد على الهوية العربية والانتماء العربي والثوابت والمبادئ الراسخة من استقلال الأمة العربية وتحرير فلسطين وتحرير القرار الرسمي العربي من التبعية للهيمنة الغربية، وبالمقابل إن سورية هي الأكثر مسؤولية في إيقاظ الصحوة القومية المنشودة والحفاظ على ثوابتها بحكم دورها التاريخي في صياغة الحل العربي على مدى الحقب والأزمان، وأنها الأكثر قدرة وجرأة على جذب بل دفع الآخرين نحو الطريق الصحيح، بعدما أثبت تاريخ العرب الطويل بأن دمشق هي الفاعل المؤثر، وهو الذي يستطيع الآن أن يقيم توازناً جديداً في المنطقة وأن يحدث تغييراً مهماً في معادلة إدارة الصراعات، فلا حرب من دون سورية ولا سلام من دون سورية وما يحصل اليوم هو محاولة فرض سياسة أمر الواقع الغربي على المنطقة، لذلك لا بد من ضرورة المصالحة بين الدول العربية وذلك بإعادة صياغة العلاقات العربية-العربية على قواعد ثابتة وواضحة مستقرة تسمح بإعادة تشكيل أسيجة واقية للنظام العربي تسهم في إيقاف الانهيار والتشكيك فيه.
بإختصار شديد يمكنني القول، إن سورية هي الحصن الحصين للعرب وللأمة وستبقى الداعم الأول وخير سند لكل مشروع عربي يدعو للوحدة وستبقى قلب العروبة النابض، كونها القادرة على إستعادة الزمام ولململة شتات النظام الإقليمى العربي من جديد وتثبيت أركانه ونحن على يقين أن إصطفاف السوريين وأشقائهم العرب كافة سيكون الصخرة التي تتحطم عليها أطماع القوى الإستعمارية .
سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم