كتب:علي عبود
تباينت ردود أفعال الصناعيين السوريين الذين تعرضت منشآتهم للتدمير الجزئي أو الكلي أبان العقد الأخير من الحرب الإرهابية على سورية، البعض آثر التوقف عن النشاط سواء بقي في سورية أم هاجر، والبعض الآخر لم يستسلم للظروف القاسية والظالمة فأقام مشاريع استثمارية صغيرة في المحافظات التي نزح إليها، لكن كبار الصناعيين هاجروا سريعا إلى بلدان خليجية، والقسم الأكبر والأهم منهم استقر في مصر وأقام مشاريع كبيرة، بل إن بعضهم تخلى عن مبلغ مليون دولار للحصول على الجنسية المصرية، أي أن هؤلاء خططوا مبكرا لعدم العودة إلى سورية!
وقد حاولت غرفة صناعة حلب مرارا وتكرارا وبجهود دؤوبة من رئيسها المهندس فارس الشهابي لإقناع صناعيي حلب بالعودة إلى مدينتهم التي يحبونها جدا، لكن كل المحاولات لم تسفر عن عودة أي صناعي، وكان الرد دائما: الإستثمار في مصر آمن ومريح ومغرٍ ولا توجد صعوبات ولا عراقيل أمام المستثمرين السوريين عكس ماهو الحال في سورية.
قد تكون مبررات الصناعيين السوريين صحيحة، لكنهم فعليا وجدوا إن العمل في مصر يتيح لهم التمتع بعدة مزايا لاتتوافر ولن تتوافر في الأمد المنظور في سورية ومن أبرزها: سوق استهلاكية كبيرة، والتحرر من العقوبات الاقتصادية المفروضة على سورية، والأسواق الخليجية والخارجية المفتوحة أمام منتجاتهم، وسهولة التعامل بالدولار..الخ.
كل ذلك صحيح في أيام العز والرخاء، لكن كل ذلك أصبح عزيز المنال مع الأزمة الاقتصادية العالمية والتي كان لمصر النصيب الأكبر منها باعتبار إقتصادها رهين لنهج السوق الليبرالي ولصندوق النقد الدولي!
لاندري إن كان الصناعيون السوريون يدركون ان مصر التي اعتبروها جنة للإستثمارات هي مدينة للخارج، وكل مظاهر الرفاه ورغد العيش كان نتيجة للقروض التي تستجرها سنويا من الهيئات المالية الدولية والخليجية، وهي قروض بالكاد كانت تكفي لسداد فوائد وليس أقساط الديون، ولتثبيت سعر صرف الجنيه، وما أن تعثرت مفاوضات الحصول على قروض جديدة، حتى رأينا كيف وقعت مصر مثل لبنان بأزمة إقتصادية، فانهارت العملة، واضطرت الحكومة المصرية إلى اتخاذ إجراءات قاسية لاتقارن بإجراءات الحكومتين اللبنانية والسورية.
ومن يتابع المشهد الاقتصادي في مصر خلال عام مضى سيكتشف بسهولة أنها في أزمة أكبر من الأزمة التي تتعرض لها سورية الخارجة من حرب عالمية إرهابية على أراضيها ومن عقوبات تزداد قساوة شهرا بعد شهر، وهذا يعني ان المستثمرين السوريين في مصر مقبلون على مرحلة لم تخطر على بالهم حين قرروا انها ملاذهم الأمن والأخير.
لن نخوض في الأسباب التي جعلت الإستثمار الخليجي يتوقف في مصر،ولا عن أسباب الشروط الجديدة لصندوق النقد الدولي للتضييق على الحكومة المصرية أكثر فأكثر، ولكن لنستعرض نتائج الأزمة الاقتصادية التي تضغط على مصر منذ سنة تقريبا حسب مصادر إعلامية واقتصادية مصرية:
ـ عجزت الحكومة المصرية عن التعامل مع الأزمة الاقتصادية الراهنة، والتي تفاقمت بصورة غير مسبوقة أدّت إلى تجميد الأنشطة الاقتصادية بشكل شبه كامل.
ـ سيطرة السوق الموازية للجنيه (السوق السوداء) على النشاطات المالية للحكومة.
ـ تضييق حكومي غير مسبوق على الفعاليات الاقتصادية والتجارية فيما يتعلق بالحصول على العملة الصعبة إلى الحدّ الأدنى، سواء للأفراد أو الشركات،ماتسبب بتجميد العديد من القطاعات.
ـ بدلا من توفير الدولار للمصارف، قامت الحكومة بضخه في السوق الموازية بهدف منع تدهور سعر الصرف.
ـ التوقُّف شبه الكامل للاستيراد ( نعم هذا في مصر وليس في سورية).
ـ ندرة قطع الغيار في المصانع الحكومية والخاصة.
ـ اضطرار العديد من الشركات إلى تسريح العمال وتخفيض النفقات وإغلاق العديد من المقار والفروع..
ـ انخفاض متدرج لسعر الصرف على الرغم من الضخّ المستمر للدولار في السوق الموازية ليصل حاليا إلى 36 جنيها للدولار وكان لايتجاوز منذ أعوام 12 جنيها.
ـ متوسط عمليات التسعير في البيع للسلع المستوردة لاتقل عن 40 جنيها للدولار.
وبما أن صندوق الدولي يشترط تحرير سعر الجنيه لإقراض مصر فإن الإستجابة لهذا الشرط سيؤدي إلى انهيارات غير مسبوقة في سعر صرف الجنيه.
أما القرار الأقسى وغير المتوقع فهو قيام البنوك بوضع شروط مشددة للحصول على العملة الأجنبية فحددت عملية الصرف بنحو 200 دولار في المتوسط ولمرة واحدة في العام، ومنعت أصحاب الحسابات الدولارية من الحصول على أموالهم إلى حين تصفية حساباتهم ومرور 6 أشهر على إغلاقها.
ـ انخفاض عمليات تحويل أموال المصريين القادمين من الخارج وصرف القادم منها في السوق الموازي ، أو تحويلها إلى سبائك ذهبية.
ـ نقص شديد في السلع مع ارتفاع أسعارها بشكل شبه يومي نتيجة تراجع الإنتاج واتّجاه عدد من الشركات نحو عمليات التصدير بهدف الحصول على الدولار.
ـ لم تعد مصر تعوّل على الإستثمارات الخليجية لأن رجال الأعمال فيها يسعون للإستحواذ على الشركات المصرية الرابحة والمدرّة للقطع الأجنبي، أي ان مصر في حال بيعها ستفقد مصدرا دائما للدخل!
الخلاصة: لقد دخلت مصر في أزمة إقتصادية ونقدية منذ عدة أعوام لن تخرج منها إلا بمعجزة، بدليل أن هذه الأزمة تتصاعد وما من حلول لها في الأمد المنظور لأن أصدقاء وحلفاء مصر غير راغبين بمساعدتها، في الوقت الذي تستعد فيه سورية لنهضة إقتصادية ستبدأ مع إعادة الإعمار وبمساعدات ملموسة وحقيقية من أصدقائها وحلفائها، وهذه المقارنة تجعلنا نسأل:ماذا يفعل الصناعيون السوريون في مصر؟
(سيرياهوم نيوز ٣-خاص)