غزة | في ظلّ الظروف المعقّدة والتطوّرات المتسارعة التي تعصف بالساحة الفلسطينية الداخلية، والتي تقع في صلبها قضيّة الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، انعقد «اجتماع الأمناء العامّين للفصائل الفلسطينية»، في اليومين الأخيرين من الشهر الفائت، في مدينة العلمين الجديدة في مصر. الاجتماع الذي دعا إليه رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، عقب العملية العسكرية التي نفّذها العدو في مخيّم جنين في الضفة الغربية، الشهر الماضي، بدت الدعوة إليه، في نظر البعض، محاولة من السلطة ورئيسها للبناء على مستجدّات الواقع السياسي والميداني الذي أفرزته معركة جنين البطولية، وما رافق ذلك من سياق متصاعد للمقاومة في الضفة الغربية، والالتفاف الشعبي الواضح حولها. ولكنّ السلطة هي «سلطة أوسلو» عينها، و«أبو مازن» هو نفسه صاحب رؤية «المقاومة السلمية»، ومسار «التنسيق الأمني» مع العدو، والتربّع على عرش «منظمة التحرير»، وإقصاء وتهميش كل من يخالفه داخلها.
وعلى رغم توجّسها من الدعوة، وعدم تفاؤلها بأيّ نتائج قد تصدر عنها، قرّرت الفصائل المختلفة تلبية دعوة عباس بدايةً، قبل أن تتراجع ثلاثة منها، هي: «الجهاد الإسلامي، والصاعقة، والقيادة العامة»، رفضاً لعمليات الاعتقال السياسي التي نفّذتها وتنفّذها أجهزة أمن السلطة في الضفة الغربية بحقّ مقاومين وناشطين سياسيين من مختلف الفصائل، ومنها ما نُفّذ خلال معركة مخيم جنين الأخيرة، بحقّ مجموعة من المقاومين المنتمين إلى «الجهاد» و«حماس» و«كتائب شهداء الأقصى – فتح». وربط المقاطعون مشاركتهم في اجتماع الأمناء العامين، بإطلاق سراح المقاومين المعتقلين، وإيقاف عمليات الاعتقال السياسي الأخرى، فيما قُدمت مبادرات مختلفة في هذا السياق، منها ما طرحته حركة «حماس»، بشخص رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنيّة، خلال لقائه عباس في أنقرة، قبيل اجتماع العلمين. لكنّ «أبو مازن» أصرّ على موقفه الرافض لإطلاق سراح المعتقلين، بينما «وعد» قيادة «حماس» بإطلاق سراح معتقلين من الحركة تحتجزهم أجهزة السلطة، في حال شارك «الحمساويون» في اجتماع العلمين، وهذا ما حصل لاحقاً.
عباس يحاول ابتزاز «الشعبية»
في ظلّ هذه الأجواء المتوتّرة، انعقد اجتماع الأمناء العامين، الذي شهد بداية اجتماعات ثنائية بين وفود الفصائل المختلفة، روّج كل فصيل خلالها لرؤيته لبرنامج اللقاء ومحدّداته، وسبل إنهاء الانقسام السياسي، والخروج برؤية موحّدة لمواجهة التحدّيات الماثلة. وبالنتيجة، لم تحمل هذه اللقاءات جديداً يُذكر، إلا أن وفد «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، الذي ترأّسه نائب أمينها العام جميل مزهر، حاز انتباه معظم الوفود الأخرى، حيث كانت له «رؤية ومواقف مغايرة بعض الشيء للرؤية والمواقف السابقة للجبهة»، بحسب مصادر حضرت الاجتماع، وتحدّثت إلى «الأخبار». وتبيّن المصادر أن «الجبهة بما يربطها من علاقة تاريخية مع حركة فتح ومنظمة التحرير، فإنها عادة ما تحافظ على مستوى معيّن من الخطاب المعارض لأداء السلطة وتحديداً الرئيس عباس، لكنها في هذا الاجتماع طرحت مواقف متقدّمة أشادت بها مختلف فصائل المقاومة، باستثناء حركة فتح، والفصائل الملحقة بها». وتضيف أن «الشعبية» عرضت رؤيتها في ما يتّصل بالمواضيع المطروحة على طاولة البحث، والمبنيّة على ثوابت أهمّها: «رفض استخدام مصطلح «المقاومة السلمية»، ورفض تعبير «التمسّك بالشرعية الدولية»، ورفض الاعتقالات السياسية، وضرورة التأكيد على المقاومة الشاملة، وإعادة بناء منظمة التحرير لاستعادة دورها». وفي حين أبدت الفصائل ارتياحها إلى هذه الرؤية، وطُلب من «الشعبية» إعداد «بيان ختامي» للاجتماع ينطلق منها، فإن اللقاء الذي جمع وفد «الشعبية» مع عباس، كان مختلفاً تماماً.
حاول أبو مازن ابتزاز «الشعبية» بالمستحقّات المالية
خلال اللقاء، كرّر مزهر رؤية الجبهة ومحدّدات البيان المزمع إعلانه بعد انتهاء الاجتماع، ابتداءً من رفض الاعتقال السياسي وصولاً إلى رفض تعبير «المقاومة السلمية» و«الشرعية الدولية»، الأمر الذي لم يرُق لـ«أبو مازن»، الذي حاول مقاطعة مزهر أكثر من مرة، ليشير إلى أن استخدام تعبير «المقاومة السلمية»، «مؤقّت فقط، واسمحولي فيها»، قبل أن يقول: «أنا أفهم منكم! أريد مخاطبة العالم بها». وكذلك الأمر بالنسبة إلى «الشرعية الدولية»، إذ أكّد عباس أنها «ضرورية، ولازم ذكرها في البيان الختامي للاجتماع». أيضاً، حاول رئيس السلطة ابتزاز قيادة «الشعبية»، عبر دعوتها للعودة إلى «منظّمة التحرير»، وعندها «ستأخذ الجبهة مستحقّاتها المالية من المنظّمة»، راهناً ذلك أيضاً بموافقتها على تعبيرَي «المقاومة السلمية» و«الشرعية الدولية». لكنّ مزهر أكّد أن «الشعبية» لن ترضخ للعقوبات «ولو بقيت مئة سنة»، قائلاً: «إننا سنبقى نقول موقفنا مهما كانت الظروف».
اجتماع فاشل
لم تُفضِ اجتماعات العلمين إلى أي اتفاق أو تفاهم، وجرى الاكتفاء ببيان رئاسي لم يحمل أيّ جديد، دعا فيه عباس إلى «تشكيل لجنة متابعة من الذين حضروا اجتماع الأمناء العامّين، لاستكمال الحوار حول القضايا والملفات المختلفة»، و«العودة إلينا بما تصل إليه من اتفاقات أو توصيات». وبدا واضحاً أن عباس لم يتمكّن من تمرير ما كان يصبو إليه، إذ لم يفلح في التوصّل إلى بيان ختامي يحمل العبارات التي يريدها، بما يضرّ بموقف المقاومة المسلّحة في غزة والضفة الغربية، ويضعها موضع تشكيك. وتستغرب مصادر حركة «حماس» ما سمّته «إصرار أبو مازن على الشعارات التي لم تأتِ بأيّ مكتسبات للشعب الفلسطيني منذ اتفاق أوسلو حتى اليوم»، مشيرة إلى أن الحركة وإن «لم تكن تعلّق آمالاً كبيرة على الاجتماع، وأن هدفها كان الحفاظ على «مشهدية المقاومة»»، إلا أنها «لم تتوقّع أن يبذل عباس جهوداً في سبيل محاصرة حماس وعزلها مع فصائل المقاومة الأخرى، عبر الإصرار على الموقف السلبي من المقاومة المسلّحة». لكن في المقابل، بدا واضحاً أيضاً، من جهة أخرى، أن عباس نجح في منح سلطته جرعة من «الشرعية» السياسية، واستغلّ تلبية الفصائل لدعوته في سبيل تثبيت نفسه وسلطته وحركته، مرجعيةً سياسية لكل الحركات الفلسطينية، وهو ما ظهر فاقعاً في بيانه الختامي، حين أشار إلى أن على اللجنة المُفترضة «العودة إلينا بما تصل إليه من اتفاقات أو توصيات»، في ما يمثّل أسلوباً لطالما اعتمده «أبو مازن» في كل خطواته التي قام بها سابقاً تحت شعار «إنهاء الانقسام»، حيث يكون هدفه تحقيق مزيد من الشرعية لسلطته وأدائها.
«العقاب» في الضفة
خلال الأيام القليلة التي تلت الاجتماع الفصائلي في مصر، كثّفت الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة، تحرّكاتها في الضفة الغربية، وتحديداً في شمالها، حيث نفّذت عدة اعتقالات جديدة بحق مقاومين. كما عمدت إلى إزالة عوائق كان قد نصبها المقاومون على مداخل مخيم بلاطة، لعرقلة تقدم القوات الإسرائيلية في حال بادرت إلى اقتحام المخيم. وعلى خلفية ذلك، وقعت عدة اشتباكات مسلّحة بين مقاومين وقوات الأمن الفلسطينية، من دون أن تسفر عن أي إصابات. وعليه، يبدو أن رئيس السلطة، قرّر «معاقبة» الفصائل على ما اعتبره «إفشالها» اجتماع العلمين، من خلال ممارسة المزيد من الضغوط على ناشطيها وعناصرها في الضفة. كما أن إجراءات السلطة هذه، تتواءم مع كل الحديث الذي سبق، حول الاتفاق الذي عُقد بينها وبين العدو، والذي قضى بأن تفعّل هي عمل أجهزتها الأمنية في شمال الضفة، وخصوصاً في مدينة جنين ومخيّمها، وهو ما يمكن ملاحظته بسهولة على الأرض.
سيرياهوم نيوز3 – الأخبار