السفير د. عبدالله الأشعل
وقع بعض المعلقين العرب فى المحظور، فقد فرحوا بزوال ترامب كما فرحوا واستبشروا خيرا بالإدارة الجديدة وتحالفوا مع بايدن ضد ألاعيب ترامب وكأنها معركتهم.
ولكن ثبات السياسة الأمريكية منذ عام 1948 نحو إسرائيل يجعل كل رئيس يضيف جديدا فى المشروع الصهيونى، والفارق بين ترامب وسابقيه هو أن ترامب كان مكشوفا وصريحا. فالإصرار الأمريكى على دعم إسرائيل ماليا من جيوب العرب كان مفهوما ولكن ترامب نطق به صراحة، وأمن بعض النظم العربية كانت واشنطن توهمها بأنها مهددة بينما أعلن ترامب صراحة قواعد اللعبة. وكان الباحثون العرب فى حيرة من الالتحام الأمريكى الكامل بإسرائيل وبالعلاقة العضوية معها بل نشر البعض نتائج أبحاث أمريكية مشهورة تبين العبء الاقتصادى الهائل الذى تتحمله واشنطن، وتخرج بنتيجة بأن إسرائيل عبء على دافع الضرائب الأمريكى، ولكن هذا العبء يتحمله العرب، كما أنه جزء من الأمن القومى الأمريكى، ولذلك لا يختلف رئيس عن آخر فى موقفه من إسرائيل، فكلهم ملتزم بالإسهام فى تحقيق المشروع الصهيونى. وعندما استمعت إلى تصريحات كمالا نائب بايدن لم أفاجأ ولكن لهجتها فى دعم إسرائيل فى كل الأحوال وضعها فى مصاف ترامب ولذلك تمنيت أن ينجح ترامب حتى تنحدر أمريكا إلى الصف الأخير .
قالت كمالا أنها تدعم إسرائيل ضد حزب الله وضد حماس وتدين المقاومة لإسرائيل وتدعم إجراءات إسرائيل فى كل الجرائم وتشجعها على ذلك كما أكدت أنها تدعم إسرائيل ضد إيران، وضد الفلسطينيين وأنها توافق على الاستيطان وضم المستوطنات. وقد آدلت بهذه التصريحات بعد ظهور النتائج ، ولاعلاقة لهذا الموقف بتصويت اليهود الأمريكيين لصالح أى من المرشحين، وإنما هى تعبر عن سياسة ثابته تراها الإدارات المتعاقبة تخدم المصالح الأمريكية فى المنطقة. ولذلك فإن تصريحات بايدن عن حل الدولتين وغيرها مما هلل له المعلقون العرب يقع فى مجال اللغو، مادامت إسرائيل هى بؤرة التفاعلات ويترتب على ذلك أننى لا أتوقع تغييرا ملموسا لسياسة ترامب إلا فى بعض الملفات عدا ما يتعلق بخدمة إسرائيل، فإذا كان ترامب خدمها بطريقه معينة فإن الإدارة الجديدة تخدمها بطريقة أخرى، فتتعدد الطرق لخدمة نفس الهدف. والفارق الآخر بين ترامب وبايدن هو الانكشاف والتماهى الكامل مع إسرائيل، وربما جاهرت كمالا بهذه الموآقف حتى توازن بين تصريحات بايدن المتعلقة بإسرائيل وبين الجانب التنفيذى من هذه السياسة.
وقد شرحنا فى مقال آخر أن كلمة أمن إسرائيل التى كررتها كمالا يندرج تحتها كل العناوين. وقد سمحت التجربة الأمريكية باستخلاص دروس عميقه أولها أنه لايمكن التعويل المطلق على رئيس أمريكى بذاته.
والثانى أن المصالح الأمريكية هى المحور الأساسى، طالما خدم الحاكم العربى هذه المصالح وفى مقدمتها إسرائيل وهذا هو الضمان لمنصبه والوجه الآخر أن واشنطن لن تضحى بهم مهما كان جرمهم فى مجال حقوق الإنسان .
والثالث أن المقارنة ظاهرة بين النظم الاستبدادية العربية واستغلال المؤسسات والقمع وبين التجربة الأمريكية ولكن الشعوب العربية يمكن أن تستفيد ثقافيا من المقارنة الظاهرة بين مكونات الحكم الاستبدادى وبين مكونات ومؤسسات الحكم الديمقراطى لكن النخب التى غرقت فى مصالحها لن تستفيد البتة من هذه المسألة.
وختاما، من مصلحة الولايات المتحدة أن تخضع الحكام العرب لمصالح إسرائيل، وليس من مصلحتها التضحية بأى منهم لمجرد أنه يقمع شعبه، فتلك أيضا خدمة للمصالح الصهيونية والأمريكية. ولكن ينتظر أن يعلى النظام الأمريكى الجديد من شعارات حقوق الإنسان دون الدخول فى برامج للإصلاح السياسى.ونورد فيما يلي دروسا قيمة للشعوب
الأول هو وعي المرشح والناخب وحريتخما فالأول يطمح في خدمة وطنه والثاني يختار بلا ضغوط من يظن أنه كذلك مع عدم اغفال الالتزام الحزبي في مواقف النرشح والناخب ولكن الجميع يدرك ان المنصب العام ملك المجتمع يختار له المرشح وفقا للقانون.
الثاني هو صلابة المؤسسات وخاصة القضاء وعم التساهل في انتهاك القانون ولذلك فإن الصندوق هو الذي اتي بترمب وهو نفسه قضي باستبداله.
الثالث هو أن وعي الشعوب العربية هو المخرج الوحيد من ازمة العلاقة بين الحاكم والمحكوم وتلك مسؤولية النخب التي تستطيع ان تحل هذه الازمة ان تسامت علي طموحاتها الشخصية
الرابع أن تجريد المنصب من الامتيازات غير القانونية يقضي علي التكالب عليه.
الخامس ان للمؤسسات وظائف محددة ان انحرفت عنها اربكت المؤشرات الوطنية واسقطت الدولة
السادس هو وظائف الاحزاب والاقبال عليها والاحزاب كالقوارب التي تحتاج الي المياه كي تبحر وهذه المياه هي الحياة السياسية فاذا جففت فلامجال للحديث عن الاحزاب
السابع ان الوحدة من اجل الوطن يسمح بالتعددية كما يقضي علي التفتيت
تلك هي بعض الدروس التي تصلح لتثقيف الشعوب وتبصير الحكام ولكن لاانصح بالمقارنة كما لاانصح بمحاولة نسخ تجارب غيرنا كما لااقر الياس من الاصلاح مهما بدت السحب الداكنة جاثمة في سماواتنا.
سيرياهوم نيوز 5 – رأي اليوم 11/11/2020