| فراس عزيز ديب
لا أذكر تماماً تاريخَ آخر دخولٍ لي إلى دائرة حكومية لإنهاءِ معاملةٍ ما لكنه على الأقل يعود إلى سنواتٍ عدة قبل الحرب اللعينة على سورية، قبلَ أيام كسرتُ هذا الانقطاع مكرهاً أخاكَ لا بطل وبدأت رحلةَ إنهاء معاملة لا تتم إلا باليد حصراً، تخيلت في ذهني عدة سيناريوهات قد تحصل معي خلالَ هذه الرحلة وبمجملها أمور سلبية قد تنتهي بعزوفي عن إنهاء هذه المعاملة، سرت برفقة ابنتي أولاً باتجاهِ البحث عن الدائرة الحكومية ولأننا شعبٌ طيب لا يحتاج الأمر لأكثرَ من سؤالٍ لأحد المارة للوصولِ إلى الوجهةِ المطلوبة، دخلت الدائرة الحكومية وبذهني قوله تعالى «ادخلوها بسلامٍ آمنين»، فعلياً كان لي ما أردت كل الخوف ذهبَ أدراج الرياح بمجرد أن ابتسمت الموظفة وسألتني عن الأوراق التي أحملها، لم يأخذ الأمر أكثر من 15 عشرة دقيقة بما فيها الذهاب إلى الطابق الأرضي لإنجاز الدفع الالكتروني، حاولت جاهداً أن أفهم كلام الموظفة بأن طلباتنا ستكون جاهزة خلال نصف ساعة من الآن أو الانتظار حتى مطلع الأسبوع القادم لأعود لاستلامه، أعدت السؤال، نصف ساعة؟ الأسبوع القادم؟ أكدت لي الأمر وبدأت رحلة انتظار نصف الساعة لتجنب العودة وما تعنيه من استهلاك للوقود الشحيح أصلاً، شعرت بالنشوة أخذت هاتفي المحمول لأتصفح مواقع التواصل الاجتماعي ولأنني جلستُ على مقعدٍ قرب إحدى الكوات سمعت نقاشاً بين رجل أربعيني وموظفة أخرى، الحديث كان ودياً لكن من الواضح أن الرجل الذي معه صبية بالكاد تجاوزت السادسة عشرة قد تم رفض طلبه بحيث طلبت منه الموظفة الحصول على موافقة المدير حصراً لكون حالته استثنائية، ولأن الصحفي يمتاز بالحشرية فهمت من الكلام أن الرجل هو عم الفتاة وقد جاء مع ابنة شقيقه للتسجيل على طلب هوية شخصية لكن حضوره كبديلٍ لوالد الفتاة لا ينفع هي بحاجة حضور والدتها أو والدها حصراً لكونهما على قيدِ الحياة لأخذِ بصمة أحدهما، علماً أن والد الفتاة حضر معها لكن ولأنه تعرضَ للإصابة خلال الزلزال الأخير فإنه لا يستطيع صعود الدرج، ما الحل؟
تم عرض القصة على المدير، فكانت فكرته لحل الموضوع أن يذهبَ أحد الموظفين إلى حيث يوجد الأب للتأكد من هويته والقيام بتبصيمه وهو داخل سيارته تجنباً لصعوده المستحيل حيث مكتب المراجعة،
فعلياً تم الأمر، عادت الفتاة مبتسمة لأنها لم تتسبب لوالدها بإزعاجات الصعود المرهق، هي لمسة إبداع بالتفكير خارج الصندوق جعلت الجميع مرتاحاً.
في المساء رويت ما جرى لأحد الأصدقاء وقلت له إني سأكتب عما جرى، ابتسم قائلاً إن أحداً لن يصدقك بأن المعاملة تمت بهذه السلاسة أو على الأقل من دون معرفتهم بأنك صحفي خوفاً من سطور السلطة الرابعة وهو يعلم تماماً بأني لا أتعاطى بهذا المنطق، لكن أكثر ما أثار استغرابي قوله إن أحداً لن يصدق أن المدير ابتكر الحل لخدمة المواطن بل لأسباب تعرفها فقط أدراج المكاتب، ولو أردنا التفكير بروتين أكبر فهناك ربما من سيرجم هذا المدير لأنه طبق روح القانون وليس القانون، وضعت كل هذه الترهات خلفي من مبدأ أن علينا تعويم الظواهر الإيجابية لا ضربها بسياط التشكيك الذي لا يرحم والأهم من ذلك ثقتي الكاملة بأن ما نحتاجه فعلياً بكل المؤسسات وللمشاكل الصغيرة قبل الكبيرة أشخاص تفكر من خارج الصندوق تحديداً أن صندوقنا وللأسف أكل مفاتيحه الصدأ.
سيرياهوم نيوز3 – الوطن