| أحمد العبد
لم يكَد ينام جيش الاحتلال على «حدث أمني صعب في مدينة نابلس»، فجر الأربعاء، حتى استيقظ على عملية صعبة للغاية قرب رام الله، في حدثيْن ولو اختلفا في طريقة التنفيذ، إلا أنهما أكّدا حقيقة واحدة؛ وهي تصاعد عمليات المقاومة، وفشل كل محاولات الاحتلال منعها، والذي ينذر بفقدانه السيطرة على الضفة الغربية المحتلة. ولم يقتصر المشهد «الضفاوي» المشتعل على هذيْن الحدثيْن، بل شهدت مناطق مختلفة من الضفة أيضاً سلسلة عمليات خلال أربع وعشرين ساعة، أنبأت كلّها بالدلالة المشار إليها نفسها.
واستُهلّ مسلسل العمليات بدهس جندي جنوب الخليل ظهيرة الأربعاء، لتتبع ذلك مساءً عملية طعن في القدس المحتلة أسفرت عن إصابة مستوطن بينما استشهد المنفّذ. أمّا الحدث الأهم فتمثّل في العبوة الناسفة التي انفجرت بقوات الاحتلال في مدينة نابلس، وأسفرت عن إصابة ضابط و3 جنود. وتُضاف إليها أيضاً إصابة 4 مستوطنين بعد رشق مركباتهم بالزجاجات الحارقة والحجارة قرب قلقيلية، واشتباكات مسلّحة في أكثر من موقع في الضفة نجمت عنها إصابة جندي في قرية كفرذان قرب جنين، ومقتل جندي وإصابة 5 آخرين في عملية دهس قرب رام الله استطاع خلالها المنفّذ إتمام مهمّته بنجاح وتحقيق إصابات مباشرة وخطيرة، لينتقل إلى حاجز آخر وتجديد هجومه قبل أن يتم إطلاق النار عليه.
بالنسبة إلى المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، لا يقلّ خطر عمليات الدهس، والتي تشي بتطوّر أداء منفّذي العمليات لجهة كفاءتهم وتخطيطهم الجيد وتنفيذهم الدقيق، عن خطر ظاهرة العبوات الناسفة، والتي باتت تحتلّ هي الأخرى صدارة اهتمام تلك المؤسسة، لما يرافقها من تطوّرات تظهر تقدّماً في إنتاج العبوات وجودتها وطريقة تفجيرها. وفي أعقاب عملية الدهس غربي رام الله، قال رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، إنه «صباح صعب آخر». وبالمثل، قال رئيس حزب «الصهيونية الدينية» ووزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، من مكان العملية: «صباح صعب وحادث صعب وعملية قاسية جداً، أصبحنا كل يوم ندفن إسرائيليين، يجب أن نغيّر هذا القدر». أما وزير الأمن، يوآف غالانت، فسارع إلى إجراء مشاورات أمنية، متوعّداً بأن عملية الدهس ستكون لها عواقب وخيمة. ومن جهتها، قالت «القناة 14» الإسرائيلية: «يوم دموي مليء بالرعب في إسرائيل: عمليات دهس وطعن وإلقاء حجارة وعبوات ناسفة».
وعلى غرار العبوات السابقة التي جرى تفجيرها سابقاً في مخيمَي جنين ونور شمس، بطريقة منظّمة ومحكَمة، حظيت عبوة نابلس باهتمام كبير في الأوساط الإسرائيلية، حيث أفيد بأنها تحتوي على موادّ ناسفة غير معهودة أو قليلة الاستخدام، بينما ذكرت «القناة 12» العبرية أنها «تزن 20 كيلوغراماً وتثير قلق المؤسسة الأمنية». وفي السياق نفسه، أفادت مصادر محلية، في حديث إلى «الأخبار»، بأن العبوة الناسفة تسبّبت بانفجار شديد سُمع دويّه في مختلف أحياء ومناطق نابلس، وقد استهدفت بشكل دقيق ومباشر قوة راجلة من الجنود أثناء مرورها بالقرب من مكان العبوة. وعلى إثر ذلك، هرعت مركبات الإسعاف التي سُمِعت أصواتها تلعلع في المكان، إلى جانب بكاء وصراخ الجنود الذي كان مسموعاً من قبل المواطنين.
طلبت سلطة رام الله من حكومة الاحتلال مركبات مدرّعة من نوع «ديفيد» لتصعيد حملتها ضد المقاومين في الضفة
وكانت الأوساط الإسرائيلية كثّفت الحديث عن مسار تهريب العبوات الناسفة إلى الضفة، بعد زعم جيش الاحتلال، الأحد الماضي، إحباط عملية تهريب وصفها بـ«الاستثنائية» لعبوات ناسفة شديدة الانفجار، إيرانية الصنع، عبر الحدود الأردنية. كذلك، تصاعدت الإنذارات من إمكانية وقوع تفجيرات نتيجة التحول المتسارع في هذا المسار؛ إذ قال ضابط كبير في جيش الاحتلال، الإثنين الماضي، إن «آليات الجيش الإسرائيلي باتت مصيدة موت للجنود لعدم صمودها أمام العبوات الإيرانية»، فيما نقل موقع «واللا» العبري عن مصدر في قيادة جيش الاحتلال في الضفة أن سيارات الجيب المدرّعة «غير قادرة على التعامل» مع العبوات الموجّهة التي «تشكل تهديداً حقيقياً للقوات التي تنفذ الاقتحامات الليلية في الضفة الغربية». وأضاف المصدر أن «الإيرانيين يحاولون تهريب عبوات ناسفة تزيد قوتها وقدرتها على القتل عدّة مستويات عن العبوات التي يتم إنتاجها في الضفة». وأشار الموقع إلى وجود قلق داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية من مدى تطور التنظيمات الفلسطينية في الضفة، ومن محاولات تهريب العبوات من الخارج إليها، واستخدامها بشكل مفاجئ ضد القوات الإسرائيلية، بحيث قد تصبح سيارات الجيب المضادة للرصاص «أفخاخ موت» للجنود.
في كل الأحوال، باتت العبوات الناسفة ظاهرة حقيقية في المدن والمخيمات والقرى الفلسطينية، وقد نجح المقاتلون في استنساخ صناعتها وتفعيلها، وصولاً إلى تفجير إحداها، صباح الخميس، في إحدى الجيبات العسكرية في بلدة الزبابدة قرب جنين، ما دفع الجيش إلى منع التجوّل في البلدة وإغلاقها، ومن ثم الإعلان عن تفجير مخزن يضم عدّة عبوات مخبّأة. وينذر هذا التصاعد المستمر في عمليات المقاومة في الضفة، ولا سيّما في ظلّ تهديدات العدو المتزايدة باغتيال قادة في المقاومة، وعلى رأسهم الشيخ صالح العاروري، ردّاً على ما يجري في الضفة.
وأياً يكن، يدرك الكيان أن المواجهة المقبلة لن تقتصر على حدود فلسطين، ولعلّ هذا ما دفع نتنياهو إلى استعجال عقد اجتماع «الكابينت»، الذي كان مقرّراً في أيلول، لبحث استعدادات الجيش الإسرائيلي لحرب متعدّدة الساحات تشرف عليها إيران، بالتزامن مع بدء الحكومة تحصين المواقع الاستراتيجية الهامة في الكيان استعداداً لحرب قادمة، بما يشمل استكمال «حماية 17 محطة كهرباء في جميع أنحاء إسرائيل»، وفق ما كشف عنه موقع «واللا» العبري.
في خضمّ ذلك، تصعّد الأجهزة الأمنية الفلسطينية حملتها ضد المقاومين في الضفة، والتي تمثّل آخر فصولها في إزالة متاريس حديدية وضعتها المقاومة على مداخل مخيم طولكرم لإعاقة اقتحامه من قبل قوات الاحتلال، ما أدّى إلى اندلاع مواجهات عنيفة مع الأهالي صبيحة الأربعاء، أسفرت عن استشهاد شاب برصاص الأجهزة الأمنية، لتتجدّد بعد ذلك المواجهات في ساعات المساء، وتسفر عن إصابة خطيرة لشاب آخر. وفي السياق، كشفت «القناة 12 العبرية» عن طلب قدّمته السلطة الفلسطينية لحكومة الاحتلال، لشراء مركبات مدرّعة من نوع «ديفيد» يستخدمها الجيش الإسرائيلي، متوقّعةً أن تتم الموافقة على الطلب، مضيفة أن حكومة الاحتلال مستعدّة حتى للسماح للسلطة بشراء وسائل لتفريق التظاهرات، من مثل الهراوات المطاطية والغاز المُسيّل للدموع والخوذات والدروع. وذكر مراسل القناة، نير دفوري، أن المنظومة الأمنية مندهشة من نشاط السلطة وأجهزتها في جنين، وذلك بعد أسابيع من العملية العسكرية الواسعة التي نفّذها جيش الاحتلال في المخيم. وفي الاتجاه نفسه، ذكرت مصادر عبرية أن الجيش الإسرائيلي يجمّد عمله في مدينة جنين ومخيمها في الوقت الراهن بطلب أميركي، كي لا يؤثر على تقدم المفاوضات لإنجاز اتفاق التطبيع بين السعودية وإسرائيل، وكي تتاح الفرصة للسلطة الفلسطينية لمواصلة عملها الذي تقوم به حالياً.
سيرياهوم نيوز3 – الأخبار