أكد وزير الخارجية والمغتربين فيصل المقداد أمس أن الأمن القومي العربي مترابط لا يتجزأ ويتطلب الحفاظ عليه تعاوناً صادقاً بين الدول العربية، لافتاً إلى أن سورية تتعاون مع لجنة الاتصال العربية على قاعدة الالتزام الكامل بسيادتها واستقلالها ووحدتها وسلامتها الإقليمية وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وانطلاقاً من قناعتها بأهمية الدور العربي الأخوي في دعم الشعب السوري لتجاوز تداعيات الحرب الإرهابية عليه والتغلب على التحديات الأساسية التي تواجهه.
ونقلت وكالة «سانا» عن المقداد قوله خلال إلقاء كلمة سورية أمام الدورة الـ160 لمجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري في القاهرة أمس: «نجتمع اليوم في وقت لا يزال العالم يواجه تحديات وأزمات متشابكة تهدد دوله، أفرزها اللجوء خلال السنوات الماضية إلى نهج أحادي في إدارة العلاقات الدولية تنتهك سيادة الدول وتتدخل في شؤونها الداخلية، وتستهدف مؤسساتها الوطنية وتهدد وحدتها وسلامة أراضيها، خدمة لأجندات تدخلية تتبناها وتروج لها بعض الدول الغربية وتنتهك قواعد القانون الدولي ومبادئ ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة.
وأشار إلى أن الغرب الجماعي الذي يطرح اليوم مفهوم العالم القائم على القواعد، إنما يريد فرض قواعده على شعوب العالم الأخرى، بما في ذلك شعوبنا لأنه هو الذي وضع هذه القواعد في غفلة من الزمن، وهو مدرك أن هذه القواعد تتناقض مع قواعدنا وأخلاقنا وقيمنا، أما عندما يتحدثون عن الحوكمة فإنهم يقصدون تحكمهم بشعوب العالم، وأوضح دليل على ذلك هو ما يسمى ولايته الكونية على قوانيننا وفكرنا وقضائنا واستقلالنا وسيادة أوطاننا.
وبين المقداد أن منطقتنا العربية كانت ولا تزال عرضة بدرجات مختلفة للتداعيات التي أفرزتها هذه التوجهات، حيث يواجه العديد من دولنا تدخلات في شؤونها الداخلية واعتداءات عسكرية واحتلالاً أجنبياً لأجزاء من أراضيها وانتشاراً للإرهاب والفقر وتراجع المؤشرات التنموية، وتابع: «إن هذا الواقع يدفعنا للتأكيد مجدداً على الحاجة لتعزيز العمل العربي المشترك في معالجة القضايا الرئيسية التي تهمنا والتوافق على إصلاح مؤسسة الجامعة العربية وتطوير عمل آلياتها من خلال الحوار الشفاف والاحترام المتبادل والمصالح المشتركة بين دولنا، بما يمكننا من بلورة خطط مشتركة للتصدي للأخطار التي تهدد شعوبنا ودولنا ووضع حلول لها، ومن مواكبة التطورات الدولية والتأثير فيها، في ظل مؤشرات جدية على نهاية هيمنة القطب الواحد في النظام الدولي السائد لمصلحة عالم متعدد الأقطاب، وقد طرح السيد الرئيس بشار الأسد جملة من الأفكار لإصلاح آليات عملنا المشترك، التي سنعود إلى طرحها خلال مداولات مجلس الجامعة حولها».
وأوضح أن قمة جدة بقراراتها المهمة، والانفراجات العربية- العربية والعربية- الإقليمية التي سبقتها، واستمرار سورية في ممارسة دورها المحوري الطبيعي في محيطها العربي، شكلت نقطة انعطاف مهمة وتدشيناً لمرحلة جديدة من العمل العربي المشترك والتقارب الإقليمي للتضامن بيننا ولخدمة دول المنطقة وشعوبها.
وقال المقداد: «علينا جميعاً أن نتمسك بما تحقق في قمة جدة، فالأمن القومي العربي مترابط لا يتجزأ ويتطلب الحفاظ عليه تعاوناً صادقاً بين الدول العربية ومؤسساتها المشتركة للمساهمة، بناء على طلب الدول المعنية، في تسوية الأزمات التي تعصف بليبيا واليمن والسودان بعيداً عن التدخلات الخارجية، ومواجهة التدخلات العسكرية التركية في سورية وغيرها من البلدان العربية التي يهدد استمرارها الأمن القومي العربي والمصالح العربية العليا».
ولفت المقداد إلى أن سورية تتعاون مع لجنة الاتصال العربية على قاعدة الالتزام الكامل بسيادتها واستقلالها ووحدتها وسلامتها الإقليمية وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وانطلاقاً من قناعتها بأهمية الدور العربي الأخوي في دعم الشعب السوري لتجاوز تداعيات الحرب الإرهابية عليه والتغلب على التحديات الأساسية التي تواجهه، وفي مقدمتها مكافحة الإرهاب بمختلف أشكاله ومظاهره، وإنهاء أي وجود عسكري أجنبي غير شرعي على الأراضي السورية باعتباره احتلالاً ينتهك القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، ورفع الإجراءات القسرية الأحادية المفروضة على الشعب السوري، إضافة إلى توفير متطلبات عودة السوريين النازحين داخل سورية وخارجها إلى ديارهم وبلدهم.
وبين المقداد أن الاجتماع الأول للجنة الذي استضافته القاهرة منتصف الشهر الماضي، وفر مناسبة لعرض الإجراءات والتسهيلات التي اتخذتها سورية خلال الفترة الماضية لإيصال المساعدات الإنسانية لجميع مواطنيها من دون تمييز، ولتسهيل عودة السوريين الراغبين إلى بلدهم، ومناسبة لاستعراض الصعوبات التي تعرقل عودتهم نتيجة للإرهاب وللحصار الاقتصادي الغربي، مؤكداً في هذا المجال أهمية الدعم الدولي لتوسيع نطاق الأنشطة الإنسانية في سورية، لتشمل مشاريع التعافي المبكر وتمويلها بعيداً عن المشروطية السياسية، بهدف تحسين الأوضاع الإنسانية وتهيئة الأرضية اللازمة لعودة اللاجئين على سبيل الأولوية.
وتابع المقداد: «البيان الختامي الصادر عن اجتماع القاهرة يوفر الإطار الأمثل للتحرك والتعاون مع الدول العربية في المرحلة الحالية، بعيداً عن المحاولات الأميركية والغربية للتشويش على هذا المسار وعرقلته، بل إن الدول الغربية تدخلت بشكل وقح ومارست ضغوطاً غير مقبولة لمنع أي تقارب عربي خدمة لأهدافها ولعدوانها بما في ذلك بشأن بعض القرارات التي اعتمدتها قمة جدة».
وأوضح المقداد أن التحديات الرئيسية التي تواجه سورية لا تقتصر عليها، بل يمتد نطاقها لتهدد الأمن القومي العربي برمته، فالإرهاب الذي طال بجرائمه سورية والعديد من الدول العربية، والاحتلال التركي والأميركي لأجزاء من الأراضي السورية ومفرزاته، يهدد المصالح العربية بشكل عام ويتطلب تضافر الجهود لوضع حد له.
ولفت إلى أن الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة وجرائم الاحتلال، والاستيطان الاستعماري الإسرائيلي في فلسطين وفي الجولان السوري المحتل، ومحاولات تكريس الاحتلال والترويج لإجراءاته غير القانونية بضم القدس الشرقية والجولان السوري المحتل، تستوجب حشد الدعم الدولي والضغط لوضع حد لها ولمخاطرها على السلم والأمن الدوليين وعلى فرص تحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة القائم على الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأرض الفلسطينية المحتلة ومن الجولان السوري المحتل إلى خط الرابع من حزيران 1967، وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس تنفيذاً لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة ومبدأ الأرض مقابل السلام ومبادرة السلام العربية.
وأعرب المقداد عن تطلع سورية إلى أن ترقى مناقشات الدورة الحالية لمجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري وقراراتها إلى مستوى التحديات والأخطار التي تهدد دولنا وأمتنا العربية، وأن تؤسس لتضامن حقيقي يمنع التدخلات الخارجية في شؤونها ويركز على تحقيق التحرر ومكافحة الإرهاب والتنمية والازدهار بدلاً من الحرب والدمار.
وعلى هامش مشاركته في اجتماع مجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري، بحث المقداد مع رئيس وفد دولة الإمارات العربية المتحدة إلى اجتماع الحوار السياسي العربي الياباني المنعقد في مقر جامعة الدول العربية وزير الدولة أحمد علي الصايغ، العلاقات الثنائية وسبل تعزيزها بين البلدين الشقيقين.
وأكد المقداد عمق العلاقات الأخوية التي تجمع بين سورية والإمارات، والتي تعززت في ظل قيادة الرئيس بشار الأسد وسمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، معرباً عن التقدير للدور الذي قامت به الإمارات خلال عضويتها في مجلس الأمن، الذي دافعت خلاله عن المصالح العربية، كما ثمّن الوزير المقداد الموقف الإنساني للإمارات في دعم سورية خلال كارثة الزلزال الذي ضربها.
بدوره نقل الصايغ محبة وتقدير الشعب والقيادة في الإمارات لسورية قيادةً وشعباً، معرباً عن تطلع الإمارات لتعافي سورية السريع واستعادتها لدورها الذي ينعكس إيجاباً على أمن المنطقة والدول العربية.
كما التقى المقداد رئيس وفد المملكة العربية السعودية نائب وزير الخارجية وليد عبد الكريم الخريجي، حيث أكد الجانبان حرص البلدين على تطوير مستوى علاقاتهما الثنائية، وعبّرا عن ارتياحهما للمستوى الذي تشهده هذه العلاقات بعد اللقاء الذي جمع بين الرئيس الأسد وسمو الأمير محمد بن سلمان خلال القمة العربية في جدة.
وتم خلال اللقاء استعراض عدد من الملفات ذات الاهتمام المشترك، وتم التوافق على متابعة التنسيق والتشاور بما فيه مصلحة الشعبين والبلدين الشقيقين.
وفي السياق التقى المقداد كلاً على حدة نظراءه العُماني بدر بن حمد البوسعيدي، والموريتاني محمد سالم ولد مرزوك، والتونسي نبيل عمار، وتم خلال اللقاءات بحث العلاقات الثنائية وسبل تطويرها، إضافة إلى بحث آخر التطورات على الساحتين العربية والإقليمية والعلاقات الثنائية وسبل تطويرها.
وشدد كل من البوسعيدي وولد مرزوك وعمار وقوف سلطنة عمان وموريتانيا وتونس إلى جانب سورية في محاربة الإرهاب.
حضر اللقاءات السفير حسام الدين آلا مندوب سورية الدائم لدى جامعة الدول العربية، وجمال نجيب مدير مكتب وزير الخارجية والمغتربين، وأعضاء من السفارة السورية في القاهرة.
سيرياهوم نيوز3 – الوطن